تتزايد تداعيات فيروس كورونا على دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية، التي تتصدر حجم الأضرار، وسط سيناريوهات أكثر تشاؤمية للمملكة في الفترة المقبلة، خصوصاً في ظل الاضطرابات السياسية المستمرة، وآخرها احتجار اثنين من كبار أفراد الأسرة الحاكمة، وفق تقارير إعلامية دولية.
وأحدث الاضطراب الشديد في سوق النفط، انشقاقا داخل تحالف استمر نحو عامين بين منظمة أوبك والمنتجين من خارجها، وعلى رأسهم روسيا، ما يدفع نحو دخول الدول المصدرة في حرب أسعار لجذب الزبائن، الذين يتراجع طلبهم بالأساس، في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، بفعل الشلل الذي تسبب فيه فيروس كورونا القاتل، للكثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية الحيوية في مناطق متفرقة من العالم.
وانخفض خام برنت، مسجلا أكبر خسارة يومية في أكثر من 11 عاما، يوم الجمعة الماضي، بعد أن أعلنت روسيا خروجها من اتفاق خفض الإنتاج ابتداء من إبريل/نيسان المقبل، وذلك بعد أن رفضت اقتراح أوبك بتنفيذ تخفيضات كبيرة للإنتاج، بغرض تحقيق استقرار في الأسعار. ووفق وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، عقب اجتماع حاسم مع أوبك وحلفائها فيما يعرف بـ"أوبك+" فإنه لم يعد هناك اتفاق لإنتاج النفط، مضيفا:" لم يعد مطلوب منا أو من أي من دول أوبك أو الدول غير الأعضاء في المنظمة القيام بتخفيضات إنتاج".
وسجلت العقود الآجلة لخام برنت أكبر انخفاض يومي بالنسبة المئوية منذ ديسمبر/ كانون الأول 2008، لتنخفض بنحو 9.4 في المائة وتبلغ عند التسوية 45.27 دولارا للبرميل. وهذا أدنى مستوى إغلاق لبرنت منذ يونيو/ حزيران 2017.
كما هبط خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 10.1 في المائة إلى 41.28 دولارا للبرميل وهو أقل مستوى إغلاق منذ أغسطس/ آب 2016 وأكبر خسارة يومية بالنسبة المئوية منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.
وأحيا الشقاق بين أوبك وروسيا المخاوف من شبح انهيار أسعار النفط في 2014، حين تنافست السعودية وروسيا التي لم يسبق لها مطلقا المشاركة في اتفاقات الحد من الإنتاج،على الحصص السوقية مع منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة،
وكانت أوبك وعلى رأسها السعودية تحث على خفض إضافي بحجم 1.5 مليون برميل يومياً حتى نهاية 2020، بينما رفضت روسيا ذلك بشكل قاطع. وخفّض البنك الهولندي توقعاته لسعر خام برنت لعام 2020 بنسبة 15.5 في المائة إلى 49 دولاراً للبرميل من توقع سابق عند 58 دولاراً. وكانت التوقعات السائدة تشير إلى صدام كبير بين منتجي النفط في أوبك وروسيا، حيث أظهرت بيانات رسمية، الأسبوع الماضي، مواصلة روسيا زيادة إنتاج النفط، رغم الاتفاق المبرم سابقا على خفض الإمدادات، ما وضع دول أوبك، وعلى رأسها السعودية، في مأزق كبير لمواجهة تداعيات فيروس كورونا على سوق النفط.
فقد أوردت وكالة إنترفاكس للأنباء الروسية، يوم الاثنين الماضي، نقلاً عن بيانات لوزارة الطاقة الروسية، أن إنتاج روسيا النفطي بلغ 11.29 مليون برميل يومياً في فبراير/شباط ارتفاعاً من 11.28 مليون برميل يومياً في يناير/كانون الثاني.
وكان الإنتاج الروسي قد زاد في يناير عن ديسمبر/كانون الأول 2019 الذي سجل 11.26 مليون برميل. وكان منتجو النفط في أوبك وخارجها، قد اتفقوا نهاية العام الماضي قبل ظهور فيروس كورونا وتسببه في تهاوي الأسعار، على خفض الإنتاج بنحو 1.7 مليون برميل يومياً من أجل دعم الأسعار وعدم انزلاقها للهبوط.
ووفق بيانات لوكالة بلومبيرغ الأميركية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تبلغ حصة روسيا في خفض إنتاج النفط نحو 300 ألف برميل يومياً، وفق الاتفاق الأخير بين أوبك والمنتجين من خارج المنظمة، بينما الإنتاج الفعلي لا يزال أعلى كثيراً من المستوى المستهدف وفق الاتفاق الذي يحدده في نطاق 11.1 مليون برميل يومياً.
ومع التوقعات بعودة أسعار النفط إلى الانهيار، فإن موازنات الدول الخليجية ستواجه ضغوطا كبيرة، كما أن قيمة شركات نفط عملاقة على رأسها أرامكو ستواجه مأزقا كبيرا.
ووفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس السبت، فإن أسهم أرامكو معرضة للهبوط دون سعر الطرح العام الأولي في ديسمبر/كانون الأول الماضي وتحدد حينها بنحو 32 ريالا (8.5 دولارات)، عندما تستأنف البورصة السعودية التداول، اليوم الأحد.
وأدى فيروس كورونا إلى تهاوي أسعار النفط بنسبة 30 في المائة منذ بداية العام، في حين هبط سعر سهم أرامكو بنسبة 6 في المائة، ليغلق عند 33 ريالاً، يوم الخميس الماضي، وهو آخر يوم تداول في الأسبوع. ومن المتوقع بالفعل أن تنخفض أرباح أرامكو بنسبة 16 في المائة، وفق بلومبيرغ إلى 348 مليار ريال لعام 2019، بناءً على تقديرات المحللين، بسبب تخفيض الإنتاج الذي أمرت به وزارة الطاقة في المملكة لمحاولة دعم أسعار النفط.
وأرجأت الشركة إصدار إعلانها الشهري عن تسعير النفط الخام، إلى ما بعد قرار اجتماع المنتجين، الجمعة الماضي. وإذا انخفض سعر أرامكو أكثر، فقد يثني ذلك عن بيع المزيد من أسهم الشركة للمساعدة في تمويل صندوق الثروة السيادية.
وخسرت الأسهم السعودية بالأساس جراء تداعيات فيروس كورونا على حركة السفر والتجارة نحو 107 مليارات ريال (28.5 مليار دولار)، الأسبوع الماضي، بعد أن تراجعت القيمة السوقية إلى 8.318 تريليونات ريال (2.2 تريليون دولار)، مقارنة مع 8.425 تريليونات ريال في الأسبوع السابق عليه، لتستحوذ على نحو 64 في المائة من خسائر بورصات دول الخليج الست.
فقد هبط المؤشر العام للسوق السعودية بنسبة 2.11 في المائة خلال الأسبوع الماضي، متأثرا بخسائر 15 قطاعاً، القطاعات القيادية الثلاثة الطاقة والمواد الأساسية والبنوك. وفي 2019، هوى فائض ميزان تجارة السعودية الخارجية (النفطية وغير النفطية) بنسبة 25.7 في المائة على أساس سنوي، مسجلا 117.2 مليار دولار، مقابل 157.8 مليار دولار في 2018.
وتتزايد الضغوط المالية في المملكة، جراء تهاوي أسعار النفط والحرب المستمرة ضد الحوثيين في اليمن منذ نحو خمس سنوات، والاضطرابات الداخلية، لا سيما داخل الأسرة الحاكمة، وآخر تلك الأزمات ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، عن احتجاز الأمير أحمد بن عبد العزيز والأمير محمد بن نايف، يوم الجمعة، وقالت إن ذلك له صلة بمحاولة انقلاب مزعومة.
وأعلنت السعودية، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، موازنة العام 2020 بإنفاق يقدر بنحو 272 مليار دولار، مقابل إيرادات متوقعة بقيمة 222 مليار دولار، ما يشير إلى تسجيل عجز بـ50 مليار دولار، بينما يقدّر العجز في موازنة العام الماضي بنحو 35 مليار دولار. و2019 هو خامس عام على التوالي من العجز في الميزانية السعودية نتيجة تراجع أسعار النفط عن مستوياتها منتصف 2014.
وعلى صعيد البورصات الخليجية الأخرى، فقدت أسهم الإمارات نحو 35.3 مليار درهم (9.6 مليارات دولار)، حيث خسرت بورصة أبوظبي نحو 22 مليار درهم (5.99 مليارات دولار)، بعد أن هوى المؤشر العام للسوق بنسبة 5.14 في المائة، في حين خسر سوق دبي المالي حوالي 13.3 مليار درهم، إثر هبوط المؤشر العام بنسبة 4.9 في المائة.
وفي الكويت خسرت الأسهم نحو 1.61 مليار دينار (5.27 مليارات دولار)، فتراجعت القيمة السوقية إلى 32.98 مليار دينار الأسبوع الماضي، مقارنة مع 34.59 مليار دينار في الأسبوع السابق عليه، وذلك على أثر تراجع المؤشر الرئيسي للسوق بنسبة 3.64 في المائة. وخسرت الأسهم القطرية نحو 5،67 مليارات ريال (1.55 مليار دولار)، بعد أن تراجعت القيمة السوقية إلى 520.3 مليار ريال، وانخفض المؤشر الرئيسي للسوق بنسبة 1.9 في المائة على أساس أسبوعي.
وهبطت القيمة السوقية للشركات المدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية بنحو 21.2 مليون ريال لتصل إلى نحو 19 مليارًا و62 مليون ريال، بينما تراجع المؤشر الرئيسي للسوق بنحو طفيف فاقدا 49 نقطة، بينما انخفض المؤشر العام لبورصة البحرين بنسبة 2.57 في المائة.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، حذر صندوق النقد الدولي من أنه يجب على دول الخليج، التي تعتمد بشدة على إيراداتها النفطية، القيام بإصلاحات أعمق، أو المخاطرة برؤية ثرواتها تتلاشى خلال 15 عاماً، مع تراجع الطلب العالمي على النفط وانخفاض الأسعار.
وقال الصندوق في دراسة عن "مستقبل النفط والاستدامة المالية" في المنطقة، إنه "في الموقع المالي الحالي، فإنّ ثروة المنطقة المادية قد تستنزف بحلول 2034". ولا تملك دول الخليج، التي لطالما اعتمدت بشدة على النفط، الذي كان له الفضل في إثرائها لعقود، أي خيار سوى تسريع الإصلاحات الاقتصادية وتوسعتها، تجنباً لأن تصبح مقترضة صافية.
وقفزت ديون حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى نحو 501 مليار دولار، بنهاية الربع الثاني من العام الماضي 2019، وفق تقرير لبنك الكويت الوطني حول تطورات سوق أدوات الدين، نشر في أغسطس/ آب الماضي، وذلك مقابل نحو 100 مليار دولار في 2014.
وفي إطار خفض جماعي لتوقعاتها، قالت موديز إن اقتصادات متقدمة بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية قد تنزلق جميعها إلى ركود. وأضافت أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني سيتراجع إلى أقل من 4 في المائة رغم التحفيز الاقتصادي الكبير.