مريم البر تفتح بيتها لكل قطط الشارع

تجمع الشابة الفلسطينية مريم البَر 60 قطاً حولها، وهي التي أخذت على عاتقها رعاية القِطط طبيًا ونفسيا، إلى جانِب تقديم الطعام والشراب والرعاية اليومية لها على نفقتها الخاصة داخل منزلها في حيّ الزيتون، إلى الجنوب من مدينة غزة.

ويدفع البر نحو رعاية تلك الحيوانات الأليفة عشقها الشديد للقطط الذي توارثته عن والدتها وأهل والدتها. وقد بدأت علاقتها بهذه الحيوانات مُنذ الصِغر، وكانت تكبُر مع مرور الأعوام، إلى أن باتت غير قادرة على التخلي عنها، أو التوقف عن رعايتها.

ويُعتبر غياب المؤسسات المعنية بتقديم الخدمات البيطرية ورعاية القطط والحيوانات الأليفة والضالة في قِطاع غزة من أبرز أسباب توجه الشابة نحو رعاية القطط والاهتمام بها، وبدوافع إنسانية بحتة، بعيدة عن التربُح المادي، والمشاريع الاقتصادية.

وعلى الرغم من التعب والارهاق واجتماع عدة ظروف، وفي مقدمتها غياب الإمكانيات أو المكان المُخصص لتربية تلك القطط، فإن مريم لا زالت ترى أنه من الضروري مواصلة رعايتها، والعناية بها، وتسخير كل إمكانياتها من أجل خدمتها، وتقول إنها توفر المصاريف الخاصة بالقطط من جيبها الخاص.

وتوضح البَر (34 عاماً) لـ"العربي الجديد" أن رعاية القطط عندها وعند عائلتها ليست مجرد فكرة عابرة، وإنما طبع بدأ معها مُنذ نعومة أظفارها، من خلال رعايتها، وتقديم الأدوية الخاصة بها "كان جَدي والد أُمي يشتري حليباً مُخصصاً للقِطط، والعناية بها".

وبعد تخرُجها من الجامعة عام 2010 بتخصص التربية الإسلامية، أصبح لديها المزيد من الوقت، لذلك قامت بتكريس وقتها لإنقاذ القطط ورعايتها، ولكن بأعداد بسيطة، حتى عام 2018، الذي بدأت فيه تطبيق فكرة ومشروع إيواء القطط بشكل أوسع، وتوزيعها عند شقيقاتها وأفراد عائلتها بفعل عدم توفر مكان مخصص.

وتوضح أنها تمكنت في عام 2020 من استئجار مكان مُخصص وسط مدينة غزة لإيواء القطط ورعايتها، بعد انتشار الفكرة، وحصولها على ثناء وتشجيع كبيرين، إلى جانب الدعم الشخصي من بعض الأصدقاء خارج القِطاع، إلى أن توقف الدعم بفعل الأوضاع العامة، والحرب الروسية على أوكرانيا، ما ساهم بالرجوع خطوة للخلف.

وللتغلب على الظروف الصعبة والمتدهورة بفعل الأوضاع الاقتصادية السيئة، بدأت مريم بإعطاء دروس خصوصية لتوفير المصروف الخاص بالقطط، وتوفير المستلزمات الأساسية، إلى أن باتت غير قادرة على دفع إيجار المكان المخصص للقطط، فقامت بالتخلي عنه لعدم تمكنها من دفع التزامه الشهري، وقامت بتخصيص مكان للقطط داخل بيتها لمواصلة رعايتها، وتقديم خدماتها لها.

وتقول إنها من المستحيل أن تتخلى عن القطط بفعل الظروف الصعبة، وانعدام مصادر توفير الاحتياجات الأساسية لها، خاصة أنها من قامت بإنقاذها من الشوارع، ومن حوادث مُختلفة، إلى أن باتوا جزءا لا يتجزأ من حياتها اليومية، مُضيفة "أنتظر بدء الموسم الدراسي لمعاودة إعطاء الدروس الخصوصية، حتى أتمكن من توفير متطلبات القطط".

وتتعدد أصناف القطط ومصادرها، إذ قامت الشابة بتجميع عشرات القطط من الشارع، ومن الناس، ومن بينها قطط تعرضت لحوادث، وتُعاني من الشلل النصفي، أو الشلل الجزئي، وتقول إنها تُقدم لها الرعاية المُشابهة للرعاية المُقدمة للأطفال، إذ تمنح لها الطعام، والشراب، والأدوية والعلاجات، والتطعيمات المضادة للحشرات والفيروسات، إلى جانب اصطحاب القطط المريضة إلى المُختص البيطري.

ويختلف قِطاع غزة عن بلدان العالم، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة، وتواصل الحصار الإسرائيلي، والحروب المُتلاحقة، وانعدام الإمكانيات، ما يؤثر بشكل مُباشر على عدم تقدم الطب البيطري، وانعدام وجود العلاجات الخاصة بالقطط المصابة بالشلل، والأمراض المُزمنة.

وتشكل الحروب هاجساً مُرعباً لمريم، حيث تُصاب الحيوانات بالقلق والتوتر الشديد، والتشنج والخوف وحالات الاختباء العميق، إلى جانب صعوبة نقلها والحركة بها خلال الحرب، وعن ذلك تقول: "في حال قصف أي بيت، يمكن لأصحابه الانتقال خلال لحظات، لكن صعوبة نقل القطط تُشكل عندي ضغطاً نفسياً كبيراً".

وتواجِه الحيوانات الأليفة وحيوانات الشوارع في قِطاع غزة العديد من المخاطر والتحديات، فإلى جانب حوادث الطرق، وغياب الاهتمام الطبي، والرعاية اليومية، والأماكن المُخصصة لاحتضانها، تتعرض إلى المخاطر المُباشرة، والناتجة عن الحروب الإسرائيلية المُتكررة على قِطاع غزة، التي تروح ضحيتها الحيوانات الأليفة، إلى جانب البشر والحجر.