الصحافيون في غزة واستحالة العمل: صعوبات تقنية وحركة مقيّدة

02 يوليو 2024
صحافيان يغطيان القصف في رفح، 29 فبراير 2024 (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الصحافة في غزة تواجه تحديات متزايدة بسبب العدوان الإسرائيلي، مع صعوبات تقنية وعملية تعيق التغطية الميدانية وتحديث المعلومات، بما في ذلك قطع التيار الكهربائي والإنترنت.
- الصحافيون يعانون من استهداف مباشر لمكاتبهم ومنازلهم، مما يضعهم في ظروف قاسية تشابه تلك التي يعيشها المواطنون، مؤثرةً سلباً على قدرتهم على إيصال الحقائق للعالم.
- رغم المعيقات، يستمر الصحافيون بالعمل الميداني معتمدين على شبكات إنترنت محلية وشرائح إلكترونية لإرسال المواد الصحافية، مؤكدين على أهمية مواصلة التغطية لإيصال صوت ضحايا العدوان.

تزايدت التحديات التي يواجهها الصحافيون في غزة يوماً تلو الآخر مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر التاسع توالياً، وفي مقدمتها الصعوبات التقنية والعملية التي تعطل سير التغطية الميدانية، وتعيق قدرتهم على تحديث المعلومات والبيانات بشكل مباشر. وتسبّبت الأزمات المتلاحقة والمتزايدة أمام وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية بخلق تعقيدات من شأنها إعاقة تصدير الصور والفيديوهات التي تفضح مدى بشاعة الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق المدنيين، والتي أدت على مدار أكثر من تسعة أشهر من الابادة الجماعية إلى استشهاد وفقدان أكثر من 47 ألف فلسطيني.
ومنذ اليوم الأول للعدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدأت الممارسات العدائية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني عموماً، والصحافيين تحديداً، من خلال الاستهداف المباشر للمباني والأبراج التي تضم مكاتبهم الصحافية ومقار مؤسساتهم الإعلامية، إلى جانب استهدافهم شخصياً، وقصف بيوتهم وأسرهم الآمنة.
وتوالت الأزمات التي تواجه الصحافيين من خلال القطع الكامل للتيار الكهربائي، إلى جانب قطع شبكات الانترنت، وأبراج الإرسال والاتصالات، إضافة إلى إغلاق المعابر ومنع إدخال المعدات اللازمة لعملهم، ومنع إدخال الوقود اللازم لتحركاتهم، أو حتى لتشغيل مصادر طاقة بديلة.
وقال مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة هشام زقوت إن العمل الميداني في قطاع غزة بات أمراً يفوق الوصف بالنسبة للصحافي، جراء الأزمات المتلاحقة والمتزايدة التي يعيشها مُنذ بداية الحرب الإسرائيلية التي لم تفرق بين أي شخص أو مهنة. وبيّن زقوت في حديث مع "العربي الجديد" نوعية التحديات والصعوبات التي يواجهها الصحافي، والتي تبدأ من الصعوبات الحياتية، "فهو مثل باقي سكان قطاع غزة يواجه تحديات في توفير الغذاء والماء والدواء والملبس، إلى جانب مشاكل العمل، فمع استمرار الحرب وعدم وجود مكان آمن، بات العمل الميداني صعباً ومحفوفاً بالمخاطر". وتحدّث زقوت عن التحديات العملية التي تُؤثر سلباً على سير التغطية الإعلامية، وفي مقدمتها عدم وجود مقار للعمل وعدم توفر الإنترنت بشكل مناسب. إلى جانب تعطل الكثير من المعدات والأجهزة التي باتت غير صالحة للعمل، في ظل عدم سماح الاحتلال الإسرائيلي بإدخال معدات جديدة. لكنّ الحظر الأخطر يتمثل في عدم السماح بإدخال معدات السلامة الصحافية، وهي "الأهم في هذه المرحلة".
من ناحيته، بيّن مراسل التلفزيون العربي في غزة صالح الناطور أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة بات يؤثر على الصحافيين من مختلف النواحي، وفي مقدمتها الناحية الاجتماعية والعائلية والأسرية، حيث يعيش الصحافي ما يعيشه عموم المواطنين من نقص عام في الاحتياجات الشخصية ومختلف المواد الأساسية، إضافة إلى النزوح المتواصل من منطقة إلى أخرى أملاً في الأمن والأمان. وإلى جانب انشغال عقل الصحافي بالخطر المحدق بعائلته، فإنه يعاني أزمات تعيق قدرته على إيصال حقيقة ما يجري إلى العالم أجمع، مثل انقطاع الكهرباء، وضعف الإنترنت وشبكات الاتصالات التي تعيق وصول الرسائل في الوقت المناسب، كما تُعطل التواصل بين المُراسل والقناة. ولفت الناطور إلى صعوبة توفير المقوّمات الأساسية للعمل الإعلامي، التي تعين الصحافي على المتابعة الإخبارية والتواصل مع وسيلته الإعلامية، إذ يحتاج الصحافي أو القناة للاتصال مرات عدة قبل أن ينجح في الوصول إلى الطرف الآخر. كما شدّد على أن تلك الظروف المتزامنة مع صعوبة العيش في خيام، أو حتى في الطرقات، تستنزف طاقة الصحافيين جسدياً وعقلياً.

في الوقت الحالي، يستعين الناطور بشبكات الإنترنت المحلية التي توفرها بعض النقاط العشوائية، وذلك للاستمرار في استقاء المعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن "ينعزل الصحافيون في غزة عن الأخبار المحدّثة بسبب انقطاع الإنترنت لفترات طويلة". وأوضح الناطور أن الضعف العام في شبكة الاتصالات نتيجة استهداف المباني التي تضم أبراج الإرسال دفع الصحافيين إلى التواصل مع المسؤولين عبر الإنترنت، لكن سوء الشبكة يصعب المهمة، إضافةً إلى صعوبة الوصول إلى أماكن وقوع الأحداث نتيجة عدم توفر الوقود اللازم لحركة السيارات.
ولا تختلف صعوبة العمل الميداني بين شمال قطاع غزة وجنوبه، كما أوضح المراسل الصحافي يوسف فارس. كل تفصيل صغير قد يؤثر على سير التغطية، بحسب فارس، بداية من شحن الهواتف والمعدات، مروراً بإمكانية الوصول إلى مكان الحدث في ظل انعدام المواصلات، والتكلفة المُرتفعة جداً للتحرك، التي تصل إلى مائة دولار أميركي في اليوم، ما يدفع الصحافيين للذهاب مشياً على الأقدام لمسافات طويلة قد تصل إلى 10 أو 15 كيلومتراً.
ولفت فارس في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الأزمة لا تنتهي عند الانتهاء من إجراء المقابلات والتصوير، بل تبدأ. إذ يتطلب إرسال التقرير دخول معركة شاقة ومضنية. قال: "يعتمد الصحافيون في غزة على الشرائح الإلكترونية لإرسال المواد الصحافية، والتي لا تُتيح شبكة إنترنت منتظمة طوال الوقت، ما يضطرنا أحياناً إلى الانتظار حتى ساعات منتصف الليل للتمكن من التواصل مع وسائلنا الإعلامية".

وقال فارس إن "التفاصيل التي يعيشها الصحافيون في غزة شاقة للغاية، لكنها ضريبة الرسالة التي يؤديها"، مُشدداً على ضرورة مواصلة التغطية على الرغم من مختلف المعيقات والتحديات، لأنّ "الضحايا في أسوأ الظروف يرفضون أن يُقتلوا في الظلام، وخلف السواتر، وبعيداً عن التغطية".

المساهمون