- زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل خلال الأزمة وانتقادات لبي بي سي بسبب تغطيتها المتحيزة للحرب على غزة، تسلط الضوء على التحديات في تقديم تقارير متوازنة وغير متحيزة وتثير تساؤلات حول الدعم الدولي لإسرائيل.
- الجدل حول التغطية الإعلامية يمتد إلى استخدام اللغة والسرديات، مع انتقادات لوسائل إعلام مثل "سي أن أن" و"نيويورك تايمز" لاستخدامها مصطلحات مثل "انفجار" لوصف الهجمات، مما يبرز الحاجة إلى شفافية وموضوعية أكبر في تقارير الصراعات.
ارتكبت إسرائيل مجزرة في غزة، مساء الثلاثاء. قصفت إسرائيل المستشفى المعمداني. قتلت إسرائيل أكثر من 500 فلسطيني. القاتل واضح. المقتول واضح. معالم المجزرة واضحة. إذاً، يفترض أن تكون تغطية المذبحة واضحة، وتحديداً من قبل إعلام يتشدق طوال الوقت بمهنيته وموضوعيته. لكن الحال ليس كذلك. ببساطة، لأن القاتل إسرائيلي، والقتلى فلسطينيون.
ففيما يلملم الفلسطينيون أشلاء الشهداء، الرئيس الأميركي جو بايدن "يحط في إسرائيل وسط حرب حماس"، و"إسرائيل والمليشيات تتبادلان الاتهامات بشأن انفجار المستشفى"، و"عندما هاجمت حماس، هذا الكيبوتس الإسرائيلي قاوم وانتصر". هذه كانت العناوين العريضة أعلى صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية التي لا تتردد منذ بدء العدوان الإسرائيلي في التحريض على قتل الفلسطينيين، علماً أنها جزء من مجموعة داو جونز المملوكة لقطب الإعلام اليميني الداعم للاحتلال روبرت مردوخ.
وإن كانت هذه العناوين لا تكفي للتحريض، كتبت هيئة تحرير الصحيفة مقالاً، الأربعاء، جزمت فيه أن "تفجير المستشفى ليس في مصلحة إسرائيل"، واتهمت حركة حماس بـ"سرقة المساعدات الإنسانية" و"استغلال التعاطف الغربي لتعزيز وحشيتها"، ودعت إلى مراجعة المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين بالقول إنه "مع ارتفاع الخسائر الإنسانية، يصر بايدن على أن تسمح إسرائيل ومصر بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، وهذا أمر ضروري. ولكن لا ينبغي لأحد أن يفاجأ أين ينتهي الأمر بها".
الصحيفة نفسها كانت قد طالبت العالم بالتوقف عن إدانة "الحصار" أو "الاحتلال" الذي تفرضه إسرائيل (استخدمت المزدوجين حول هاتين الكلمتين). لماذا؟ لأن "إسرائيل تسمح لـ17 ألف شخص من سكان غزة بالعمل فيها كل يوم، وترغب في رفع هذا العدد".
أما هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) المتهمة بالانحياز إلى الاحتلال الإسرائيلي في تغطيتها عدوانه على غزة، فتحاول منح المزيد من المساحة لأصوات الفلسطينيين، لكن بما لا يقارن بما تمنحه للإسرائيليين.
قبل أيام، أعلنت منظمة Palestine Action المؤيدة للفلسطينيين مسؤوليتها عن رش مبنى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، في العاصمة لندن، بالطلاء الأحمر، احتجاجاً على تغطيتها للحرب على غزة.
كتبت المنظمة على منصة أكس (تويتر سابقاً)، السبت الماضي: "إن نشر أكاذيب الاحتلال وتلفيق الموافقة على جرائم الحرب الإسرائيلية يعني أن أيديكم ملطخة بالدماء الفلسطينية". وفي منشور ثانٍ، اتهمت المنظمة "بي بي سي" بأنها "متواطئة في الإبادة الجماعية الإسرائيلية للشعب الفلسطيني عبر تقاريرها المتحيزة".
"بي بي سي" مثلاً تواصلت مع طبيب يعمل في مستشفى المعمداني، فضّل عدم ذكر اسمه، قال إن 80 في المائة من المستشفى خرج من الخدمة، وإن المئات قتلوا أو أصيبوا في ما وصفته بـ"الانفجار". تحدثت "بي بي سي" أيضاً إلى الجراح البريطاني الفلسطيني البروفيسور غسان أبو ستة الذي كان يعمل عندما وقعت الغارة.
لا أسماء للشهداء الفلسطينيين، ولا أعمار، ولا صور، ولا تطلعات. هم فقط 500 قتيل على الأقل، "معظمهم من النساء والأطفال" (المؤسسة البريطانية استعملت المزدوجين).
في المقابل، وفي اليوم نفسه الذي استهدفت فيه إسرائيل المستشفى المعمداني، كانت "بي بي سي" قد نشرت تقريراً موسعاً عن "رهائن حماس: من هم الأشخاص الذين أُخذوا من إسرائيل؟". الأسماء موجودة، والأعمار، وكذلك الصور. وللقتلى الإسرائيليين خصصت أيضاً مساحة واسعة، وبينهم "موسيقي" و"شقيق بكر كان يحب إسرائيل"، ولو كانوا مجندين ومجندات في الجيش الإسرائيلي. كما نشرت "بي بي سي" أكثر من تقرير لنقل "مناشدات" إسرائيلية ابنتها "محتجزة" في قطاع غزة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ نشرت "بي بي سي"، الثلاثاء، قصة حول "مقاتل إسرائيلي يسير على خطى والده". تحدثت "بي بي سي" عن هذا الشاب الإسرائيلي وصوره مع أفراد أسرته "يتزلجون، أو يتسلقون شجرة برتقال، أو يلعبون كرة القدم". هذا الشاب الذي قررت "بي بي سي" نقل قصته "على وشك الانضمام" إلى القوات الإسرائيلية "لمحاربة حماس". وهو "نادم"، فهو نفسه كان مع الجيش الإسرائيلي في غزة عام 2005، و"أيد قرار رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون بسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة للسماح للفلسطينيين بحكم أنفسهم بأنفسهم"، وقال: "ما فعلناه كان خطأ. ماذا يمكنني أن أقول لهؤلاء الـ1500 شخص الذين قتلوا الأسبوع الماضي. لم يكن هذا ليحدث لو لم ننسحب". وبعد الحديث عن حبيبته التي تجلس إلى جانبه ولحيته الشقراء المشذبة، خطر للصحافي كلايف مايري سؤاله عن "أفكاره تجاه الفلسطينيين الأبرياء الذين لا علاقة لهم بهجمات حماس المروعة في الأسبوع الماضي"، وردّ: "عندما حارب الشعب البريطاني النازيين في الحرب العالمية الثانية قصفوا دريسدن وبرلين. إنه ثمن باهظ، لكنني لن أتعرض للابتزاز حتى أخسر 1500 من شعبي".
شبكة سي أن أن الأميركية أيضاً استخدمت كلمة انفجار في الإشارة إلى القصف الإسرائيلي للمستشفى المعمداني. وعلى الصفحة الأولى لموقعها الإلكتروني، مقابل عناوين مثل "انفجار مستشفى غزة يثير غضباً في وتظاهرات في الدول العربية" وكيف أن "الانفجار" يهدد الجهود الدبلوماسية الأميركية، نشرت تقريراً مصوراً عن "انبهار" المذيعة ساره سيدنر وهي تعاين مستشفى دشنه الاحتلال في مرأب تحت الأرض في تل أبيب.
هذا التقرير "المنبهر" بـ"الإنجازات الإسرائيلية" نشر في اليوم نفسه الذي قتل فيه الإسرائيليون 500 شخص داخل مستشفى، ومسحت 47 عائلة كاملة من السجل المدني جراء القصف الإسرائيلي، وفي اليوم نفسه الذي قال فيه رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية ظافر ملحم إن المستشفيات في قطاع غزة ستتوقف عن العمل خلال ساعات نتيجة نقص إمدادات الكهرباء.
مذيعة "سي أن أن" نفسها ساره سيدنر كانت قد اعتذرت بعدما نقلت على الهواء مباشرة أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمكنه تأكيد قطع رؤوس الأطفال، وقالت إنها تعرضت للتضليل. وكتبت سيدنر اعتذارها على منصة إكس (تويتر سابقاً) عقب بيان للحكومة الإسرائيلية بأنها لا تستطيع تأكيد الحادث. وذكرت في الاعتذار أن "مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قال إنه تأكد من قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال والرضع بينما كنا على الهواء مباشرة. الحكومة الإسرائيلية تقول الآن إنها لا تستطيع تأكيد قطع رؤوس الأطفال. كنت بحاجة إلى أن أكون أكثر حذراً في كلماتي، وأنا أعتذر". إضافة إلى اعتذار سيدنر الشخصي، أصدرت شبكة سي أن أن أيضاً بياناً، أفادت فيه بأن إسرائيل لم تتمكن من تأكيد هذه المزاعم، "وهو ما يتعارض مع بيان سابق". كان هذا الادعاء قد انتشر في الإعلام الغربي بعدما زعمت قناة i24 نيوز الإسرائيلية بنسختيها الإنكليزية ثم الفرنسية أنّ مقاتلي حركة حماس قتلوا 40 رضيعاً إسرائيليّاً وقطعوا رؤوس أغلبهم في مستوطنة كفار عزّة، الواقع على الحدود مع قطاع غزة، في الهجوم الذي شنه مقاومو كتائب القسام.
"نيويورك تايمز"، على صفحتها الأولى، تحدثت عن "الإسرائيليين والغزيين الذين يلومون بعضهم بعضاً على انفجار المستشفى" وعن "الجهاد الإسلامي، المجموعة المسلحة التي حملتها إسرائيل مسؤولية انفجار المستشفى، وارتباطها بحماس". التركيز على "تبادل الاتهامات" تكرر أيضاً في "واشنطن بوست" الأميركية و"لوموند" الفرنسية، وغيرهما. "ذي إندبندنت"، وعلى الصفحة الأولى لموقعها الإلكتروني، لم تذكر الضحايا الفلسطينيين إلا للتأكيد على أن إسرائيل تنكر مسؤوليتها عن قتلهم.