تتخذ الهيئة العامة للترفيه في المملكة العربية السعودية من الانفتاح الذي تعيشه البلاد ذريعة، لفرض سطوتها على الحراك الفني العربي. فالمواسم الفنية المختلفة التي تنظمها الهيئة تحت أسماء عدة ــ أشهرها "موسم الرياض" ــ تخلق حالة من الإبهار، هدفها الرئيسي تسليط الأضواء على فعاليتها من خلال الاستعانة بأشهر نجوم الفن والرياضة لإحياء فعاليات تكاد لا تنتهي.
ومن أبرز الأنشطة التي نظمتها الهيئة، حفل غنائي بمناسبة ليلة رأس السنة لأول مرة في السعودية تحت عنوان Riyadh Trio Night، بحيث خرجت الفكرة عن المألوف لتجمع 13 مغنياً عربياً معاً في حفل واحد، تسعى الهيئة من خلاله لتأكيد أن الرياض أصبحت قبلة الفن الأولى، وأن أجندة معظم الفنانين العرب صارت تنظم بعد الاتفاق مع الهيئة على جدول فعالياتها، بحيث لا يخسر الفنان المبالغ المالية الهائلة التي تنفق بدون حساب.
في السنوات القليلة الماضية، كان الجمهور السعودي، وهو المستهدف الأول من قبل الهيئة، يقضي الإجازات الدورية في دبي، والبحرين، والقاهرة، ولندن، وباريس، حيث كان المغنون الخليجيون يبرمجون حفلاتهم في تلك الأيام على هوى الإجازات، وبقيت دبي متصدرة سباق الحفلات الكبرى، قبل أن تسحب الرياض تلك الميزة وتحولها لمصلحتها.
وفي ما يبدو، لم يُجدِ الإبهار الكبير الذي فرضته إمارة دبي على حفلاتها الجماهيرية المصاحبة لأنشطة "إكسبو دبي 2020"، ولا الإقامات الذهبية التي وزعتها يميناً ويساراً على النجوم المشاهير، إذ بدت فعالياتها خجولة مقارنة بحجم وكم ونوعية الفنانين العرب والعالميين الذين يقدمهم "موسم الرياض"، فضلاً عن الأنشطة الترفيهية المتعددة المتعلقة باستضافة مناسبات رياضية عالمية.
ترجيح كفة الرياض مقابل تراجع تأثير دبي في عالم الترفيه
ولعلّ الدليل الأبرز على ترجيح كفة الرياض مقابل تراجع تأثير دبي في عالم الترفيه، يتجلّى في حفلة رأس السنة 2022، إذ جمع "موسم الرياض" كلاً من: محمد عبده، وعبد الله الرويشد، وماجد المهندس، وأحلام، ونوال الكويتية، وأصالة نصري، وأنغام، ونبيل شعيل، وعلي بن محمد، وأصيل أبو بكر، ووليد الشامي، وأسماء لمنور، وفهد الكبيسي في ليلة واحدة معاً!
اللافت في الأمر، أن الجمهور ومعه نقاد الفن والإعلاميون ينظرون إلى تلك المناسبة من وجهة نظر فنية، فمعظم المشاركين هم نجوم من الصف الأول ويشترطون في عقودهم لإحياء الحفلات أن يكونوا "النمرة الأخيرة" لتأكيد أهميتهم وجماهيريتهم. لكن الآن يبدو الوضع مركباً، فكيف سيكون ترتيب الغناء في الحفل الذي سيقام في "قاعة محمد عبده آرينا" ويختتمه بالتأكيد محمد عبده؟ وكيف سيبرّر المنظمون غياب أربعة أضلاع أساسية للغناء السعودي عن الحفل أي راشد الماجد، وعبد المجيد عبد الله، ورابح صقر، وعبادي الجوهر.
فراشد وعبد المجيد (حسب تصريح مصدر مطلع لـ"العربي الجديد") يغيبان لعدم قناعتهما بالحفلات المجمعة ويفضلان دوماً أن يكون كلّ منهما على حدة، لتأكيد جماهيريتهما، ويضيف المصدر أنّ الحفل يشكل فرصة مهمة لمحمد عبده بأن يحظى بتأكيد لقب "فنان العرب" إذ يختم حفلاً به نجوم كبار لهم جماهيريتهم الواسعة أيضاً. بينما يغيب رابح صقر لخضوعه لعملية جراحية في القلب، وكذلك عبادي الجوهر الذي كان مشاركاً واعتذر لاحقاً بسبب تعرضه لوعكه صحية واستُبدل بوليد الشامي.
يقول الكاتب الصحافي طلعت شناعة لـ"العربي الجديد" إنّ من حق جميع المهرجانات أن تجذب جمهورها بالفنانين الكبار، لكنه يعيب الطريقة التي يتعامل بها "موسم الرياض"، ويوضح: "صار صعباً على المهرجانات العربية، خاصة التي تتبع للحكومات مثل "جرش" و"قرطاج"، أن تنافس المهرجانات السعودية، لأن المغني العربي صار يتقاضى من الرياض ثلاثة أضعاف أجره المتعارف عليه، وهي أزمة تعرض لها مهرجان جرش الصيف الماضي، إذ لم ينجح المهرجان في استقطاب عدد من الفنانين الذين طالبوا بالأجر ذاته الذي يحصلون عليه في المهرجانات السعودية".
"موسم الرياض" صار ينافس في استقطاب كبار النجوم كغيره من المهرجانات العالمية
ويجد الصحافي الفني غيث التل، أنّ "موسم الرياض" صار ينافس في استقطاب كبار النجوم كغيره من المهرجانات العالمية، ويبين: "في الوطن العربي كان مهرجان موازين فقط من يستطيع جلب نجوم عرب وعالميين، كون ميزانيته تقارب 25 مليون دولار، فاستطاع "موازين" في سنوات عدة، أن يتخطى بجماهيريته مهرجانات عريقة مثل: "جرش" و"بيت الدين" و"قرطاج" و"بعلبك"، لكن ما يحدث في "موسم الرياض" جنون فني لا يقف عند حد معين، فمن يتابع أسماء الفنانين المشاركين، يجدهم يتكررون مرة كلّ شهر على الأقل، وبذلك قد تتحول حفلات المهرجانات العربية الموازية إلى عروض لفنانين من الصف الثاني أو الثالث، أو بمشاركة غير المرضي عنهم سعودياً".
سياسة احتكار النجوم هذه، تعيدنا إلى سنوات مضت، حين قامت شركة سعودية أخرى، هي "روتانا للصوتيات والمرئيات" المملوكة سابقاً للأمير السعودي الوليد بن طلال (تابعة حالياً للهيئة العامة للترفيه) بالتوقيع مع 165 مغنياً عربياً لاحتكار إنتاجاتهم الموسيقية وإدارة حفلاتهم، ما تسبب لاحقاً بتفضيل بعض الفنانين على غيرهم في الإنتاجات الفنية والمشاركة في المهرجانات، وضجت وسائل الإعلام العربية آنذاك (قبل سطوة مواقع التواصل) بتصريحات الفنانين الغاضبة من الشركة السعودية، ووصل الأمر بفنانين مثل: هاني شاكر، ونوال الزغبي، وإيهاب توفيق، ومحمد فؤاد، إلى رفع دعاوى قضائية.
كما تأثرت شركات الإنتاج الفني العربية المنافسة، فاختفت من السوق الخليجي شركتا "نجوم" و"فنون الجزيرة"، وتراجع عمل شركة "مزيكا" لصاحبها المنتج المصري محسن جابر، وأغلقت شركتا "صوت الدلتا" و"صوت القاهرة" المصريتان.
كما وصلت حينها سطوة "روتانا" إلى المهرجانات العربية الكبرى، وصارت تفرض أسماء الفنانين المتعاقدين معها على تلك المهرجانات، ما تسبب لاحقاً في تراجع بارز في مكانة المهرجانات وجماهيريتها.