اقتربت أسعار النفط من 75 دولاراً في أسواق آسيا، منذ أمس الإثنين، مع قرار أميركي بإلغاء إعفاءات الدول من حظر استيراد النفط الإيراني والذي أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أمس، بدء تطبيقه في الثاني من مايو/ أيار المقبل.
وكانت الإدارة الأميركية قد منحت إعفاءات لثماني دول من كبار مستوردي النفط الإيراني في أكتوبر/ تشرين الأول لمدة 6 أشهر، وينتهي هذا الإعفاء في الثاني من مايو المقبل. وقال البيت الأبيض، في بيان أمس، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر عدم تمديد الإعفاءات التي تتيح لبعض مستوردي النفط الإيراني مواصلة الشراء دون مواجهة عقوبات أميركية عندما يحل أجلها في مايو.
وأضاف البيت الأبيض أن الولايات المتحدة والسعودية والإمارات "اتفقت على التحرك في الوقت المناسب بما يكفل تلبية الطلب العالمي مع حجب النفط الإيراني عن السوق بشكل كامل". وكانت وكالة بلومبيرغ قد أكدت، أمس، إن إدارة ترامب لن تجدد الإعفاءات للدول المستوردة للنفط الإيراني.
ونسبت الوكالة المعلومة إلى أربعة أشخاص مطلعين على القرار الأميركي. وذكرت في تقريرها، أن الإعفاءات تخص ثماني دول، هي الصين والهند واليونان وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا.
وقد أعلن بومبيو أيضاً عن التزام كل من السعودية والإمارات بتغطية أي نقص يطرأ في الإمدادات النفطية في سوق الطاقة العالمي بسبب وقف صادرات النفط الإيرانية.
وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن مصدر مطلع على التفكير السعودي قوله، أمس، إن المملكة مستعدة لتعويض أي فقد محتمل في معروض النفط الخام إذا أنهت الولايات المتحدة الإعفاءات الممنوحة لبعض مشتري النفط الإيراني، لكنها ستعكف أولاً على تقييم أثر ذلك على السوق قبل أن تزيد إنتاجها.
وجاء القرار الأميركي بفرض حظر كامل على النفط الإيراني انتصاراً لصقور اليمين الأكثر تشدداً في إدارة ترامب والذين يتزعمهم مستشار الأمن القومي جون بولتون.
وقال دوبوويتز، وهو متخصص في الشأن الإيراني، إن "الضغوط القصوى على إيران لن تحدث ما لم توقف الإدارة الأميركية صادرات النفط الإيراني".
وأضاف "مع إقرار وقف تصدير النفط الإيراني سيصبح الاقتصاد تحت ضغوط كبيرة، حيث سينخفض دخل طهران بالعملات الصعبة وسيتدهور سعر صرف عملتها".
وكانت صحيفتا "واشنطن بوست" الأميركية و"فاينانشيال تايمز" البريطانية قد ذكرتا، أمس، أن الإدارة الأميركية ستلغي الإعفاءات الممنوحة لمستوردي النفط الإيراني.
وحسب محللين، فإن القرار الأميركي بحظر استيراد النفط الإيراني هو قرار غير ملزم قانونياً للشركات العالمية والدول. لكن الإدارة الأميركية ربطت تطبيق حظر استيراد النفط الإيراني بـ"الحظر الثانوي"، وهو حظر يمنع الدول والشركات التي تتعامل تجارياً أو مالياً مع إيران من المتاجرة مع أميركا وأدوات المال الأميركية.
وهذا المنع يؤثر على الدول والشركات، لأن السوق الأميركي سوق ضخمة تقدر قيمتها بأكثر من 11 تريليون دولار. كما أن جميع المصارف والشركات الكبرى تتعامل تجارياً مع السوق الأميركي.
وأحدث القرار الأميركي صدمة في السوق النفطية، حيث كسب سعر النفط أكثر من ثلاثة دولارات في أسواق آسيا في تعاملات أمس، الأثنين. وبلغ خام برنت 74.31 دولاراً للبرميل قبل أن يتراجع قليلاً.
يُذكَر أن النقاش حول الحظر الكامل لتصدير النفط الإيراني كان محتدماً داخل الإدارة الأميركية، حيث يرى مستشار الأمن القومي جون بولتون ومسؤولو إدارة الطاقة ضرورة خفض الصادرات النفطية الإيرانية إلى صفر، فيما يرى آخرون ضرورة التطبيق التدريجي لـ"تصفير الصادرات النفطية".
ويرى خبراء نفط أنه مع إلغاء الإعفاءات الأميركية لمستوردي النفط الإيراني، فإن السوق النفطية ستواجه ضغوطاً في الإمدادات، ربما ترفع أسعار النفط إلى 80 دولاراً، وهو ما لا يرغب فيه ترامب.
ويأتي الحظر الأميركي على قطاع النفط الإيراني في وقت تعيش فيه المناطق الغنية بالنفط عدة اضطرابات، حيث تحاصر مليشيات خليفة حفتر العاصمة الليبية طرابلس وتهدد ميناء الزاوية المهم لتصدير خامات حقل الشرارة، أكبر الحقول النفطية بالبلاد.
وكان ترامب قد أجرى اتصالاً باللواء المتقاعد خليفة حفتر الأسبوع الماضي، ليطمئن إلى أن حقول النفط الليبية لن تكون مهددة. وفي فنزويلا انخفضت الإمدادات بسبب الحظر الأميركي. وبالتالي تثور مخاوف لدى كبار تجار النفط من احتمال حدوث شح في السوق النفطية ترفع أسعار النفط إلى 80 دولاراً.
في هذا الصدد، قال محلل النفط بشركة "بي في أم"، ستيفن بيرنوك، لنشرة "أويل برايس" الأميركية، إن ليبيا تمثل أكبر المخاطر الجيوسياسية لأسواق الطاقة، خاصة بعد حصار قوات حفتر لطرابلس.
من جانبه، يعتقد الاقتصادي كالين بيرش، بنشرة "إيكونومست إنتيليجنس" البريطانية، أن أكبر المخاطر التي تواجه إمدادات النفط هي وقف صادرات النفط الإيراني.
وكان بيرنوك يراهن في تقارير سابقة، على أن "أوبك +"، ستتراجع عن قرار تمديد خفض الإنتاج في يونيو/ حزيران القادم، وهو رهان ستثبت صحته في حال تم إلغاء الإعفاءات.
وبالتالي فإن احتمال ارتفاع أسعار النفط إلى 80 دولاراً لم يعد مستبعداً ما لم تضخ السعودية كميات كبيرة من النفط في السوق، كما فعلت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وهو سعر يتخوف منه ترامب لأنه يهدد ولايته الثانية.
ويرى محللون أنه مع اتخاذ الولايات المتحدة قراراً بإلغاء الإعفاءات، مع تعهد السعودية والإمارات بتغطية النقص الذي سيطرأ في السوق، فإن ذلك سيقوض تلقائياً ثقة أعضاء "أوبك" والمنتجين خارجها، أو ما يطلق عليه "أوبك +"، في القرار النفطي السعودي في المستقبل.
وبالتالي سيصبح اجتماع "أوبك +" المقبل في فيينا المقرر عقده في يونيو/ حزيران المقبل بلا معنى، حيث إن الاجتماع مخصص للنظر في تمديد خفض الإنتاج بعد انتهاء مدته. وها هي الرياض تتعهد بزيادة الإنتاج خلافاً لما كانت تجادل ضده وتسعى لإقناع الأعضاء به، وهو "خفض الإنتاج".
وربما ستكون هذه الطعنة الثانية التي تسددها الرياض إلى جسم تماسك "أوبك"، حيث سبق لها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن رفعت الإنتاج إلى أكثر من 11.25 مليون برميل يومياً، تلبية لطلب ترامب بتغطية النقص في السوق النفطي، وذلك في وقت كانت أسعار النفط تتجه فيه نحو 90 دولاراً.
وكانت النتيجة انهيار أسعار النفط إلى مستويات أقل من 60 دولاراً بعد تلبيتها للطلب الأميركي. وثبت لاحقاً أن واشنطن منحت إعفاءات للدول الرئيسية المستوردة للنفط الإيراني، وهو ما أحدث تخمة في السوق العالمي.
وحسب محللين، "تحتاج معظم دول أوبك بشدة لارتفاع أسعار النفط، بما في ذلك السعودية، التي يتزايد إنفاقها وتواصل الاستدانة من أسواق المال العالمية. وبالتالي، فإن قرار الرياض بزيادة الإنتاج سيثير الكثير من الغضب وسط أعضاء منظمة أوبك".
في هذا الصدد، يقول الخبير النفطي بمصرف "ساكسو بنك"، أولي هيسن، في مذكرة لعملاء المصرف، إن "السعودية والعديد من أعضاء أوبك بحاجة إلى أسعار مرتفعة فوق 80 دولاراً للبرميل، وبالتالي لن يكونوا سعداء بانخفاض أسعار النفط حتى إلى 70 دولاراً".