تولستوي ضدّ تولستوي: فصل جديد من "الحرب والسلام"

11 أكتوبر 2024
نصب تذكاري لتولستوي في ساحة تحمل اسمه بأوديسا، أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أُطلقت جائزة السلام الدولية الجديدة باسم ليو تولستوي من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتكريم الجهود في منع الحروب وتعزيز نزع السلاح والديمقراطية. مُنحت النسخة الأولى للاتحاد الأفريقي.

- أثارت الجائزة انقسامًا داخل عائلة تولستوي؛ حيث انتقد ستيفان تولستوي الجائزة بسبب الحرب في أوكرانيا، بينما دعمها فلاديمير تولستوي، مما أدى إلى توتر العلاقات الأسرية.

- تعكس الجائزة التوترات العالمية، حيث تُستخدم الثقافة والسلام كأدوات سياسية، مما يبرز التحديات التي تواجهها الثقافة تحت الأنظمة الطاغية.

هكذا تمّ الإعلان عنها في الشهر الفائت. ومرّ الأمر دون أن يتوقّف أحدٌ عنده أو يُعلّق عليه. ولا أستغرب ذلك. فأرضنا العربية مليئة بالمآسي والإبادات والتمزّق، ولن يلفت انتباه أحد خبر تسليم جائزة سلام جديدة، خصوصاً في هذا العالم الذي يثبت كلّ يوم أنَّ الظالمين والطغاة والمجرمين هم من يقودونه.

نعم، إنّها جائزة السلام الدولية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تحمل اسم أبرز كاتب في بلاده: ليو تولستوي؛ لتكون بذلك الجائزة الرسمية الأُولى من نوعها والوحيدة في روسيا التي تحمل اسم صاحب "الحرب والسلام". وقد أُطلق على الجائزة اسم تولستوي لأنّه "أبرز ممثّل للثقافة الروسية، إذ يتوافق اسمه وحجم إرثه الثقافي والأدبي والإنساني بالكامل مع فكرة وأهداف الجائزة الدولية"، حسب بيان الجائزة.

الفائز في النسخة الأُولى من "جائزة السلام" التي سلّمها (للمفارقة) الرئيس الروسي الذي يقود حرباً في أوكرانيا منذ أكثر من عامين هو الاتحاد الأفريقي، حيث جرت مراسم تسليم الجائزة لرئيس مفوّضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكّي محمد، نيابة عن الاتحاد، في مسرح "البولشوي" وسط موسكو، في التاسع من أيلول/سبتمبر الماضي، تزامناً مع ذكرى ميلاد الكاتب الروسي (1828 - 1910).

الجائزة التي يُراد لها أن تكون منافسة لجائزة نوبل للسلام لا تختلف عنها في شيء من حيث الشكل والمضمون؛ فهي تُمنح، شكلياً لـ"الإنجازات الفردية أو المؤسّساتية البارزة التي تهدف إلى مواجهة خطر الحرب العالمية الثالثة ومنع وقوع كارثة نووية، وللإنجازات المهمّة في مجال نزع السلاح وإرساء الديمقراطية وإضفاء الطابع الإنساني والثقافي على العلاقات الدولية. أمّا من حيث مضمونها، فيُسلَّم الحاصلون عليها ميدالية ذهبية عليها صورة الأديب الروسي ومكافأة قيمتها 250 غراماً من الذهب الخالص.

باسم الثقافة تُرتكب إبادات ومجازر لا تقلّ وحشية عن تلك العسكرية

ما يُفترض أن يدعو للسلام ويمهّد له ويحقّقه، يبدو أنه سرعان ما تسبّب بالحرب والعداء والانشقاق داخل الأسرة الواحدة. فها هم أفراد عائلة الكاتب من أحفاده يختلفون فيما بينهم بين رافض لجائزة تحمل اسم الجدّ يقدّمها دكتاتور يخوض حرباً، وبين من هلّل للجائزة وفرح بها. 

ستيفان تولستوي، أحد أحفاد الكاتب الذي يسكن في سويسرا ويبلغ عمره 83 عاماً قال إنّ "جدّه سوف يتقلّب في قبره لو عرف بالجائزة"، في إشارة إلى اعتراضه على الجائزة، لا سيّما أنّ "البلد والرئيس الذي يمنح هذه الجائزة قام بغزو بلد آخر وهو في حالة حرب منذ أكثر من سنتين، وفي هذا تناقضٌ فاضح".

لكنّ النظام الروسي كعادته، كان قد حضّر لسيناريو مضاد، فأمام تصريحات الحفيد ستيفان، ظهرت على الفور تصريحات الحفيد الآخر فلاديمير تولستوي، أحد أعضاء لجنة الجائزة، والذي أعلن أنّ "العائلّة كلها سعيدة بهذه الجائزة وعلى علم بالأمر"، إلّا أنّ ستيفان لم يتردّد في تكذيب الأمر.

وهكذا بين أخذ وردّ بين الأحفاد، انقطعت الروابط الأسرية بينهم وتوقّفت الاجتماعات التي كانت تُقام، وعُلّقت النشاطات المتعلّقة بإرث الجدّ الأدبي والثقافي وصارت جزءاً من التاريخ، تماماً كما أعماله الأدبية. إنّه فصل جديد من الحرب والسلام.

في أوج هذا التمزّق الإنساني الذي يمرّ به العالم، تُرتكب اليوم باسم الثقافة والسلام إباداتٌ ومجازر وحروبٌ لا تقلّ وحشية عن تلك العسكرية والسياسية، أو عن تلك التي تمارسها "إسرائيل" في الأرض العربية، أو عن الصمت العربي المذل والفاجع. هكذا تلوِّث سلطات الطغيان الثقافة وتجعل منها أداةً لخدمة السياسة والأيديولوجية. هذا ما حدث في روسيا، وسبق له أن حدث في الصين عندما أُعلن عن "جائزة "كونفوشيوس للسلام" ومنحت لبوتين. وهو ما تقوم به أنظمة الطغيان أيضاً في عالمنا العربي من خلال جوائزها المتنوّعة والمثيرة للعاب: تضع رأس الثقافة كلّ يوم على خاصرة السياسة.

موقف
التحديثات الحية
المساهمون