"مجتمع الموسيقى"... لحن يمتدّ بين الضفة وغزة

09 مارس 2024
من فعاليات المبادرة في أحد مراكز النزوح في غزة (مجتمع الموسيقى)
+ الخط -

انتشر عدد من الصور لعازفين موسيقيين، من حولهم أطفال في مناطق النزوح في قطاع غزة، وكانت علامة الفرح، رغم كل المآسي، بادية على محيّا الصغار. هذه الفعاليات ما هي إلا جزء من مبادرات عدّة أطلقها ما بات يُعرف بـ"مجتمع الموسيقى" في الضفة الغربية الذي يضم عدّة مؤسسات، كمعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، ومؤسسة الكمنجاتي، ومؤسسة ديليا الدولية للفنون، وجميعها تضررت مقرّاتها في قطاع غزة، جزئياً أو كلّياً، نتيجة عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي واستهدافه للمنشآت الثقافية والفنية والتاريخية في حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها ضد الشعب الفلسطيني هناك.

منذ الأسبوع الأول لاندلاع العدوان على قطاع غزة، كان لمعهد إدوارد سعيد دور ريادي في هذا المجال، إذ بدأ نقاش داخله حول دعم "مجتمع الموسيقى" في قطاع غزة، بداية عبر الدعم المادي والنفسي، وتنظيم حملات عالمية لوقف العدوان.

في هذا السياق، يشير مدير البرامج والعروض الموسيقية في المعهد، محمد مراغة، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن العديد من زملائهم الموسيقيين وطلاب المعهد في غزة استشهدوا، أو أصيبوا، وغالبيتهم العظمى فقدوا منازلهم، علاوة على الضرر الكبير الذي لحق بالمبنى.

وتلفت المديرة التنفيذية في معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، سيمة خوري عودة، إلى أن مقر المتحف في حي تل الرمال في مدينة غزة استهدف بقذائف أصابته من الداخل بأضرار جسيمة، ما أدى إلى احتراق بعض الآلات الموسيقية، فيما يرجح سرقة جنود الاحتلال لآلات موسيقية أخرى، ولم يبق إلا البيانو.

قبل بدء لقاءات "مجتمع الموسيقى" في الضفة الغربية، وتحديداً مدينة رام الله، كان المعهد قد بدأ بالعمل، قدر الإمكان، على توفير احتياجات معلميه وطلابه في القطاع. وبعد الاجتماع وُزّعت المهام بين المعهد ومؤسستي "الكمنجاتي" و"ديليا"، فهناك من أخذ على عاتقه تنظيم فعاليات موسيقية ترفيهية للمجتمع المحلي، وخاصة الأطفال في أماكن النزوح، وهناك من أدار حملات تبرعات لأغراض توفير منح تهدف إلى تعزيز صمود الفنانين في غزة، أو توفير مساكن أو خيم في أماكن النزوح لهم ولعائلاتهم.

ومن هذه المبادرات، كما يوضح محمد مراغة، تأسيس صندوق إغاثة مجتمع الموسيقى في غزة، وقام على تبرعات "مجتمع الموسيقى" في الضفة الغربية، من مؤسسات وفنانين وطلّاب وموظفين. فمنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تُرسل حوالات لعدد من المتضررين من "مجتمع الموسيقى" في قطاع غزة. ونجح "مجتمع الموسيقى" في الضفة بتأثيث منطقة في جنوب الضفة بالخيام، وتسكنها خمس عشرة عائلة من الفنانين وطلاب الفن وذويهم، بما بات يشكل مخيم إيواء، علاوة على تواصل إرسال الحوالات.

و"ما بعد ارتفاع وتيرة النزوح، بتنا نفكر في العامل النفسي لدى الأطفال ودور الموسيقى في هذا الجانب، لكن التحدي الأكبر كان لمّ شمل عدد من الطواقم لدينا، التي نزحت هي بدورها أيضاً، وتشتتت، فلم تعد الفرق المتعددة التابعة للمعهد في غزة قائمة"، يقول مراغة، مضيفاً: "كانت البداية في هذا الجانب مع الموزع الموسيقي المعروف في غزة فؤاد خضر، وهو والد أحد طلاب المتحف، وبدأ العمل في جباليا، وشكل فريقاً من عشرة فنانين يعملون على تنظيم أنشطة موسيقية ترفيهية للأطفال، وكانت نتائجها مذهلة، على مستويي الأثر والتفاعل". يضيف: "ذكر لي مرّة أنه كي يلتقي أحد الموسيقيين في محيط مستشفى الشفاء، اضطر إلى المشي سبعة كيلومترات، وذلك لترتيب تنظيم واحدة من الفعاليات للصامدين في مدينة غزة وشمالها، دُشّن برنامج لهذه الأنشطة، تمركز في مرحلته الأولى في شمال غزة: جباليا المخيم والبلد، وبيت لاهيا، وكان العمل في 24 مدرسة".

وفي وقت لاحق، عُمّمت الفعاليات الموسيقية هذه وانتقلت إلى الجنوب، خاصة في مدينة رفح، التي باتت تحتضن غالبية سكّان قطاع غزة، بعد نزوحهم إليها. تشير سيمة خوري عودة، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن تنظيم هذه الفعاليات الموسيقية في جنوب قطاع غزة، يتم بالتعاون مع "الكمنجاتي" و"ديليا"، موضحةً أن هذا البرنامج يهدف إلى تشغيل عدد من الفنانين والموسيقيين المحترفين والهواة، في هذه الحرب التي لم يسبق لها مثيل ليس فقط في فلسطين، بل ربما على مستوى العالم.

تلفت خوري عودة إلى أهمية ما قام به المعهد خاصة، و"مجتمع الموسيقى" في الضفة عامة، من العمل والتواصل مع الشركاء حول العالم، لأغراض التوعية بما يحدث في قطاع غزة على المستويين العالمي والعربي، وهو ما كان له أكبر الأثر على أرض الواقع، إذ أنتج العديد من موسيقيي وفناني العالم مقطوعات موسيقية أو أغنيات جرّاء هذا التواصل.

بدوره، يؤكد مراغة أن مفهوم الفنّان قد اتسع، ليشتمل ليس فقط من يعتاشون من الموسيقى بشكل أساسي، وهم قلة، بل كل من يعمل في القطاع الموسيقي، وكذلك طلاب المعاهد الموسيقية، ولم يقتصر الأمر على من يقدّمون موسيقى جادة، بل شمل الفنانين الشعبيين ممن كانوا يحيون حفلات الأعراس والتخرج من الجامعات والثانوية العامة، لذلك تكوّن مجتمع للموسيقى في الضفة الغربية لإغاثة "مجتمع الموسيقى" في قطاع غزة.

المساهمون