دير القديس هيلاريون... عودة إلى 1700 عام مضت

28 يناير 2023
كشفت التنقيبات في الدير عن ثلاث كنائس بُنيت في مكان واحد (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

يُرجِع دير القديس هيلاريون الذي يتربع إلى الغرب من مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة زواره 1700 عام إلى الوراء، أي إلى الحضارة البيزنطية، عبر مرافق أثرية وتاريخية مهمّة.

يُعَدّ دير القديس هيلاريون، المعروف باسم تل أم عامر الأثري، أول وأقدم وأكبر الأديرة التي بُنيت في فلسطين، خلال العصر البيزنطي، إذ يرجع تاريخه إلى عام 329، حينما أقام القديس هيلاريون أول صومعة له للتنسك في ذلك المكان. وتُغطي البقايا الأثرية لدير القديس هيلاريون التي اكتشفتها عام 1997 دائرة الآثار في غزة مساحة تزيد على 14 ألفاً و500 متر مربع، وتمتد الفترة الزمنية التي تنتمي إليها هذه الآثار من القرن الرابع، إلى القرن التاسع الميلادي التي تمتد من الحقبة الرومانية حتى العصر الإسلامي العباسي، كذلك يعتبر الموقع الأقدم على مستوى الأرض المُقدسة، إذ أسَّس الدير القديس هيلاريون الذي يعتبَر أبا الرهبنة في فلسطين.

يتكون الدير من فناء مُربع مكشوف، تتوسطه نافورة مياه، وكُسيت أرضيته بالبلاط الرُخامي، ويحيط بالفناء المُربع أربعة أروقة، تتصدرها أعمدة، ومجموعة غُرف تحيط بالأروقة. أما في الجهة الشمالية من الدير، فتوجد قاعة الطعام، وقاعات استخدمت لأغراض متنوعة. يتوزع الدير على قسمين معماريين: القسم الكنسي، ويستقر في الناحية الجنوبية. أما القسم الثاني، الواقع في الناحية الشمالية، فإنه يتعلق بممارسة طقوس الحج، والاستحمام، فيما كان يضم مضافة الرواد.

ويعتبر الدير اليوم، نظراً إلى حجمه، واحداً من أكبر الأديرة في الشرق الأوسط، فيما يبقى سرداب الكنيسة نظراً إلى أبعاده بلا نظير في بلاد الشام.

يوضح مشرف موقع القديس هيلاريون الأثري، محمد عبد الجواد، أن المكان، حتى عام 1993، كان عبارة عن تلة من الرمال، إلى أن اكتُشِفَت الأحجار والآثار خلال مشروع لتقسيم الأراضي. يضيف: "في ذلك الوقت، كان يحكم قطاع غزة الاحتلال الإسرائيلي، وبمجرد معرفته بالمعلومة، حَوّل المكان إلى منطقة عسكرية مُغلقة، وقد عمل بالمكان لمدة عام كامل، كانت تهبط خلاله طائرات المروحية لنهب آثار الموقع وسرقتها".

استُكمِل العمل في الموقع بعد قدوم السلطة الفلسطينية إلى غزة عام 1994، لإزالة جميع الرمال التي تُغطي الموقع، وإظهار معالمه الأثرية.

يشير عبد الجواد، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أنّ التحديثات في الموقع لا تتوقف منذ ما يزيد على خمسة أعوام، إذ يعتبر مشروع ترميم وإعادة تأهيل دير القديس هيلاريون من مشاريع الحفاظ المهمة التي تستهدف موقعاً أثرياً مُدرجاً على لائحة التراث العالمي، فشمل كل أجزاء الموقع، من خلال إعادة ترميم الجدران الأثرية، وإعادة بناء منطقة الديماس، وتنظيف وتدعيم أجزاء الموقع كافة، إلى جانب ترميم أرضيات الفسيفساء وصيانتها.

ينقسم الدير إلى عدة أماكن مهمة، ومنها غرف القساوسة والرهبان، في الناحية الجنوبية الغربية، وتتزين بأرضيات الفسيفساء، كذلك منطقة الكنائس والعبادة، إذ تتكون من الكنائس، والسرداب، والفناء الكبير، والمعموديات، وقاعة الطعام، والملحقات. وكشفت الحفريات الأثرية عن وجود ثلاث كنائس متتالية، حول قبر هيلاريون، زُينت برسوم، وأرضية فسيفساء ملونة، وأعمدة من الرُّخام. يضم الدير كذلك المعمودية، يقع فيها حوضان، يرجع أحدهما إلى القرن السادس، والآخر إلى القرن السابع، وتعتبر المعمودية أحد أبرز طقوس اعتناق الديانة المسيحية، حين يُغطَّس الأطفال بالأحواض بعد تسليمهم للراهب، في أجواء احتفالية، فيما تعتبر طقوس التعميد الممر الإلزامي لكي يصبح الشخص مسيحياً ويتمكن من دخول الكنيسة.

وترجع منطقة الحمامات وتقع في الناحية الشمالية من الدير إلى عهدين: الأول هو العهد البيزنطي، أما الثاني فهو الأموي الإسلامي، إذ وُجد خلال الحفريات بعض العملات الإسلامية التي كُتب عليها عُمر بن عبد العزيز، فيما تضم منطقة المبيت والفندق مجموعة غرف للزوار والمُسافرين. أما منطقة الإسطبل، فقد كان يوضع فيها حيوانات الزوار وأحصنتها، وتجاورها منطقة البئر والساقية التي تعتبر المصدر الأساسي للمياه في مرافق الدير، ويغذي منطقة الحمامات، والغرف الخدماتية في الدير والفناء.

وُلد القديس هيلاريون في غزة، وتتلمذ على يد القديس أنطونيو في مصر، في أثناء ذهابه لتعلّم العلوم الإنسانية والرهبنة، ثم رجع إلى غزة وأنشأ الدير، قبل 17 قرناً، وقد دُمِّر الدير عام 362، بفعل مُلاحقة الإمبراطور جوليان المُرتد للمسيحيين. وعند ازدهار العمارة المسيحية في غزة، في القرن السادس الميلادي، حدثت عملية تطور معماري في الدير، وقد كشفت التنقيبات الأثرية في الدير عن وجود ثلاث كنائس بُنيت في مكان واحد، وتعود مراحل بناء المجموعات المعمارية فيه إلى مراحل زمنية عدة، بدأت منذ القرن الرابع الميلادي، وانتهت في القرن الثامن في العصر الإسلامي في فلسطين.

المساهمون