الدواء في السودان: أزمات متجددة ترهق المواطنين

27 نوفمبر 2021
ارتفاع حاد في أسعار الأدوية (Getty)
+ الخط -

رسم صيادلة ومختصون في ملف الدواء في السودان صورة قاتمة للأوضاع الصحية خلال الفترة المقبلة مع الارتفاع الجنوني في أسعار الأدوية وانعدامها في أوقات الغلاء، في ظل غياب تام للحكومة وتوقف استيراد الأدوية المنقذة للحياة عقب الانقلاب، الذي سبّب ايقاف محفظة الدواء التي كانت مخصصة ضمن مزاد بنك السودان المركزي.
وأسهم إغلاق ميناء "بورتسودان" شرقيّ السودان خلال الشهر الماضي في تفاقم أزمة الدواء بعد أن تظاهر محتجون على ما يصفونها بالأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في شرق السودان، وأغلقوا الطرق الرئيسية قبل أن يسمحوا بدخول الأدوية. 

وبدأت أزمة الدواء في السودان منذ يناير/ كانون الثاني 2020 عندما ألغى بنك السودان تخصيص نسبة 10% من حصيلة الصادرات غير النفطية، كانت توجه إلى استيراد الدواء. وما زالت أسعار الأدوية في السودان مرتفعة، وليست في مقدور المستهلكين، كذلك فإن الانقلاب الأخير الذي قامت به المؤسسة العسكرية أسهم كثيراً في اختفاء الأدوية المزمنة وأدوية الأمراض النفسية التي كانت تستورد عبر مزادات بنك السودان بنسبة 60%، والتي توقفت عقب الانقلاب.
وأدى قرار الحكومة بتحرير سعر الصرف إلى زيادة كبيرة في أسعار الأدوية، رغم أنها ارتفعت مسبقاً قبل تطبيق قرار التحرير، وفقاً للمتحدث باسم اللجنة التسييرية لأصحاب الصيدليات، أنس الحسين، الذي يشير إلى أن دولار الدواء كان مدعوماً من الحكومة قبل قرار تحرير الأسعار ليكون بواقع 379 جنيهاً، وهو ما انعكس على الزيادات الكبيرة في أسعار الأدوية.
وكشفت جولة "العربي الجديد" التي شملت بعض الصيدليات عن ارتفاع كبير في أسعار الأدوية المنقذة للحياة، مقارنة بالفترة الماضية، ولاحظت  ندرة حادة في بعض الأدوية الضرورية لأمراض السكري وضغط الدم، ووفقاً لإفادات بعض الصيادلة، فإن زيادات أسعار بعض الأدوية بلغت 250%، وبلغ سعر شريط الأسبرين 50 مليجراماً 800 جنيه، وبلغت جرعة الإنسولين ألف جنيه، فيما ارتفع سعر بخاخ الفانتلين 2000 جنيه.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وأوضح صيادلة أن أصنافاً من الأدوية أصبحت غير متوافرة بالإمدادات الطبية (جهاز حكومي)، ما اضطر بعض المؤسسات العلاجية الخاصة إلى شراء الأدوية الطبية من السوق السوداء بالتعاقد مع بعض تجار الشنطة القادمين من خارج البلاد.
وقال الدكتور صيدلي ياسر ميرغني لـ"العربي الجديد" إنه رغم وفرة الدواء في الوقت الراهن، إلا أن أسعاره مرتفعة جداً. وأشار إلى أن الحل يكمن في دعم التأمين الصحي والزاميته، إلى جانب الاهتمام بالرعاية الصحية الأولية وجعلها مجانية لكل المواطنين.
لكن الصيدلي ناصر حسين، في حديثه لـ "العربي الجديد"، رأى أن مسألة الدواء تفاقمت في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد الانقلاب الذي أدى بدوره إلى وقف المزادات التي كانت تُعنى أساساً بالسلع الأساسية، ومن بينها الدواء.

وأضاف أنه "رغم أن وضع الدواء مطمئن حالياً، إلا أن إيقاف المزاد الذي كان يوفر سعر الدواء عبر المحفظة سيؤثر بالطبع في ندرة الكثير من الأدوية، ولن تستطيع الشركات المستوردة الحصول على نقد أجنبي من السوق السوداء، لأنها ملزمة بقرار المحفظة التي لا تسمح بذلك".

وأكد أن إيقاف مزاد المحفظة أثر حالياً بانعدام أدوية الأمراض النفسية. أما أدوية السكري والضغط، فهي متوافرة بسبب وجود إنتاج محلي، الذي يعاني أيضاً هو الآخر من بعض المشكلات.
وقال الدكتور ناجي حسين، الذي يعمل في مجال إنتاج الأدوية، إن مشكلات صناعة الأدوية المحلية كبيرة، نتيجة عدم الاستقرار السياسي وإجراءات مجلس الأدوية والسموم المعقدة، إلى جانب مشاكل البنوك والشحن والرسوم المتعددة لمدخلات الإنتاج. 
وشرح لـ"العربي الجديد" أن الزيادات التي تحدث كل فترة في ما يتعلق بأسعار الوقود والكهرباء أدت الى تآكل رأس المال، وبالتالي أثر باستيراد المواد الخام، ما يرفع الأسعار ويربك الإمداد ووفرة الأدوية عند الطلب.
وسبق أن أعلنت وزارة الصحة السودانية في نيسان/ إبريل الماضي أن نسبة توافر الأدوية الأساسية في البلاد تبلغ 40%، الأمر الذي يعكس فجوة كبيرة قدرها 60%.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأدى إغلاق شرق السودان من قبل محتجين إلى تراجع نسبة إمداد السودان بالدواء، وأثر سلباً بالمرضى والمشافي. الدكتور الصيدلي محمد عبد القادر قال إن هنالك بعض ضعاف النفوس الذين يتاجرون بأرواح الناس ويجلبون دواءً بطرق غير رسمية يتعرض فيها لدرجات حرارة عالية، وليست عليه رقابة".

وشرح أن "معاناة المواطن تراوح ما بين الندرة والغلاء. هنالك أدوية تفقد فاعليتها بسبب سوء طريقة وصولها إلى المريض مثل أدوية القلب. أما طريقة ترحيل الدواء إلى الولايات، فهي مشكلة أخرى، إذ يُشحَن بطرق تعرضه أيضاً للحرارة وسط غياب تام للرقابة من الجهات المعنية ممثلة بإدارة الأدوية والسموم والقطاع المعني بالصيدلة في مجلس التخصصات الطبية.
وأكد أن الأسعار غير واقعية وغير ثابتة وتختلف من صيدلية إلى أخرى، كذلك توجد مشاكل في التخزين غير الجيد.
إلا أن الاقتصادي عبد الله الرمادي، قال إن الندرة والانفلات في الأسعار في قطاع الأدوية مرده إلى الانصياع لسياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، باعتبار تحرير الأسعار من الاشتراطات.
ويوجد أكثر من 26 مصنعاً في السودان لصناعة الأدوية، ثلاثة مصانع للغازات الطبيعية، واثنان للأدوية البيطرية و21 مصنع أدوية بشرية.
 ويستورد السودان سنوياً أدوية تتجاوز قيمتها 300 مليون دولار وفق إحصائيات سابقة صادرة عن المجلس القومي للأدوية والسموم، بينما تغطي الصناعة المحلية 40% فقط من حاجة السوق.

المساهمون