المؤسسات الإعلامية تعد من بين القطاعات الأكثر تضرراً جراء التحولات الأخيرة في أفغانستان، بعد عودة حركة "طالبان" إلى الحكم، منتصف أغسطس/آب الماضي. وفيما توقفت أكثر من مائتي مؤسسة إعلامية عن العمل لأسباب إقتصادية أو بسبب ضغوط من عناصر في "طالبان"، فرّ 70 في المائة من الصحافيين من البلاد، أو أجبروا على البطالة، وفقاً لما كشفته منظمات حقوقية.
قال رئيس إذاعة محلية توقفت عن العمل أخيراً، في ولاية لغمان شرقي البلاد، ويدعى مدير كاوش، لوسائل إعلام محلية، إن الوضع الاقتصادي الصعب، إضافة إلى الضغوطات التي تفرضها "طالبان" جعلا من استمرارية العمل في الإذاعة شديدة الصعوبة. وأفاد كاوش بأن 16 شخصاً كانوا يعملون معه في الإذاعة، بينهم امرأتان.
وفقاً لمؤسسة محلية تُعنى بشؤون الصحافيين الأفغان، أقفلت 257 مؤسسة إعلامية في البلاد منذ سيطرة "طالبان"، و70 في المائة من العاملين في القطاع وجدوا أنفسهم أمام خيار الهرب من البلاد أو البطالة، بينما نقلت وسائل إعلام محلية عن توجه الكثير نحو مهن مختلفة تماماً.
وذكرت وسائل الإعلام المحلية قصة الإعلامي وحيد الله وحدت من ولاية هلمند الذي وجد نفسه بلا عمل أخيراً، فبدأ يعمل في تصميم المنازل ونقل الطوب. وسلطت مواقع إخبارية أخرى الضوء على صحافيات وجدن أنفسهن يعملن في التطريز والخياطة، جراء الأوضاع هذه.
إلى ذلك، أعلنت النقابة الوطنية للصحافيين في أفغانستان عن رصد 30 حادثة إعتداء منذ تولي "طالبان" السلطة، محذرة في بيان لها، الشهر الماضي، من مغبة ما تمارسه الحركة في حق الإعلاميين. كشفت النقابة أيضاً أن 70 في المائة من الذين طلبوا اللجوء في بلاد أخرى، منذ سيطرة "طالبان"، بصفتهم إعلاميين، ليسوا كذلك.
واحتلت أفغانستان المرتبة الخامسة في مؤشر "لجنة حماية الصحافيين" الدولية للإفلات من العقاب، الصادر مطلع الشهر الحالي. وتغطي آخر بيانات اللجنة الفترة ما بين 1 سبتمبر/أيلول 2011 حتى 31 أغسطس/آب 2021، إلا أنها لا تعكس على نحو كامل الخطر المتزايد الذي يواجهه الصحافيون في أفغانستان. وبينما لم تتغير مرتبة البلد على المؤشر، إلا أن الوضع على الأرض تدهور بسرعة للمراسلين الصحافيين خلال العام الحالي، بعد سيطرة حركة "طالبان" على البلاد.
وأشارت "لجنة حماية الصحافيين" إلى أن مئات الصحافيين فروا من أفغانستان، "بسبب خشيتهم من السجل الوحشي لحركة (طالبان) في مجال حرية الصحافة، وما قد يعنيه حكم هذه الحركة بالنسبة لأمن الصحافيين". وأكدت أن تحقيق العدالة للصحافيين الـ17 الذين قتلوا في أفغانستان، في فترة المؤشر الممتدة 10 سنوات، "أمر صعب المنال أصلاً"، وأن "إفلات الجناة من العقاب قد يصبح راسخاً بقدر رسوخه في الصومال والبلدان الأخرى التي تتصدر المؤشر".
يحكي الإعلامي وحيد الله كاكر، لـ"العربي الجديد"، قصة الاعتداء عليه. ويقول إنه في الـ21 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي توجه إلى محيط السفارة الإيرانية في العاصمة كابول، لتغطية تظاهرة نسائية. وحين وصل هو وزملاؤه، قال أحد قادة "طالبان" لعناصره من دون أي تمهيد: اضربوا الإعلاميين، وأخرجوهم من الساحة. وفعلاً، تعرض كاكر للضرب، وهُدد بإطلاق النار عليه، وأُخرج من الساحة دفعاً.
المصور شكيب أحمدي، من شركة "جي بي إس للإعلام"، يقول لـ"العربي الجديد" إنه أيضاً تعرض في اليوم نفسه للضرب من قبل مسلحي "طالبان"، لا لذنب سوى أنه وزملاء له كانوا يغطون المسيرة.
وفيما اكتفى كاكر وأحمدي بالمغادرة بعد ما تعرضا له، توجه الصحافي عبد الرشيد كاشفي إلى مكتب وكيل وزارة الثقافة، وهو الناطق بإسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، وأخبره أنه تعرض للضرب من قبل المسلحين. وقال إن وكيل وزارة الثقافة تعامل معه بشكل جيد، ونصحه ألا يغطي أي نشاط محظور.
ودعت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حكومة "طالبان" القنوات التلفزيونية الأفغانية إلى التوقف عن بث مسلسلات تظهر فيها النساء، في إطار التعليمات الدينية الجديدة التي نُشرت الأحد الماضي. كما جاء في مستند صادر عن الوزارة وموجه لوسائل الإعلام، أنه ينبغي على قنوات التلفزة أن تتجنب عرض مسلسلات رومانسية تلعب النساء فيها أدواراً. كما طلبت "طالبان" أن ترتدي الصحافيات الحجاب الإسلامي عندما يظهرنَ على الشاشة، من دون تحديد ما إذا كانت تتحدث عن وضع غطاء على الرأس، وهو ما تعتمده أصلاً النساء على الشاشات الأفغانية، أو ارتداء حجاب كامل. دعت "طالبان" القنوات الأفغانية أيضاً إلى تجنّب البرامج التي تتعارض مع القيم الإسلامية الأفغانية، وكذلك تلك التي تسيء للدين أو التي تُظهر النبي ورفاقه.
وفي هذا الشأن، قال الناطق باسم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مولوي محمد صادق عاكف مهاجر، لـ"العربي الجديد"، إن "ما فرضناه من قيود على وسائل الإعلام هو مطلب الشعب"، وإن "شرائح الشعب قد سئمت من المسلسلات الأجنبية التي لم تأت لنا بالخير في السنوات الماضية".