لا يمكن اعتبار كتاب المفكر السلوفيني سلافوي جيجيك (1949)، الصادر مؤخراً حول جائحة كورونا، مستعجلاً، فأزمة الوباء العالمية ظهرت بوادرها منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي. بالنسبة إلى جيجيك المعلق الدائم على كل جديد، فقد كتب منذ بدايات الأزمة عدة مقالات، وفي كتابه الجديد PANDEMIC، الصادر عن منشورات "أور"، يتأمل اللحظة الراهنة، كما يجمع الأفكار التي قدمها خلال الأشهر القليلة الماضية، سواء تلك التي كتبها أو سجلها في مقابلات مختلفة تملأ الإنترنت بالصوت والصورة، ويتلاعب على غلاف الكتاب بكلمتي panic (رعب) وpandemic (وبائي).
يرى جيجيك أنه وكما هو الانتشار المستمر لوباء كورونا المستجد، فإن أوبئة واسعة من الفيروسات الأيديولوجية التي كانت راكدة في مجتمعاتنا بدأت في الانتشار؛ وعلى رأسها تناقل الأخبار المزيفة، ونظريات المؤامرة، وانفجارات العنصرية، ومظاهر الطبقية بأبشع أشكالها.
ويقول لعل الجائحة تفيد في نشر فيروس أيديولوجي آخر أكثر فائدة وهو فيروس التفكير في مجتمع بديل خارج الدولة القومية، مجتمع يحقق نفسه بأشكال التضامن والتعاون العالميين، غير أن جيجيك نفسه لا يسلم من العنصرية في خطابه، متسائلاً كيف نعزل اللاجئين، حيث يصبح هؤلاء كما سبق وأن وصفهم في 2016 "هم" والأوروبيين "نحن".
ينضم جيجيك إلى مفكرين آخرين يفكرون في أن اندلاع الوباء وضع العالم أمام حقيقة حاجته إلى إعادة اختراع الشيوعية، على عكس القائلين بأن الجائحة ستُسقط النظام الصيني، فمن الأسهل على الناس بحسب جيجيك تخيل سقوط النظام الشيوعي في الصين أو حتى نهاية العالم على أن يتخيلوا نهاية النظام الرأسمالي، غير أنه يؤكد أن العالم لن يستمر كما كنا نعرفه ولن يعود إلى النظام الذي كان عليه قبل كورونا.
يشبّه جيجيك في إحدى مقالات الكتاب ما يحدث اليوم بالهجوم والضربة الخماسية التي تختتم فيلم "كيل بيل" لتارانتينو، معتبرا أن الوباء هو شكل من هذا الهجوم على النظام الرأسمالي العالمي، ويقول إنه لا يمكننا المضي في الطريق الذي مشيناه حتى الآن، التغيير الجذري هو حاجة اليوم، وإنها لحقيقة محزنة أننا بحاجة إلى كارثة لندرك ذلك.
يعود جيجيك في كتابه إلى الموضوعات التي تناولها في عدة مناسبات؛ مثل ما هي الطرق التي تستجيب بها الحكومات للأزمة؟ ولماذا تظهر بيرني ساندرز على حق في مسألة الرعاية الصحية الشاملة؟ ولماذا يمكن أن تكون هذه فرصة لنوع جديد من السياسات الشيوعية؟ ويتوسع أيضاً في مسائل من قبيل العزلة والحجر.
يتوقع جيجيك أن أثر كورونا على أكثر تفاعلاتنا الأولية مع الأشخاص والأشياء الأخرى من حولنا، بما في ذلك أجسامنا، قد يمتد حتى بعد نهاية الوباء، وسيتغير شكل العلاقة مع الفضاء العام مثل الوجود في الحدائق والجلوس على المقاعد العامة، وتجنب احتضان الناس أو مصافحة أيديهم، وأننا قد نصبح أكثر حذراً بشأن الإيماءات العفوية مثل لمس الأنف أو فرك العينين.
ويعتقد أنه ربما سيتم اعتبار أن الواقع الافتراضي هو فقط المكان الآمن في هذا العالم على الرغم من أنه فضاء مليء أيضاً بالفيروسات، وربما يقلّ التنقل بحرية وبلا خوف، وقد لا يتحقق إلا للأغنياء في مساحة مفتوحة على الجزر التي يملكونها.