"هيئة تحرير الشام" تتراجع في ريف إدلب لاحتواء الغضب الشعبي

18 يوليو 2024
احتجاجات ضد "هيئة تحرير الشام" بإدلب، مايو 2024 (معاوية أطرش/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **اتفاق بين "هيئة تحرير الشام" ووجهاء بنش**: تم الاتفاق على الإفراج عن المعتقلين، سحب الحواجز الأمنية، وتعليق التظاهرات لمدة 3 أشهر، مع متابعة تنفيذ المطالب ووقف التحريض الإعلامي.

- **خلفية التظاهرات في بنش**: اندلعت التظاهرات بسبب اعتقالات تعسفية وتجاوزات أمنية، مطالبة بإسقاط قائد الهيئة أبو محمد الجولاني، وحل مجلس الشورى، وتشكيل مجلس جديد، والإفراج عن معتقلي الرأي.

- **ردود الفعل والمستقبل**: الاتفاق لم يحظَ بإجماع سكان بنش، ومن المتوقع عقد طاولة حوار بعد 3 أشهر لمناقشة مطالب الحراك، وسط مخاوف من خرق الاتفاق.

توصلت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وهي سلطة الأمر الواقع في شمال غرب سورية، إلى اتفاق مع وجهاء بلدة بنش في ريف إدلب، أمس الأربعاء، لإنهاء التوتر في البلدة وإيقاف التظاهرات التي اكتسبت زخماً أول من أمس الثلاثاء، بعد دهس إحدى المشاركات في الحراك من قبل أحد العناصر في الجهاز الأمني للهيئة.

ونص الاتفاق الذي جرى تداوله صباح أمس الأربعاء على "الإفراج عن موقوفي مدينة بنش على خلفية الأحداث الأخيرة، وخصوصا منذ 7 يوليو/تموز الحالي"، و"سحب الحواجز والقوى الأمنية من مدينة بنش"، في مقابل "تعليق كافة أشكال الحراك والتظاهر في بنش لمدة 3 أشهر وعودة الحياة المدنية إلى طبيعتها". كما اتُفق على "متابعة تنفيذ المطالب، عبر الوجهاء، بين ممثلي الحراك وإدارة المنطقة، ووقف كل أشكال التحريض الإعلامي من قبل الجميع". كما نص الاتفاق على متابعة أمور الموقوفين في بنش من غير أبنائها "عبر وجهاء مناطقهم لحين الإفراج عنهم"، و"محاكمة الضالعين بالهجوم على مسؤول كتلة بنش (تابع للهيئة)، والضالعين بالهجوم على الدورية الأمنية ومخفر بنش وتضمن الجهات المختصة محاكمة سريعة وعادلة"، وفق نص الاتفاق المنشور.

"هيئة تحرير الشام" ومتظاهري بنش

وكانت بلدة بنش، الواقعة إلى الشرق من مدينة إدلب مركز المحافظة التي تحمل ذات الاسم، بنحو 7 كيلومترات، شهدت خلال الأيام القليلة حراكاً شعبياً واسع النطاق ضد "هيئة تحرير الشام" التي لم تلجأ حتى اليوم إلى استعمال القوة المفرطة ضد المتظاهرين لخشيتها من اتساع نطاق المواجهة. ولجأت "هيئة تحرير الشام" إلى شتى السبل لمحاصرة هذا الحراك والقضاء عليه، بما فيها اعتقال ناشطين بارزين، إلا أنها فشلت في ذلك. وجاءت حادثة دهس فتاة خرجت متظاهرة للمطالبة بإطلاق سراح أبيها المعتقل منذ عدة أيام، من قبل أحد الأمنيين في الهيئة لتفجر غضباً شعبياً في البلدة، دفع السكان للخروج بتظاهرات حاشدة ضد الهيئة وقائدها أبو محمد الجولاني.

وعلى خلفية التظاهرات، فرضت الهيئة خلال الأيام القليلة الماضية طوقاً أمنياً على جميع مداخل مدينة بنش، مع انتشار على طريق بنش ـ إدلب، ووجود دوريات بشكلٍ مستمر في بعض الأحياء داخل المدينة، وذلك بهدف منع خروج تظاهرات فيها. واعتقلت الهيئة أكثر من عشرة أشخاص إثر هجوم على مخفر لشرطة حكومة الإنقاذ (الذراع الأمنية لهيئة تحرير الشام) ما أسفر عن احتراق سيارة، وإصابة شرطي. وكانت أرياف محافظة إدلب وحلب قد سجلت يوم الجمعة الماضي قرابة 16 نقطة تظاهر ضد "هيئة تحرير الشام"، طالب فيها المتظاهرون بإسقاط الجولاني، وحل مجلس الشورى، وتشكيل مجلس شورى جديد بعيداً عن "حكومة الإنقاذ" والفصائلية، والإفراج عن معتقلي الرأي، وتبييض السجون.

محيي الدين أبو سعد: الخلافات تصب في صالح النظام السوري وحلفائه

وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن الاتفاق الذي أبرمه الوجهاء مع "هيئة تحرير الشام" "ليس محل اتفاق لدى سكان البلدة"، مشيرة إلى أن البعض عارضه مطالباً باستمرار التظاهر. وبيّنت المصادر أن الملفات التي تناولها الاتفاق "يجب ألا تكون محل تفاوض مع الهيئة"، مضيفة أن "إطلاق سراح المعتقلين وسحب الحواجز والمظاهر المسلحة هذه مسائل محسومة لأنه لا يجوز أصلاً اعتقال أحد أو ترهيب الناس من قبل الهيئة". وأوضحت أن مطالب الحراك في بنش تتمثل في المشاركة في إدارة الشمال الغربي من سورية، كي لا يبقى القرار لدى الهيئة وحدها من دون القوى المحلية والسياسية، مضيفة: نطالب بمجلس شورى منتخب من جميع البلدات والمدن، تكون له الكلمة الفصل في كل القضايا والملفات التي تخص الشمال الغربي من سورية.

من جهته، اعتبر الناشط في الحراك محيي الدين أبو سعد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخلافات التي تفضي إلى نزاع في شمال غرب سورية "تصب في صالح النظام السوري وحلفائه"، مشيراً إلى أن أخطاء ارتكبت من الجهاز الأمني التابع للهيئة ومن المتظاهرين في الوقت نفسه. وتابع: عندما شعرنا أن الأمور يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة، كان لا بد من الجلوس على طاولة التفاوض من دون شروط مسبقة. كان هناك استجابة من الجانبين، لأن عدم الاتفاق يقود الشمال الغربي إلى فوضى أمنية.


أحمد حسان: ستُعقد طاولة حوار مع هيئة تحرير الشام بعد 3 أشهر لمناقشة مطالب الحراك الثوري

طاولة حوار في إدلب

في السياق، بيّن الناشط أحمد حسان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "تم الاتفاق على الجلوس على طاولة حوار مع هيئة تحرير الشام بعد ثلاثة أشهر لمناقشة مطالب الحراك الثوري في إدلب، بعد إطلاق سراح الموقوفين وسحب كل المظاهر المسلحة". وتعليقاً على الاتفاق الذي تم الأربعاء بين "هيئة تحرير الشام" ووجهاء بنش، رأى الباحث في مركز "جسور" بسام أبو عدنان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاتفاق يمثّل تراجعاً من الطرفين بعد وصول الأمور إلى نقطة حرجة". وأشار أبو عدنان، المقيم في الشمال السوري، إلى وجود خلاف داخل بنش بين من يؤيد استمرار الحراك وبين من يريد الحوار مع الهيئة وإنهاء التوتر وانعكاساته. كما رأى أنه "من الممكن حدوث خرق للاتفاق كما حدث في اتفاقات سابقة جرت في محافظة إدلب"، إلا أنه رأى "أن سيناريو التهدئة هو الراجح بسبب خوف الطرفين من أن يؤدي التوتر إلى صدام يتحول إلى نزاع داخل بنش".

وجاءت التظاهرات في بنش ضمن سياق حراك شعبي واسع النطاق، ضد "هيئة تحرير الشام" في شمال غرب سورية بدأ أواخر فبراير/شباط الماضي على خلفية اعتقالات واسعة قام بها الجهاز الأمني في الهيئة، وتعرّض المعتقلين لتعذيب أفضى إلى موت البعض منهم. وسرعان ما عمّ الحراك الشعبي عموم محافظة إدلب مطالباً بـ"إسقاط الجولاني" والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية للحيلولة دون انفجار شعبي عارم بسبب تراكم الأزمات الناجمة عن سياسة التفرد بالقرار التي تنتهجها الهيئة. وأخلفت الهيئة بوعود قطعتها بإجراء "إصلاحات" ترفع سقف الحريات وتفضي إلى انتخاب مجلس يمثل سكان محافظة إدلب ومحيطها تمثيلاً حقيقياً، وتحد تجاوزات الجهاز الأمني بحق السكان، وهو ما يُبقي التوتر قائماً في عموم المحافظة. وتشير المعطيات إلى أن "هيئة تحرير الشام" ليست بصدد القيام بإصلاحات يمكن أن تؤدي إلى تقليص نفوذها في شمال غرب سورية المثقل بالأزمات المعيشية والاقتصادية.

المساهمون