تتعرَّض الصحافيات اللبنانيات، بشكلٍ متزايد، للتهديد والابتزاز والشتائم، تحديداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة آرائهنّ أو مقالاتهن أو محتوى البرامج التي يقدمنها، وواجهت بعضهن وأسرهن ترهيباً واعتداء جسدياً.
هذه الانتهاكات التي تطاول الصحافيات أكدتها باحثة لبنان والبحرين في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش"، آية مجذوب، مشيرة في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أنها بقيت من دون مساءلة أو محاسبة من السلطات اللبنانية. واعتبرت مجذوب أن على سلطات البلاد تطوير سياسات منسّقة للتصدي للمضايقات والحملات التي تُشنّ عبر شبكة الإنترنت ضد الصحافيين والصحافيات الذين يعبّرون عن آرائهم سلمياً.
آخر هذه الانتهاكات ما واجهته الصحافية مريم سيف الدين التي قالت إنها تعرضت للترهيب وهُددت بالقتل من قبل تابعين لـ"حزب الله"، وإن اعتداءاتٍ متكررة شنت على منزل عائلتها في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. لجأت سيف الدين إلى "مخفر المريجة"، حيث صنف الاعتداء تحت خانة "العنف الأسري"، وفق ما كشفت سابقاً.
الصحافية مريم مجدولين اللحام تواجه الابتزاز والتهديدات والشتائم عبر شبكة الإنترنت، كلما نشرت تقريراً أو رأياً ينتقد المسؤولين والأحزاب في البلاد، وتحديداً "حزب الله". وقالت، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تفكيراً سائداً بأن المرأة يسهل قمعها، فكيف إذا كانت صحافية تخاطب الرأي العام؟"، مشيرةً إلى أن غالبية المسيئين لها ولزميلاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي هويتهم معروفة، لكن السلطات لا تلاحقهم ولا تحاسبهم.
الإعلامية ديما صادق تلاحقها التهديدات والشتائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تطاول أيضاً عائلتها. كما أنها تلاحق أمام القضاء اللبناني أخيراً، ومحطة "إم تي في" حيث تعمل، بجرائم "إثارة النعرات الوطنية والمذهبية" و"الحضّ على النزاع بين عناصر الأمّة" و"الإساءة المتكرِّرة لرئيس الجمهورية ميشال عون"، بعد ادعاء على خلفية الحلقة التي استبقت صادق فيها تحقيقات الأجهزة الأمنية في جريمة مقتل الناشط السياسي والمؤرخ لقمان سليم، واتهمت مباشرةً ومن دون أدلّة "حزب الله"، في فبراير/شباط الماضي.
تسريب أرقام هواتف المراسلات والإعلاميات والصحافيات من أبرز أساليب الابتزاز بحقهن في لبنان، وفق ما لفت المسؤول الإعلامي في "مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية" (سكايز)، جاد شحرور، لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى أن أي امرأة عاملة في الشأن السياسي والعام في البلاد تُمس كرامتها عند استضافتها على شاشات التلفزيون، حين تُستحضر الإيحاءات الجنسية للرد على مواقفها المعارضة أو إحراجها.
ووافقت مؤسّسة ورئيسة "منظمة إعلام للسلام" (ماب)، فانيسّا باسيل، على أن العنف الإلكتروني يطاول كل صاحب رأي معارض لكنه يوجَّه أكثر ضدّ المرأة، خصوصاً الصحافيات، لدورهنّ المؤثر في الرأي العام. وأفادت باسيل بأن العنف الإلكتروني أو الابتزاز الجنسي ضد المرأة لا يصدر فقط عن ناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو مناصري الأحزاب، بل أيضاً عن شخصيات ووجوه معروفة في مجالات مختلفة. وحذرت من ظاهرة الجيوش الإلكترونية التي تنسق هجومها وتحريضها، إذ تبدأ بإنشاء حسابات وهمية وإطلاق وسم معيّن متفق عليه، ثم تحديد توقيت نشر التغريدات وجمع معلومات وصور ومواقف منها قديمة وأحياناً مفبركة وتطاول الجانب الشخصي، هدفها تدمير مسيرة الصحافية على الصعيد المهني والمعنوي.
فانيسّا باسيل: العنف الإلكتروني يطاول كل صاحب رأي معارض لكنه يوجَّه أكثر ضدّ المرأة
وفي السياق نفسه، أسف رئيس "المركز اللبناني لحقوق الإنسان"، وديع الأسمر، لتقلّص هامش حرية الرأي والتعبير وتزايد الضغوطات التي تمارس على الصحافيات في البلاد. ولفت الأسمر، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الصحافيات يعانين أحياناً من ضغوطات وابتزاز، حتى في أماكن العمل ومن جانب إدارة المؤسسة، بسبب مواقفهن السياسية، ووصل الأمر في مرّات عدّة إلى حرمانهن من وظائفهن.
من جهة ثانية، شدد نقيب المحررين اللبنانيين، جوزيف القصيفي، على أن أي عنف أو تعرّض أو ابتزاز أو تهديد يطاول العاملين في القطاع الإعلامي "مدانٌ ومرفوضٌ"، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن النقابة "لا مسؤولية عليها لا من قريب أو بعيد على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي غير خاضعة لقانون ينظمها أو ولاية من أي سلطة". ودعا القصيفي كل صحافي أو صحافية تعرّضوا لشتى أنواع الاستهداف الشخصي أو المضايقات والتهديدات إلى إعطاء العلم والخبر، عبر اللجوء إلى النقابات المعنية والمراجع المختصة والسلطات القضائية، لملاحقة من يتعرّض لهم بتهم التشهير والذم والتهديد.
نقيب المحررين اللبنانيين: النقابة لا مسؤولية عليها لا من قريب أو بعيد على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي غير خاضعة لقانون ينظمها أو ولاية من أي سلطة
لكن عدداً كبيراً من الإعلاميين والإعلاميات فقدوا الثقة في المراجع المعنية والسلطات القضائية التي تأتمر من الأحزاب السياسية، وهو ما ظهر في حالاتٍ عدّة تحولت فيها الصحافية من ضحية إلى متهمة. لذا، نصح المدير التنفيذي لمنظمة "سمكس" للحقوق الرقمية، محمد نجم، بالانتباه دائماً من روابط التصيّد (Phishing Links)، واستخدام ميزة الحظر عبر منصات التواصل الاجتماعي.