"الديموغرافيا": دراسة السكّان بحسب لوي هنري

30 يناير 2020
("الجمال الرفيع للقارات الخمس" لـ فريدريك برولي بوابريه، Getty)
+ الخط -

انشغل عدد من المؤرّخين الأوروبيين منذ القرن الثامن عشر بدراسة السكّان عبر تحليل سجلات الكنيسة والسجل المدني وتلك المتوفرة في الإدارات والمؤسسات الحكومية، والإحصاءات السكانية التي بدأ إجراؤها بشكل منتظم في فترة لاحقة، وعلم الأنساب، لفهم متغيّرات أساسية تتعلّق بالخصوبة والوفيات والهجرة، وخصائص مكوّنات المجتمع مثل الزواج وتكوين الأسرة والحالة الاقتصادية.

تعدّ مساهمات المؤرّخ الفرنسي لوي هنري (1911 - 1991) أساسية في تطوير هذا الحقل المعرفي ضمن جملة مؤلّفات، من أبرزها كتابه "الديموغرافيا: التحليل والنماذج" الذي ظهرت طبعته الأولى عام 1972، وصدرت نسخته العربية حديثاً ضمن سلسلة "ترجمان" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، بترجمة الباحثة السورية مدى شريقي.

استفاد المؤلّف من البيانات السكّانية الوفيرة لدى الأجهزة الإدارية في بلده فرنسا، وهذا الإطار ساهم في تطوير تصوّراته، إذ إن الدولة الفرنسية تعدّ من بين أكثر الدول حرصاً على التعداد ضمن محاولتها إدارة المجتمع بطرق علمية، وهو توجّه جاء بتأثير النزعة الوضعية التي سادت المشهد السياسي والفكري منذ القرن التاسع عشر، والتي كانت فرنسا حاضنتها الأولى من خلال تنظيرات عالم الاجتماع أوغست كونت. هكذا توفّرت أمام هنري مادة ضخمة جمعت بين الإحصاء ومحاولة الاستثمار السوسيولوجي والسياسي.

تعني الديموغرافيا عند هنري التحليلَ الديناميكي لبناء السكان، وأتت هذه الخلاصة بعد إدراجها ضمن العلوم الاجتماعية في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، حيث استطاع وضع نموذج نظري للتركيبة السكانية التاريخية مع دراسته لتاريخ السكان في أوروبا ما قبل الثورة الصناعية، وتوجيه أبحاثه نحو دراسة الخصوبة في تاريخ فرنسا الحديث، انطلاقاً من افتراض وجود نظام طبيعي للإنجاب.

إلى جانب ذلك، درَس هنري الديموغرافيا في المستعمرات الفرنسية والبلدان النامية، وتقاطعت بحوثه مع علم الوراثة، والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، وشغل مناصب استشارية عديدة ضمن السياسات العامة، أما على المستوى الأكاديمي فقد اعتبر مؤسساً للديموغرافية التاريخية بالمفهوم الدقيق خلال الخمسينيات، من خلال عمله في "المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية"، إذ كان من أوائل الباحثين الذين تنبّهوا إلى أهمية الإحصاءات القديمة وكونها تمثّل سنداً للبيانات الحديثة ووضَع أيضاً قواعد التحليل المجهري المعروفة بـ"منهج هنري".

في كتاب "الديموغرافيا" لا يكتفي المؤلف بالتعريف بهذا الحقل العلمي وأدواته وموضوعاته، بل يرشد القارئ إلى عمق مقوّمات التحليل الديموغرافي، كاشفاً في كل خطوة عن مدى التداخلات بين مختلف الظواهر الديموغرافية والطرائق والآليات المتعلقة بتفكيك هذه التداخلات، على نحو يتيح التوصل إلى صورة تحليلية سليمة للمعطى العددي، ويتجاوز القراءات الوصفية التبسيطية للرقم الإحصائي.

يتألّف الكتاب من قسمين؛ يشمل القسم الأول، المعنون "التحليل الديموغرافي"، مقدمة وعشرة فصول، هي: "تحليل نتائج تعداد السكان العام"، و"تحليل موجَز لحركيّة السكان على امتداد عام تقويمي واحد"، و"عموميات في تحليل الظواهر الديموغرافية"، و"الزواجية"، و"الخصوبة"، و"جوانب أخرى متعلقة بالخصوبة: الأسرة"، و"مقارنات: التحليل والتركيب مقطعياً"، و"الوفيات"، و"التنقل والهجرات"، و"الحركية الطبيعية للسكان".

أمّا القسم الثاني؛ "النماذج"، فيتضمّن مقدمة وخمسة فصول، هي: "نماذج تطور السكان"، و"نماذج تأسيس الأسرة بدءاً من الزواج: عموميات، احتمال الحمل"، و"نماذج تأسيس الأسرة بدءاً من الزواج: عموميات، وفيات الأجنة واحتمال الحمل"، و"نماذج تأسيس الأسرة بدءاً من الزواج: مجمل الولادات، وجميع العوامل"، و"نماذج الزواجية".

المساهمون