مهرجان طنجة السينمائي: تحكيم أجنبي وصالات جديدة... والحملات مستمرة

22 مارس 2018
فوزي بنسعيدي: 5 جوائز (الموقع الإلكتروني للمهرجان)
+ الخط -
انعقدت الدورة الـ19 لـ"المهرجان الوطني للفيلم بطنجة" بين 9 و17 مارس/آذار 2018، بمشاركة مخرجين متمرّسين، قدّموا أفلامًا جديدة لهم، بعد غيابٍ، إذْ جاء نور الدين الخماري مع "بورن آوت"، وفوزي بنسعيدي مع "وليلي"، ونبيل عيوش مع "غزية". هؤلاء مخرجون متمرّدون على "السينما النظيفة"، وأفلامهم معروضة إلى جانب "دوار البوم" لعز العرب العلوي، و"كلام الصحرا" لداود أولاد السيد. 

كانت الدورة واعدة، نظرًا إلى الأفلام الجديدة المشاركة فيها، وإلى الحيوية التي تشهدها الصالات السينمائية المغربية حاليًا. دورة تكشف المستوى في "سقف" المهرجانات المغربية. علمًا أنْ لا أخبار جديدة عن "مهرجان مراكش"، الذي تعرّض لهجومٍ مجانيّ، أدّى إلى توقّفه، عقابًا للمنتقدين، ولعشاق السينما أيضًا.
بدأ الاستعداد طيبًا، بالإعلان عن لجنة تحكيم أجنبية للأفلام الطويلة، برئاسة اللبنانية رشا السلطي؛ إذْ يفترض البعض أن لجنة تحكيم أجنبية "ربما" تكون قراراتها أكثر قبولاً من لجنة محلية. هذا سابق لجدلٍ، يلي إعلان النتائج.

بالتزامن مع تشكيل اللجنة، ظهرت ملصقات الأفلام. عادةً، تبدأ مشاكل الفيلم المغربي من الملصق، الذي يشتمل على الممثلين جميعهم، لإرضائهم. يعكس الإرضاء المنطق الوسطي لمخرجٍ لا يدفع خياراته بعيدًا. إنه معتدل ومسالم مع واقعه. أعتقد أن لقطة دالّة من الفيلم هي الملصق الأنسب، بدلاً من وجوهٍ متراصة بسبب الـ"كولاج" لا اللقطات.

كان حفل الافتتاح كوميديًا قليلاً. العروض جادّة، والنقاشات غنية، والجلسات ممتعة. لكن، كلّما كان المُسيِّر "رخوًا"، بات النقاش ساخنًا. لم يُحدِّد المُسيِّر تنظيمًا للنقاش، منذ البداية. لم تُحدَّد إجابات على أسئلة كهذه: هل سيجيب المخرج عن كلّ سؤال على حدة، أم ستطرح مجموعة من الأسئلة؟ هل سيُحدِّد مُسيِّر الجلسة توقيتًا خاصًا بكل متدخل؟ هل سيملي عليه موضوع التدخل؟ متى يتوقف النقاش؟ متى يحقّ للمُسيِّر التدخل لتوجيه النقاش؟
الأجوبة غير واضحة لدى المُسيِّر غير الحازم. هذا يخلق توترًا. عندما لا تجمع الأسئلة، يصير الحوار ثنائيًا؛ وبدلاً من أن يحدِّد المُسيِّر، في بداية كلّ جلسة نقاش، نظامًا ما لها، معلنًا محتواه، وملزمًا كلّ متدخل به؛ عندها، تقع "شوشرة"، توفر للصحف ما تكتبه.
المهمّ أنّ النقاد الشفهيين أكثر إصرارًا على إيصال وجهات نظرهم. هذا يمتِّع الحضور.
في منتصف الدورة، حصل عطب تقني في قاعة العرض، فنقلت إدارة المهرجان العروض إلى مجمَّع تجاري واسع ومضاء وبهيّ ومبهج، يحتوي على 8 قاعات سينمائية. هكذا اكتشف الحضور "طنجة الجديدة": فنادق أسطورية، ونخبة اقتصادية أنيقة ومتحرّرة، ومحطة قطار فائق السرعة قيد التجريب. فضاء حداثي بامتياز، يصنع البهجة.
تحتاج السينما إلى فضاءات حديثة. لذا، يجب تنظيم المهرجانات في أمكنة بهية. الأماكن الضيقة المزدحمة لا تمتع العين.
بعد هذا كلّه، أُعلنت نتائج المسابقة: نال الفيلم القصير "غربان"، لمعدان الغزواني، الجائزة الكبرى. كان مستوى الأفلام القصيرة أعلى تقنيًا وفنيًا. الجيل المقبل من المخرجين سيكون مختلفًا. سيأتي إلى الإخراج من الدراسة، لا من الممارسة الحرفية.
الفيلم الطويل "وليلي" لفوزي بنسعيدي حصل على 5 جوائز: الجائزة الكبرى، وجائزتا السيناريو لبنسعيدي، والموسيقى لمايك وفابيان كورتْزي، وجائزتا أول دور رجالي لمحسن مالزي، وأول دور نسائي لنادية كوندا؛ و"الجاهلية" لهشام العسري فاز بجوائز الإخراج، والصوت لباتريس مانديز، وثاني دور رجالي لحسن بديدا.
فيلمان اثنان يحصلان على 9 جوائز؟ هذا دافع للبعض إلى رفع الصوت عاليًا، والتنديد بـ"المؤامرة الفرانكوفونية"، رغم أن الفائز بالجائزة الكبرى أنشد محمود درويش على المنصة.
اتفقت لجان "النقّاد المغاربة" و"الأندية السينمائية المغربية" و"التحكيم الدولية" على الفيلم نفسه، "وليلي". لكن هذا لم يخفّف من شكاوى الانحياز، وتصفية الحسابات. وُصفت لجنة التحكيم، المرحَّب بها في بداية الدورة هذه، بأنها "فرانكوفونية". للتذكير: عام 2016، كانت لجنة التحكيم "مغربية عروبية"، برئاسة الناقد نور الدين أفاية. مع هذا، كانت الاحتجاجات على النتائج شديدة. الآن، لجنة التحكيم أجنبية، ولم يرضَ كثيرون.
سؤال: كيف تعرف المُحاوِر السفسطائي؟ إنه المعترض على نقيضين. تقول له لجنة تحكيم دولية، يردّ عليك: "أريدها محلية مغربية". حين تكون اللجنة محلية، يطالب بالخبرة الدولية. إذًا، لتكن لجنة تحكيم الدورة المقبلة "نصف محلية ونصف دولية"، أو لتكن "مستوردة من المريخ"، كما علّق البعض.

بعيدًا عن هذا الجدل الحيوي، الكاشف خلفيات عديدة، تُحلِّق في الجو فكرة أن النقد "تصفية حسابات". يفترض البعض أن لدى الناقد حسابًا مخبّأ في وسادة قديمة، وعندما يعرض المخرج فيلمًا جديدًا، يستخرج الناقد دفتره القديم لتسوية الديون المتراكمة.
حتى لو سلّمنا جدلاً بهذا؛ حتى لو كان النقاد أو أعضاء لجان التحكيم منحازين، فلا بُدّ للفيلم القوي أن ينجح، إما في المهرجانات أو في القاعات، أو يحظى بتقييم جيد لدى النقاد. إذا لم يحصل فيلم ما على أيٍّ من هذه المعايير الـ3، يجب على مخرجه أن يدقِّق في المرآة. والمخرج الذي يعتقد أن هناك مؤامرة ضد فيلمه، لن يطوِّر نفسه البتّة.
المساهمون