شهدت مدينة لاكورونيا الإسبانية، أخيراً، تصادماً بين نموذجي أعمال متناقضين تماماً في مجال صناعة الأزياء، ليرتفع عدد الأصوات المطالبة بصناعة ملابس أكثر استدامة، في ظل مواجهة التركيز المستمر على زيادة المبيعات.
وعلى غير المتوقع، يقع مقر شركة إنديتكس المالكة لمحلات زارا والموزع الأكبر عالمياً في صناعة الأزياء السريعة في مدينة لاكورونيا، تلك المدينة المميزة بأمطارها الغزيرة التي تجتاحها رياح المحيط الأطلسي لموقعها الساحلي. تستضيف لاكورونيا، كذلك، محلات صغيرة تقدم منتجات ذات جودة أعلى وأكثر استدامة ومتانة، لتكون أزياؤها بديلة عن الأزياء السريعة والمتوفرة بأسعار معقولة، ما يدفع بزيادة المبيعات السنوية لشركة إنديتكس إلى 28 مليار يورو (30 مليار دولار).
يذكر أنّ الاتحاد الأروربي كان قد تعهد العام الماضي بأن يعمل على إلغاء "الإنتاج والاستهلاك المفرطين" بسبب الإنتاج الضخم للملابس الجاهزة التي كانت "إنديتكس" إحدى الشركات الفاعلة فيه. يرى الاتحاد أن جميع الملابس المباعة يجب أن تكون "طويلة الأمد وقابلة لإعادة التدوير" بحلول عام 2030.
وقال مفوض البيئة، فيرجينيوس سينكيفيوس، على هامش فعالية أقيمت في البرتغال أخيراً، إن الاتحاد الأوروبي سيعلن عن أهم مقترحاته بشأن صناعة الملابس مع نهاية مارس/ آذار الحالي، إذ تريد المفوضية الأوروبية أن تضمن صناعة الشركات لعدد المنتجات التي تحتاجها فقط. وأشار سينكيفيوس إلى أنها ستتوقف عن فرض القيود، وبدلاً من ذلك ستطلب من الشركات أن تتولى رقابة نفسها بنفسها حتى يطلق عليها صفة الاستدامة. وأضاف أنّه "سيتعين على الشركات إذا أنتجت أطناناً وأطناناً من الملابس والمنسوجات والأحذية إلى السوق، أن تجمعها".
قرابة 5.8 ملايين طن من المنتجات النسيجية يتم التخلص منها سنوياً داخل الاتحاد الأوروبي فقط، أي ما يعادل 11 كيلوغراماً للفرد الواحد. ووفقاً لأرقام الاتحاد الأوروبي، يتم هذا التخلص إما بدفن أو حرق حمولة شاحنة من المنتجات المنسوجة في مكان ما في العالم كل ثانية.
يبين التقرير السنوي لـ"إنديتكس" أنها عرضت 565 ألفاً و27 طناً من الملابس في السوق عام 2021. كما قد تكشف الشركة عن زيادة أخرى عند نشر تقريرها السنوي لعام 2022 الشهر المقبل. وإلى حدّ الساعة، لا تبدو علامات الإنتاج البطيء واضحة على منتجات "إنديتكس"، بيد أنها بصدد تغيير بعض العمليات لتقليل تأثيرها البيئي مع التمسك باستراتيجيتها للنطاقات الجديدة المنتظمة.
وفي ردها على رسائل "رويترز"، أجابت "إنديتكس" أنّ من النقاط المحورية في خطتها أن تباشر باستخدام مواد معاد تدويرها وتقليص استخدام المياه والطاقة والمواد الخام، مضيفةً أن الشركة "ترى أن هذا الأمر لا يتعلق بالكمية (في الصناعة)، ولكن بالكيفية". وقالت الشركة في تقريرها السنوي إن نصف الملابس التي أنتجتها عام 2021 كان بطريقة أكثر استدامة، من خلال استخدام الخيوط والقطن العضوي الذي لا يشكل خطراً على الغابات المهددة بالانقراض مقارنة بـ 9% عام 2018، وهذا من دون أن تشير إلى بيانات دقيقة عن كيفية تقليل هذه المواد المستعملة من تأثيرها على البيئة.
وأكدت "إنديتكس" أنها بصدد تعديل إنتاجها لمطابقة طلب العملاء، وأن نسبة 2% فقط من مخزونها تحتاج إلى إعادة التدوير أو التبرع. إذ تحاول الشركة أن تحقق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2040، وقد جرت الموافقة على استراتيجيتها من قبل مبادرة الأهداف العلمية (SBTi)، وهي هيئة تدقق في سياسات الاستدامة الخاصة بالشركات.
يدير مصممو "إنديتكس" السابقون، وموظفو قسم المبيعات، بعضاً من المحلات الصغيرة في لاكورونيا بعد مغادرتهم الشركة لبدء مشاريعهم الخاصة، محاكاةً لأمانسيو أورتيغا مؤسس "إنديتكس" الذي افتتح أول محل لـ "زارا" في المدينة عام 1975.