عام على عدوان غزة: الإعلام يحاول التعافي

10 مايو 2022
صحافيان فلسطينيان فوق ركام برج الجلاء (محمد عابد/فرانس برس)
+ الخط -

لا تُخفي مراسلة قناة الجزيرة الفضائية في غزة هبة عكيلة، حزنها على أرشيف القناة الذي اندثر تحت رُكام برج الجلاء، وسط المدينة، الذي استهدفته الطائرات الحربية الإسرائيلية بعدة صواريخ، ساوته بما فيه من معدات وأجهزة بالأرض. 
ورغم مرور عام على انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، والتي بدأت في العاشر من مايو/ أيار 2021، تنقلت فيه عكيلة برفقة زملائها في طاقم الجزيرة في العديد من المقار والأماكن، إلا أن الروح المعنوية لم تخفت والتغطية الصحافية الميدانية لم تتوقف. 
واستهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية نحو 45 مقراً ومؤسسة إعلامية ما بين كلي وجزئي، خلال الحرب الأخيرة، وذلك بعد تدمير الأبراج والبنايات السكنية والعمارات المدنية، والتي تتضمن وكالات أنباء محلية وعربية ودولية، ومكاتب ومؤسسات صحافية. تقول الصحافية هبة عكيلة لـ "العربي الجديد" إن الذكرى الأولى للحرب الأخيرة تمر على قطاع غزة بكثير من الألم، خاصة وأن الأراضي الفلسطينية في القدس والضفة وغزة تعيش في حالة غليان وتوتر، مضيفة: "منذ انتهاء الحرب، لم يكن عامًا هادئًا، إذ لم تتم إعادة الاستقرار أو إعادة فتح المعابر، أو انتهاء حصار غزة، بل كان عامًا مليئًا بالتصعيد بين الحين والآخر". 

وانتقل فريق عمل "الجزيرة" في رحلة طويلة منذ الخامس عشر من مايو/ أيار 2021، وهو اليوم السادس للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفق قول عكيلة، وقد بدأت بالانتقال إلى أحد فنادق القطاع لمواصلة العمل واستمرار التغطية الصحافية، فيما قامت وكالة فرانس برس باستضافة الفريق للبث من سطح المبنى الذي تتواجد فيه، وبعد ذلك تم الانتقال إلى شقة سكنية بسيطة، والبدء بالبحث عن مقر دائم، وتجهيزه بأحدث المعدات والتقنيات.
ولا يزال أثر الصدمة واضحًا على الصحافية عكيلة، الذي كان حاضِرًا في مخيلتها ومخيلة فريق العمل، وتقول: "كانت صدمة كبيرة بالنسبة لنا أن يتم إخبارنا بأنه سيتم قصف المبنى خلال دقائق، لم نتخيل في يوم من الأيام أن يصل جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه واعتداءاته على الصحافيين وعلى الفلسطينيين إلى هذا الحد، باستهداف مبنى آمن يضم عشرات الشقق السكنية لمواطنين وأطفال وأسر عزل إلى جانب مكاتب صحافية تضم صحافيين عزلاً، يعملون بطريقة مكشوفة وواضحة أمام عدسات الطائرات الإسرائيلية وكاميراتها".
وعلى الرغم من تأثير الصدمة على فريق القناة، إلا أن ذلك لم يوقفه عن إكمال العمل الصحافي، وفق تعبير عكيلة التي قالت: "كان من المفروض أن يكون تأثير تدمير مقر عمل قناة الجزيرة سلبيا ومُدمِّرا، ويهزنا نفسيًا ومهنيًا، ومن ثم التأثير على أداء العمل ولكن ما حدث هو عكس ذلك، حيث تم تحويل ما نراه من معاناة إلى عمل، وإصرار على إكمال المسير الصحافي بهدف إيصال الرسالة". ورغم التحضيرات الجارية لإنهاء اللمسات الأخيرة على مقر العمل الجديد لقناة الجزيرة في غزة، إلا أن الفريق لا يزال يشعر بألم وغصة نتيجة فقدان الأرشيف الخاص بالقناة، إلى جانب فقدان أجهزة البث وأدوات التصوير خلال عملية القصف المفاجئ والصادم لبرج الجلاء.

استهداف المقرات الإعلامية

بدأ الاستهداف الإسرائيلي للمقار والمؤسسات الصحافية بقصف برج الجوهرة فجر يوم 12 مايو/ أيار، وهو اليوم الثالث للعدوان الأخير، جاء ذلك بعد قصف برج هنادي غربي مدينة غزة، فيما قامت الطائرات الحربية في اليوم التالي باستهداف برج الشروق والذي يضم 17 وسيلة إعلامية محلية ودولية وعمارة الداعور، تلاها مباشرة استهداف برج الجلاء والذي يضم إلى جانب الجزيرة، إذاعة صوت الأسرى ومؤسسات إعلامية أخرى محلية، إضافة لوكالة أسوشييتد برس الأميركية. 
ويقول الصحافي الفلسطيني محمد السوافيري، ويعمل مُراسلًا حرًا، داخل برج الشروق في منطقة الرمال غربي مدينة غزة، إن الطائرات الحربية دمرت البرج المكون من 14 طابقاً، وساوته بالأرض، بما يضمه من مكاتب للعديد من المؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى الشقق السكنية والمحال التجارية. ويستذكر السوافيري خلال حديث مع "العربي الجديد" ذكريات العمل داخل مكتب يضم العديد من الصحافيين "الفريلانسر"، قائلًا: "مع قصف البرج لم يعد أمامنا سوى العمل عن بعد دون التقاء". ويعتبر الصحافي السوافيري أن "الالتقاء بالزملاء من مختلف الوسائل الإعلامية يمثل البيئة الحاضنة والمميزة للعمل الصحافي الذي يحتاج إلى بيئة جمعية لم تعد متوفرة بعد قصف البرج، حيث بات كثير من الصحافيين يفتقدون بيئة عملية حاضنة لعملهم وهو ما قد يفقدهم روح العمل الصحافي ويشعرهم بعدم القدرة على تقديم الأفضل في عملهم بسبب عدم القدرة على توفير الإمكانيات المناسبة لبيئة عمل صحافية". 

97 انتهاكاً
ورصدت وحدة الرصد والمتابعة في المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، خلال تقرير شهر مايو/ أيار 2021، نحو 97 انتهاكاً إسرائيلياً ضد الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، خلال الحرب الأخيرة، تمثلت في التالي:

  • استشهاد الصحافي يوسف أبو حسين.
  • تدمير العديد من المؤسسات الإعلامية. 
  • إصابة صحافيين بجروح.
  • تدمير منازل عاملين في قطاع الإعلام وتحطيم مركباتهم.
  • إصابة أكثر من 12 صحافياً بطريقة مباشرة خلال تغطيتهم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سواء باستهداف بعضهم بالشظايا التي تطايرت بفعل القصف، أو عبر قصف منازلهم فوق رؤوسهم. 

سجل طويل من الانتهاكات

من جانبه، يبين نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل، أن الجرائم الإسرائيلية التي تم ارتكابها خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، تضاف إلى سجل كبير من الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق الصحافيين، مبينًا أن العدوان على قطاع غزة بدأ بالاستهداف المباشر لوسائل الإعلام وقصف المؤسسات الإعلامية من أجل إخافة وإرهاب الصحافيين الذين كانوا ينقلون بالصورة والقلم والكاميرا، بكل جسارة وقوة تفاصيل ما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي من جرائم بحق الشعب الفلسطيني ومؤسساته وأطفاله ونسائه وشيوخه.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويوضح الأسطل لـ "العربي الجديد" أن الاحتلال الإسرائيلي يُدرك أن تسجيل الجرائم ينذر بملاحقة قواته أمام المحاكم الدولية، ما دفعه إلى الإقدام على تدمير الأبراج والبنايات السكنية التي تضم المؤسسات الإعلامية، على الرغم من عدم وجود مبرر واضح للقصف الذي راح ضحيته الشهيد يوسف أبو حسين، وإصابة الصحافيين وتدمير مقارهم. ويؤكد الأسطل بدء نقابة الصحافيين بالإجراءات العملية، برفقة عدد من الخبراء الدوليين والفلسطينيين من مؤسسة مركز عدالة لحماية الشعب الفلسطيني، من أجل ملاحقة قادة الاحتلال على هذه الجرائم، سواء التي حصلت في الحرب الأخيرة، أو ما قبلها في العديد من الاعتداءات الإسرائيلية عام 2012 وعام 2014 إلى جانب الجرائم التي قام بها خلال مسيرات العودة، مشددًا على أن محكمة الجنايات الدولية قبلت الملف الخاص بالاعتداءات الإسرائيلية.

وكان لافتاً تغاضي الإعلام الغربي منذ عام حتى اليوم عن كل الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال بحق الصحافيين الفلسطينيين، خصوصاً خلال العدوان، فعلى سبيل المثال، وكالة أسوشييتد برس التي تعرض مقرها للتدمير في الحرب، واصلت في تغطيتها للشأن الفلسطيني الانحياز للاحتلال.

المساهمون