بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أواخر عام 2016، على حصول مصر على مبلغ 12 مليار دولار، للمساعدة في حل أزماتها الاقتصادية، وإصلاح اقتصادها المتعثر، اشتبك الفريقان، الحكومة والشعب، بسبب الإجراءات التي فرضها الصندوق.
ورغم أن المسؤولين الحكوميين المصريين وقت الاتفاق مع صندوق النقد اعتبروا أن الوصول إلى اتفاق يعد "شهادة ثقة" من الصندوق في الاقتصاد المصري، إلا أن وكالتي رويترز وبلومبيرغ نقلتا وقتها عن الصندوق موافقته على تقديم "حزمة إنقاذ" للحكومة المصرية.
وبعد إتمام الاتفاق مباشرة، بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج شاق من أجل إصلاح الاقتصاد المصري، الذي كانوا يؤكدون لنا أن الصندوق منحه شهادة ثقة.
ومع انهماك الجميع في متابعة تنفيذ النقاط التي اشتمل عليها برنامج الإصلاح الاقتصادي، من تطورات ارتفاع الدولار مقابل الجنيه، بعد قرار التعويم الذي فرضه الاتفاق مع الصندوق، وزيادة معدلات الفائدة على الجنيه بعد التعويم مباشرة، ثم إجراءات رفع الدعم، لتقليص عجز الموازنة، وكذلك إجراءات عرض العديد من شركات القطاع العام، أو أجزاء منها، للبيع، لم يكن هناك القدر نفسه من التركيز مع الإجراءات المطلوبة لحماية الفئات الضعيفة.
1- ضبط السياسات، وتشمل تعويم الجنيه وتحرير سوق صرف العملات الأجنبية.
2- تقوية شبكات الأمان الاجتماعي، عن طريق زيادة مخصصات الإنفاق على دعم الغذاء للفقراء، والتحويلات النقدية.
3- إصلاحات هيكلية بعيدة المدى، لضمان زيادة معدلات النمو، وتوسعها، لتشمل كافة الفئات، وتزيد من فرص العمل المتاحة.
4- الاتجاه إلى الاقتراض الخارجي لسد فجوات التمويل.
ورغماً عن إرادتنا جميعاً، وبسلبية شديدة من الحكومة المصرية، تصل في نظر البعض إلى حد التواطؤ، تم تنفيذ النقطتين الأولى والأخيرة، مع تجاهل تام للنقطتين الثانية والثالثة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مستوى معيشة الأغلبية الكاسحة من المصريين، مع تحمل الطبقة الوسطى للنصيب الأكبر من الثمن الذي دفعه الشعب المصري للإصلاح الاقتصادي المنشود.
لكن يبدو أن الأمر زاد عن حده في الفترة الأخيرة، حيث أعلنت الهيئة الوطنية للإعلام في مصر، يوم الأحد الماضي، أن كريستين لاغارد، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، قالت إن "برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تنفذه الحكومة المصرية، بالتعاون مع الصندوق، ترك آثارًا على شرائح الشعب المصري، وخاصة الطبقة المتوسطة".
وأضافت لاغارد أن "هذا الأمر يتطلب من الحكومة المصرية التركيز، خلال الفترة القادمة، على إطلاق طاقات الاقتصاد لصالح تلك الطبقات".
وعانت الطبقة المتوسطة أيضاً من رفع الدعم التدريجي عن الوقود والكهرباء والمياه والخبز، ومن ارتفاع نفقات التعليم والعلاج والمواصلات بصورة مبالغ فيها.
لا شك أن التأثيرات السلبية لكل ما سبق لم تفرق بين طبقة متوسطة وأثرياء أو فقراء، لكن الحقيقة أن التأثير الحقيقي كان في جله على الطبقة المتوسطة وحدها.
فمن ناحية، استطاع الأثرياء تأمين أنفسهم قبل التعويم، عن طريق تحويل نسب كبيرة من ثرواتهم إلى دولارات، أو في أفضل الأحوال إلى عقارات، وهو ما جنبهم فقدان 50% مما يمتلكون.
ومن ناحية أخرى، فقد نجا الفقراء من طوفان الغلاء، كونهم لا يمتلكون ما قد تنخفض قيمته مع انخفاض قيمة الجنيه، كما أنهم يعلمون أبناءهم في المدارس الحكومية، ويحصلون على علاجهم من المستشفيات الحكومية، وينتفعون بما يقدمه لهم اقتصاد "شنطة رمضان"، المتمثل في التبرعات والصدقات والمعونات التي ترد إليهم، سواء ممن يتعاملون معهم بصورة مباشرة من الطبقات الأعلى، أو في المناسبات الدينية، كمواسم الحج والعمرة عند المسلمين وأعياد الميلاد لدى المسيحيين.
لكن الطبقة المتوسطة لم يكن لديها ما يمكنها من التحوط ضد الانخفاض الذي كان متوقعاً في قيمة الجنيه المصري، فلم تشتر دولاراً ولا عقاراً. ولما كان معظم أفراد هذه الطبقة من الموظفين، في القطاع العام والخاص، فلم تكن لدى أغلبيتهم إلا رواتبهم التي فقدت أكثر من نصف قيمتها الحقيقية مع برنامج الإصلاح الاقتصادي.
كما أن طبيعة تكوين هذه الطبقة منعتها من الاستفادة من برامج الدعم الحكومي، النقدي أو العيني، إن وجدت، وفرضت عليها تقبل الارتفاع الحاد في تكاليف التعليم والعلاج والانتقالات، ولم تسمح لها بالطبع بالاستفادة من "شنطة رمضان" وغيرها من المساعدات الأهلية، الأمر الذي تسبب في انزلاق النسبة الأكبر منها إلى الطبقة الفقيرة.
حتى ليبدو أن معاناة هذه الطبقة كانت مقصودة ومرجوة، في هذا التوقيت تحديداً، بعدما ثبت أنها كانت دائماً في طليعة الصفوف المطالبة بالحقوق والحريات، فلمَ لا نشغلها إذاً بلقمة العيش، حتى لا تجد الوقت للثورة؟!