مسلسل Yellowstone... عالم غربي يُرمَز إليه بالحصان

23 سبتمبر 2023
يروي المسلسل قصة عائلة داتون المُقيمة في مونتانا (IMDb)
+ الخط -

انطلاقاً من روح الغرب الأميركي ذي الهالة الأسطورية، صَدرَ أخيراً القسْم الأول من الجزء الخامس لمسلسل Yellowstone الذي بدأ عرضه عام 2018. يمثّل العمل العمود الفقري لشبكة تلفزيون بارامونت. ومن يعرف مسلسل Succession، يستطيع القول إنه نسخة عن Yellowstone لكن أحداثه تدور في قاعة اجتماعات مجلس الإدارة.

يقوم المسلسل على مفاهيم تاريخية مُتشابكة، ويُقدّم رؤية معاصرة لمفهوم العائلة المُقدّسة بِكلِ ما تملكه من تقاليد مُحافِظة وعلاقاتٍ سياسية ونفوذٍ ومالٍ وسُلطة، ذلك عبر التمحيص في صراعات الأجيال المتعاقبة في هذه العائلة، والظروف المحيطة بكل جيل، ومدى قدرة أبنائه على حمل هذا الإرث الثقيل، وما سيأتي معه من عار.

العمل من تأليف الكاتب تايلور شيريدان، بالاشتراك مع جون لينسون. ولشيريدان- الذي يفخر بأنه ابن تكساس- معرفة عميقة بحياة رعاة البقر وبيئتهم البرية القاسية، وعليها بنى عالمه الدرامي وشخصياته ومفاهيمه وفلسفته.

يروي المسلسل قصة عائلة داتون المُقيمة في مونتانا، حيث تملك مزرعة بحجم جزيرة رود آيلاند، تعمل العائلة في رعْي الأبقار تحت قيادة البطريرك جون داتون (كيفن كوستنر) وأولاده الأربعة. في العائلة، ثلاثة أجيال مُختلفة تتصارع في ما بينها على الإرث، لها أساطيرها وتقاليدها الخاصة. يُظهِر تَطَور حياتها تَطَور أميركا نفسها، والتناقضات المبنية عليها، ويكشف زيف حُلمها الفردي.

يُقَدم العرض عالماً ذكورياً رمزه الحصان. يقابل هذا الرَمز جون داتون الذي يحاول باستماتة الحفاظ على المزرعة/الإمبراطورية التي ورِثَها في تلال مونتانا، وتحضير الوريث المناسب لتمريرِها له. مع تقدُم العرض، تبدأ الأخطار بالظهور. الهنود الحُمر يطالبون بأراضيهم وحقهم التاريخي فيها. رؤوس أموال سياحية جشعة عابرة للقارات، تريد استثمارات سياحية في مونتانا. المجابهات العلنية تتمثل في السياسة والقانون، وفي الخفاء نرى الطعن والغدر والقتل بدم بارد. أبناء جون الثلاثة (قُتِلَ ابنه البكر في بداية المسلسل) هم أدواتِه للدِفاع عن المزرعة. يشاركونه بشكلٍ مباشر في المعركة البيروقراطية والمالية، وحتى الجسدية. يستخدمهم بلا رحمة وبأي طريقة متاحة. الأبرز بينهم هي بْيث (كيلي رايلي) الأقرب إلى أبيها والمسؤولة عن الصَفَقات المالية. جيمي (ويس بنتلي) هو المُدعي العام في مونتانا، وواجبه يتمثل في التلاعب القانوني. والأصغر كيسي (لوك غرايمز)، الجندي السابق في البحرية الأميركية، تسلم عند عودته قسم الشرطة في المنطقة. أيضاً هناك عُمال المزرعة. واجباتهم هي الاهتمام بالأبقار والخيول وتنظيف المزرعة وأعمال جون القذرة.

مشكلة جون الكبرى تكمن في الورثة وثوراتهم عليه. هذا ما يضعه في قلق وحزن دائمين. في الوقت نفسه، يحمل جون حقداً مبطناً عليهم، إذ ولدوا وفي فمهم مِلعقة من الذهب. لم يقوموا بأي عملٍ شرير للحفاظ على ما سيحصلون عليه، ولا يدركون، كجون، ضبابية الحدود بين القانون والفساد والعدالة.

بدأ بريق المسلسل يخبو منذ المَوسم الثالث. انغمس في الميلودراما. هناك أجزاء من القصة تُركت من دون إجابة، كأنها إثارة رخيصة وحشو لساعات السرد الكثيرة. أتقن المخرجون في الأجزاء الأخيرة تقديم لحظات الفرح وطقوس الاحتفال الأصيلة لأهل تلك المنطقة، وهي أجمل ما في العرض سينمائياً، وأكثر ما وصل للمشاهدين كمتعة وحقيقة إنسانية بسيطة مباشرة.

في المقابل، ثمة شعور مُخاتل يدفعنا للتعاطف مع جون. لا نعلم للوهلة الأولى لماذا نتأثر بمحنة هذا الرجل الثَري الذي وَرِث مزرعته من جده الأول عام 1862، بعد معركة أنتيتام التي خلفت 23 ألف قتيل. يأتي ذاك التعاطف جزئياً من حرفة الكتابة ودربة شيريدان الطويلة في المهنة، إذ يقدمه على مثالِ رَجُلٍ جذاب ومتزن وهادئ (يشبه كلينت إيستوود) تضفي الوحدة عليه شعوراً بالغموض النبيل. مرت شخصية جون بسلاسة في الأجزاء الثلاثة الأولى، بعدها بدأت الثغرات في بناء الشخصية بالتَكَشف، فتحول إلى رَجُلٍ حكيم لا ينطق جُملةً عادية. ينطبق عليه رأي الفيلسوف سلافوي جيجيك عن الحكمة، إذ يراها الفيلسوف جُملةً عاديةً تُقال بصوتٍ عميق أجش وأسلوبٍ مناسب.

بعد النجاح المدوّي للمسلسل، بدأ الجمهور، ومعه النُقاد، بالحديث عما يسمى حُمى الغرب (وسترن). أصابت هذه الحمى كثيراً من الكُتاب والمنتجين وشبكات البث التَدفقي. وبدأت الأعمال التي تتناول الغرب الأميركي كساحة درامية بالظهور تباعاً. بدأ شيريدان بثلاثة مسلسلات مشتقة عن Yellowstone، تتناول أجيالاً مختلفة لعائلة داتون. هذا قد يعرضنا لموجة جديدة من الاستهلاك الكثيف لنوع محدد، كما حدث مع المسلسلات التي تناولت ثيمة الفْايكنغ.

يمكننا القول إن Yellowstone هو اللَبِنة الأولى في نوع الـNeo-Western. وبنظرة مقارنة سريعة وضرورية على نوع فيلم الغرب الأميركي (كاوبوي) الذي دخل في سبات منذ عقود، بعدما استُهلك وظهرت عنصريته بفجاجة فترك خلفه غرباً مجرداً من هالته الأسطورية، نجد أن المشتركات كثيرة بين ماضي هذا النوع وحاضره، فالقصة تقوم على مواجهة بين المدنية والغرب الجامح، الأرض هي الحبكة الرئيسية وكل ما يلزمها لتتصاعد وتَنْحل موجودٌ عليها، لم يحدث تَغير جذْري بنوعية الأبطال أو الأعداء؛ بقي أصحاب المصارف وتجار الأراضي والمحامون الفاسدون. الأعداء التقليديون يواجههم أبطالٌ تقليديون كسلاح الفرسان والصحافيين الشجعان والمحامين الشرفاء. بقي قانون العين بالعين المحرك والدافع الرئيس لهذا النوع. الأفعال الطقوسية تحدث في حالات محددة كالدفن ومغادرة الوطن أو الوصول إليه.

دلالات
المساهمون