المؤرخ أيمن فؤاد سيد: الخليفة العباسي ألعوبة عند المماليك [2/ 2]

06 ابريل 2024
أيمن فواد سيد (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أيمن فؤاد سيد، متأثرًا بوالده العالم فؤاد سيد، تخصص في التاريخ والمخطوطات العربية، مركزًا على اليمن وتحقيق المخطوطات، وأضاف إلى العلم فهارس ودراسات قيمة.
- سعى أيمن لاستكشاف آفاق جديدة في التاريخ، مقدمًا تفسيرات جديدة لأحداث تاريخية ومركزًا على تاريخ القاهرة وتطورها العمراني، وترجم جزءًا من "وصف مصر".
- يحافظ أيمن على البحث العلمي الدقيق والموضوعي، متجنبًا الانحيازات ويعمل حاليًا على تحقيق نص "زبدة كشف الممالك"، مؤكدًا على أهمية الحفاظ على التراث الثقافي وإتاحته للأجيال القادمة.

ولد المؤرخ والمحقق المصري أيمن فؤاد سيد في بيت علم، فوالده فؤاد سيد من أهم علماء المخطوطات العربية ومحققيه،ا رغم أنه لم يحظ بتعليم عال.
أكمل أيمن ما عايشه في مجلس أبيه العلمي، فتخصص بالتاريخ وأنجز دارسات عن اليمن الذي سافر إليه والده ضمن بعثة وزارة المعارف المصرية لتصوير المخطوطات العربية فيها.
حقق أيمن، كما فعل والده، العديد من المخطوطات، وأفرد كتابا لعلم المخطوطات العربية، وأعد، كما فعل أبوه من قبله، الكثير من الفهارس للمخطوطات العربية.
لا يستريح ولا يستكين باحثنا للآراء الشائعة، فيبحث في ما قد قُتل بحثا لينتهي إلى خلاصات جديدة تضيف جديدا، كما فعل في كتابه (الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد).
اهتم الرجل اهتماما خاصا بمدينته القاهرة، فأرخ للحكم الفاطمي ثم (دولة سلاطين المماليك في مصر) ثم خصص كتابا لوصف (القاهرة، خططها وتطورها العمراني) ثم ترجم عنها (وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل) وهو أحد أجزاء كتاب (وصف مصر).
حاورنا أيمن فؤاد سيد على هامش تكريمه بجائزة الدوحة للكتاب، وكان واسع الصدر وكريما بوقته وعلمه. وفي الحلقة الثانية من المقابلة، يتابع حديثه عن تاريخ مصر خلال المرحلة المملوكية ثم عنايته بالمخطوطات وتلك التي تناولت عمران وخطط مدينة القاهرة.

إليكم الحلقة الثانية للمقابلة:

* بعد الفترة الفاطمية كتبت عن فترة (دولة سلاطين المماليك في مصر).

أدت الأخطار التي واجهت العالم الإسلامي ابتداء من نهاية القرن الـ5 الهجري/الـ11 الميلادي مع قدوم الحملة الصليبية الأولى، التي انتهت بسقوط القدس عام 1099، وبعدها غزو المغول، الى تغير كبير في المنطقة، فكان لا بد من ظهور قوة عسكرية جديدة تعيد إلى الدولة الإسلامية هيبتها، فظهر الأيوبيون الذين استعانوا مع سلطانهم الأخير نجم الدين أيوب بعناصر شديدة البأس والمراس من السلاجقة والأكراد والتركمان والترك، وفي المقدمة منهم المماليك الذين لمع نجمهم بهزيمة الحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع وأسره.
لقد استطاع المماليك السيطرة على الحكم باعتلاء عز الدين أيبك عرش السلطنة بعد زواجه من شجرة الدر، أرملة نجم الدين أيوب، ومن ثم جاء قطز وبيبرس وقلاوون... إلخ.

لقد نجح المماليك في هزيمة الصليبيين والمغول معا، وأحيوا من جديد الخلافة العباسية، ولو كان ذلك من باب إيجاد شرعية لحكمهم، حيث أفتى الكثير من الفقهاء بعدم جواز تولية المملوك، وكان الحل بتفويض السلطة من الخليفة للمماليك.
كان الخليفة (طرطوراً) عند السلاطين المماليك لا يملك من السلطة إلا اسمها.
أحيا المماليك الخلافة العباسية بعد ثلاثة أعوام من سقوطها، وجعلوا من مصر وعاصمتها القاهرة مركز القرار في العالم الإسلامي، ومصدر الشرعية الذي تجلى بوجود الخليفة العباسي، وأيضا محمل الحج الذي يحمل كل عام كسوة الكعبة من القاهرة إلى مكة.
يستقبل شريف مكة الموكب المصري وتعلق الكسوة على الكعبة يوم وقفة عرفات، مقرونا ذلك بالدعاء للخليفة العباسي والسلطان المملوكي في مصر، وقد استقرت تلك الأعراف بعد حج الظاهر بيبرس عام 1269 وقيامه بإصلاحات في المسجد النبوي، حيث كان أول من لقب بخادم الحرمين، وكما قام بترميم قبة الصخرة وتجديد المسجد الإبراهيمي. 

* كيف وصلت الخلافة العباسية إلى مصر؟

علم الأمير قطز بوجود أمير عباسي (أبو العباس أحمد) في دمشق، فاستدعاه إلى مصر تمهيدا لإحياء الخلافة، ولكن قطز قتل واستولى الظاهر بيبرس على السلطنة، فبايع أميرا عباسيا آخر هو (أبو القاسم أحمد) خليفةً عباسياً باسم المستنصر بالله، وهو عم الخليفة الأخير في بغداد المستعصم بالله الذي قتله التتار، وكانت البيعة تحت إشراف العالم المشهور العز بن عبد السلام.
كانت الخطة أن يستعيد الخليفة بغداد بقوة جنود بيبرس، ولكن الأخير تراجع عن إمداده بالقوات بعد أن نُبّه إلى خطورة استعادة الخليفة مركزه، فقتل بمعركة قرب الانبار.
عاد بيبرس إلى مرشح قطز أبي العباس أحمد، وبايعه خليفة في القاهرة باسم الحاكم بأمر الله.
أقام الخلفاء العباسيون في مكان أُعد لهم بالقرب من جامع ابن طولون، وكانوا يدفنون في قبة بجوار مشهد السيدة نفيسة تعرف بقبة الخلفاء.
اقتصر دورهم على تفويض السلطة للسلطان من دون أي تدخل منهم، وكانوا ديكورا ليس إلا، ولا تراهم إلا في حفلات السلطنة وولاية العهد، ومجالس تهنئة السلاطين بالشهور والأعياد. 
انتهى عهد الخلفاء العباسيين (17 خليفة) في مصر بدخول السلطان سليم الأول القاهرة واقتياده الخليفة الأخير محمد المتوكل على الله إلى إسطنبول، حيث تتضارب الروايات حول صحة تنازل الخليفة المتوكل للسلطان سليم.  

* ترجمت جزءاً من كتاب وصف مصر يتعلق بمدينة القاهرة.
ترجمت كتاب العالم والرسام الفرنسي آدم فرانسوا جومار "وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل"، وهو جزء من كتاب "وصف مصر" الموسوعي الهام.
كان جومار أحد مؤسسي الجمعية الجغرافية في باريس وعضوا في البعثة العلمية التي رافقت نابليون بونابرت.
أضفت إلى الكتاب بحثين وأربعة ملاحق، البحث الأول عن "مكانة وصف القاهرة لجومار بين كتب الخطط المصرية"، والثاني عن "التطور العمراني لمدينة القاهرة منذ إنشائها وحتى عام 1800"، لتتضح للقارئ التعديلات والتوسعات التي طرأت على المدينة منذ إنشائها على يد جوهر القائد إلى أن وصفها علماء الحملة الفرنسية.
كما ألحقت بالكتاب ملاحق، منها نص للجبرتي عن الخراب الذي أحاق بمدينة القاهرة على يد الفرنسيين، والثاني لعبد اللطيف البغدادي عن حمامات القاهرة. 

رسم صانع السلة من كتاب وصف مصر(Getty)
رسم صانع السلة من كتاب وصف مصر(Getty)

* ما المقصود بقلعة الجبل؟

بنى الأيوبيون قلعة الجبل على الهضبة المتقدمة من سفح المقطم، ثم ورث المماليك القلعة وجعلوها مقر حكمهم، وكان السلطان يقيم فيها ولا يستقيم الأمر لسلطان إلا إذا حاز القلعة.
بقيت القلعة دارا للحكم في مصر عدة قرون إلى أن نقل الخديوي إسماعيل باشا مقر الحكم نهائيا الى قصر عابدين وسط القاهرة الحديثة عام 1874.

* لاحقاً كتبت عن تاريخ التطور العمراني لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى لحظة التأليف. 
طورت هذا الكتاب عام 2015، ونشرته بعنوان "القاهرة خططها وتطورها العمراني"، في حوالي 600 صفحة مع مجلدين يضمان خرائط مع 700 صورة لتطور القاهرة.
لقد كتبت مجلدات كثيرة حول تاريخ مصر، إلا أنها لم تتطرق إلى استعراض التطور العمراني للمدينة، رغم أن كتب الخطط عرفت في العالم الإسلامي وبلغت ذروتها مع كتاب المقريزي.

* لكن القاهرة أنشئت في العهد الفاطمي؟
صحيح، لكن يجب أن نعرف أن موقع القاهرة الجغرافي كان دوما مركزا عمرانيا ودينيا مهما، ففي ضواحيها الجنوبية الآن، نجد آثار مدينة ممفيس، أول عاصمة مصرية في التاريخ، كما نجد مدينة هيلوبوليس في شمال القاهرة التي لم يتبق من آثارها سوى مسلة وحيدة منعزلة، مع الفتح الإسلامي، بنيت الفسطاط في موقع مدينة بابلبون كأول مدينة إسلامية في مصر، أضيف إليها مع الخلافة العباسية "المعسكر"، وهو دار الإمارة، ومع أحمد بن طولون الذي استقل بحكم مصر (القطائع).
شكلت هذه المناطق الثلاث مدينة واحدة، كانت الفسطاط مركزها التجاري وجامع عمرو بن العاص مركزها الديني، وجامع عمرو هو ما بقي من الفسطاط اليوم، ثم أضاف الفاطميون قسما رابعا عرف بالقاهرة التي ضمت تدريجيا المناطق الأخرى.

مسجد عمرو بن العاص في القاهرة، الاثر الوحيد الباقي من مدينة الفسطاط
مسجد عمرو بن العاص في القاهرة، الأثر الوحيد الباقي من مدينة الفسطاط

* أيضاً حققت الكثير من المخطوطات ومنها كتاب الخطط للمقريزي.
أولا حبي للمخطوطات ورثته عن الوالد، رحمه الله، وبعدما تخرجت من الجامعة، عملت في معهد المخطوطات العربية، ولاحقا، أنجزت دارسات عن علم المخطوط "الكوديكولوجيا"، وهو علم يدرس الشكل المادي للمخطوطات وليس مضمونها، كالورق والحوامل، والحبر، والتجليد، وغيرها.
أما كتاب "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار"، المعروف بالخطط، هو أكمل وأهم نص وصل إلينا عن تاريخ وطبوغرافية مدينة إسلامية.
لقد أتاحت المادة التي يوفرها المقريزي دراسة بناء القاهرة على امتداد ثلاثة قرون، من 1171 إلى 1441، وهو يشمل دارسة حدود القاهرة الفاطمية مع امتداداتها جنوبا وشمالا وضواحيها في بولاق ومصر القديمة.
كنت قد اشتغلت على كتاب المقريزي طويلا، وقد نشرته مطبعة بولاق سنة 1853، وكان من أوائل الكتب التي أصدرتها مطبعة بولاق، لكن للأسف لا نعرف على أي أصل اعتمدت، كما غاب عن الكتاب أي ضبط أو تحقيق أو تعليق، واعتمد عليه الباحثون بأخطائه عند الكتابة عن القاهرة وآثارها.
كان الكتاب منتشرا وأحصيت له 180 نسخة، ولكني اعتمدت على النسخ المبكرة المنقولة عن خط المؤلف، كما وجدت بعض الأجزاء بخط المؤلف نفسه، وهنا بدأت بنشر النشرة النقدية لكتاب الخطط، وقد ألحقتها بصور للأماكن التي تحدث عنها وما بقي منها وما اندرس.
كان المقريزي سابقا لعصره، فأول كتاب وصل إلينا عن تاريخ مدينة، هو عن تاريخ مدينة فلورنسا الإيطالية، مكتوب عام 1480، والمقريزي توفي عام 1442، أي أنه سبق هذا الكتاب بحوالي أربعين عاما.
يبقى الفارق بين كتاب المقريزي وكتاب جومار أن الأول يعتمد الوصف، بينما الثاني يقدم خرائط ورسوما وكأنه يقدم وصفا مرئيا تفصيليا للمكان.

* لك موقف إيجابي من عمل المستشرقين؟
يضحك، ماذا تقصد؟

* قصدت أنك ترى عملهم جيداً وشكل خدمة للثقافة العربية وهناك من يرى أنهم أساؤوا للعرب والمسلمين!
لقد بنيت موقفي على أن المستشرقين طبقوا المنهج العلمي القائم على جمع المصادر ونقدها، وهذا هو المنهج الذي استخدمته في دراساتي.
لقد تناولوا موضوعات مهمة فتحت لنا الطريق، نحن الباحثين العرب الذين تأخرنا بالكتابة عنها حتى القرن العشرين.

* لم تجد من قام بالتضليل أو التزوير؟
يجب الانتباه إلى نقطة مهمة هي أنك عندما تبحث في موضوع معين، يكون عندك موقف معين منه، فإذا كتبت عن موضوع مسيحي وأنت مسلم، يكون عندك موقف ما، وهو كذلك، ولكنه كباحث يعتمد المنهج العلمي.

* لكن الغاية خدمة الاستعمار؟
عندما يقوم باحث بدراسة الحروب الصليبية في شمال سورية، كيف يخدم الاستعمار؟

* مثلاً البعثة الفرنسية المرافقة لجيش نابليون كان هدفها خدمة الجيش الغازي!
يجب أن نفرق بين الحملة وبين البعثة العلمية وإنتاجها كتاب "وصف مصر"، الذي يعتبر أهم كتاب يوثق لتاريخ مصر الحديث. 
أهم منجز ثقافي علمي للحملة الفرنسية على مصر كان كتاب "وصف مصر" وتأسيس المجمع العلمي المصري.
لأول مرة يخرج كتاب مكون من عدة مجلدات مزود بخرائط ورسوم تغطي أرض مصر ومن عليها، وتدون التفاصيل الدقيقة للمعابد والصروح بقياسات دقيقة، لقد قدموا لنا لوحة مفصلة عن حال مصر زمن الحملة.
أنفق العلماء بعد عودتهم من مصر 17 عاما لإعداد هذا الكتاب.

رسم لنابليون بونابرت مع اعضاد البعثة العلمية المرافقة للحملة (Getty)
رسم لنابليون بونابرت مع اعضاد البعثة العلمية المرافقة للحملة (Getty)

* على ماذا تعمل الآن؟
أعمل على تحقيق نص "زبدة كشف الممالك وبيان الطرق" لمؤرخ كان وزيرا ونائبا للسلطان في الدولة المملوكية، كان وزيرا وكان نائبا للسلطنة، هو غرس الدين خليل بن شاهين ظاهري، حيث وجدت النسخة الأصلية منه، ولقد أتممت التحقيق وسينشر الكتاب قريبا في المعهد العلمي الفرنسي في القاهرة.

 

المساهمون