- الانبعاثات الكربونية خلال الأيام الستين الأولى من العدوان تجاوزت الانبعاثات السنوية لعشرين دولة، مما يضع غزة أمام تحدي إعادة الإعمار بكلفة كربونية هائلة.
- الوضع البيئي في غزة يزداد سوءًا مع تضرر الأراضي الزراعية وتلوث المياه الجوفية، مما يهدد الأمن الغذائي ويزيد من معاناة السكان، مع التأكيد على الحاجة لمزيد من الدراسات لتقييم ومعالجة الأضرار البيئية.
بعد خمسة أشهر من انطلاق حملات عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، لم يقتل الاحتلال المدنيين ويهدم المنازل فقط، ولكنه تسبب في كوارث وآثار بيئية في القطاع، يمكن وصفها بالمستدامة؛ إذ يعتقد الخبراء المختصون أن هذا العدوان تسبب في آثار كارثية على التربة والمياه الجوفية، وحتى الهواء.
يقع قطاع غزة على حوض البحر الأبيض المتوسط الذي أشارت إليه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بأنه إحدى أكثر مناطق العالم تأثراً بالتغيرات المناخية وظروف الجفاف وموجات الحرارة الشديدة.
وفي حين ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.1 درجة مئوية منذ عصور ما قبل الصناعة، ارتفعت درجات الحرارة في فلسطين بمقدار 1.5 درجة مئوية. ويتوقع التقرير أنه بحلول نهاية القرن الحالي، وإذا لم يتّخذ العالم إجراءات مناسبة للحد من الاحترار، فمن الممكن أن ترتفع الحرارة بمقدار أربع درجات مئوية.
في دراسة أعدت لتقييم الحالة البيئية في قطاع غزة بعد شهرين فقط من العدوان، نشرت في مجلة Social Science Research Network، قال باحثون إن الانبعاثات المتوقعة خلال الأيام الستين الأولى من العدوان كانت أكبر من الانبعاثات السنوية لعشرين دولة، وهو العدد الذي يمكن أن يزيد إلى أكثر من 33 دولة إذا أضيفت البنية التحتية للحرب، بما في ذلك شبكة الأنفاق والسياج الوقائي أو "الجدار الحديدي".
وأشار الباحثون إلى أن 281 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون قد تولّدت في الشهرين الأولين للحرب، يرجع أكثر من 99% منها إلى القصف الجوي الإسرائيلي والاجتياح البري لقطاع غزة.
وتعادل الكلفة المناخية خلال الأيام الستين الأولى من الحملة العسكرية الإسرائيلية على القطاع حرق ما لا يقل عن 150 ألف طن من الفحم.
وفقاً للدراسة، فإن تكاليف الكربون الناجمة عن إعادة إعمار قطاع غزة هائلة، وإن إعادة إعماره ستتطلب أن يكون إجمالي الانبعاثات السنوية أعلى من 130 دولة، ما يضعها على قدم المساواة مع نيوزيلندا. لذلك، تشير الطبيعة المخصصة لهذه الحسابات إلى الحاجة الملحة إلى الإبلاغ الإلزامي عن الانبعاثات العسكرية في أوقات الحرب والسلم من خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
تضمن التقييم ثاني أكسيد الكربون الناتج عن مهمات الطائرات والدبابات والوقود من المركبات الأخرى، إضافةً إلى الانبعاثات الناتجة عن صنع وتفجير القنابل والمدفعية والصواريخ، ولا يشمل الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري مثل الميثان. كان ما يقرب من نصف إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بسبب طائرات الشحن الأميركية التي تنقل الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل.
يلفت هشام ربيع، خبير التربة والمناخ في وزارة البيئة المصرية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن التقييم البيئي الحقيقي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لم يحدث بعد، ويصعب إجراؤه في الوقت الحالي، خاصة أن آلة الدمار متواصلة والقصف لم يتوقف.
يشير ربيع إلى أن الوضع البيئي في قطاع غزة، في ظل الحصار والإجراءات الإسرائيلية والسياسات المهددة للمياه، كان سيئاً بالفعل قبل العدوان، في ظل ارتفاع مستوى سطح البحر والجفاف الذي يضرب المنطقة، ومنها كل فلسطين، والحرارة الشديدة التي تهدد إمدادات المياه والزراعة في فلسطين.
ويقول إن الوضع البيئي في قطاع غزة المحاصر أصبح الآن كارثياً أكثر من الحالة التي تشير إليها الدراسة. لذلك، هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الدراسات "التطبيقية"، وأخذ عينات من تربة ومياه وهواء ونباتات غزة لفحصها وتبيان المشكلات البيئية الحقيقية التي سببتها الهجمات الإسرائيلية على القطاع.
"لقد جُرف ولُوّث معظم المساحات المصنفة على أنها أراضٍ زراعية، فضلاً عن تلويث مصادر المياه خاصة الجوفية التي تعاني أصلاً منذ سنوات بسبب ضخ السلطات الإسرائيلية مياه الصرف الصحي والملوثات بها، وسحب المياه النظيفة"، يوضح ربيع.
ورغم اعتماد الفلسطينيين في قطاع غزة على الزراعة إلى حد كبير، إلا أن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من 17 عاماً، أدى إلى تقييد تصدير المنتجات الزراعية، واستيراد المدخلات الحيوية اللازمة لتعزيز الإنتاج الزراعي، مثل الأسمدة، ومعدات الزراعة والري، وفقا لأحمد عبد الرحيم، أستاذ الجغرافيا الطبيعية في جامعة المنصورة.
يوضح عبد الرحيم في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحصار أسهم أيضاً في زيادة انعدام الأمن الغذائي في القطاع، مع تقلص مساحة وجودة الأراضي الخصبة بسبب المناطق العازلة، والتعديات العسكرية الإسرائيلية، والأضرار البيئية اللاحقة مثل تدهور جودة المياه الجوفية بسبب الملوثات، فضلاً عن تسرب مياه البحر، واستنزاف الخزان الجوفي.
في دراسة سابقة نشرت في مجلة "نيتشر"، حذر باحثون من خطورة وضع المياه الجوفية في العديد من المناطق الجافة مثل قطاع غزة، حيث تعاني طبقات المياه الجوفية بالفعل من ضغوط كبيرة نتيجة الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية، وارتفاع معدلات التلوث، وتوغل مياه البحر، ما يجعل نسبة 4٪ فقط من المياه الجوفية من طبقة المياه الجوفية الساحلية في غزة صالحة للشرب.
بدوره، يوضح أستاذ المناخ والأرصاد الجوية المتفرغ في جامعة القاهرة، محمد عيسى، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن هناك نقصاً في المياه العذبة في القطاع، وكانت 90 في المائة من المياه الجوفية في غزة غير صالحة للشرب بسبب التلوث بمياه الصرف الصحي ومياه البحر.
يشير عيسى إلى أن الاحتلال الإسرائيلي عمد إلى قصف غزة بالفوسفور الأبيض شديد الحرارة، ما خلف طبقة سامة أخرى من المواد الكيميائية في هواء وتراب القطاع، بخلاف تلك التي نتجت عن المتفجرات والأخرى.
ويلفت أستاذ المناخ إلى أن عشرات الآلاف من الجثث التي لم تُنتشل، ستتحلل تحت الأنقاض، ما ينذر بكارثة بيئية تهدد بانتشار الأمراض وفساد التربة والهواء في القطاع الذي يعاني من عدة كوارث بالفعل: "هناك مشكلة الأمن الغذائي، إذ يشكل سكان غزة الآن 80 في المائة من جميع الأشخاص الذين يواجهون المجاعة أو الجوع الكارثي في جميع أنحاء العالم"، يقول عيسى.
في تصريح إعلامي، قالت المتحدثة باسم مكتب برنامج الأغذية العالمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عبير عطيفة، إن مواصلة العدوان الإسرائيلي على غزة ستؤدي بلا شك إلى تفاقم أزمة الجوع الكارثية التي تهدد بزيادة معاناة السكان المدنيين.
وأضافت عطيفة أن برنامج الأغذية العالمي سلّم المواد الغذائية لأكثر من 250 ألف شخص في قطاع غزة، كانوا في أمسّ الحاجة إليها خلال فترة الهدنة المؤقتة، "لكن الإمدادات التي تمكن البرنامج من جلبها لم تكن كافية على الإطلاق لمعالجة مستوى الجوع الذي شاهده فريق الإغاثة في ملاجئ الأمم المتحدة".