غياب الأمن الصحي في العراق: التهريب يهدّد صناعة الدواء

01 مارس 2023
إجراءات حكومية لتشجيع الإنتاج المحلي للأدوية (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الصناعات الدوائية في العراق تراجعا كبيرا يصل إلى درجة الشلل التام بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، بسبب الضرر الكبير الذي لحق بالمصانع الدوائية، فضلاً عن عمليات التخريب والنهب التي تعرضت لها، مما كلف البلد أموالاً طائلة لغرض الاستيراد من الخارج، مما يتطلب ضرورة دعم هذا القطاع الاقتصادي المهم. 

ما فاقم من أزمات هذه الصناعة عمليات التهريب التي زادت بصورة كبيرة، خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي يهدّد الأمن الدوائي للبلاد وفق عاملين في القطاع الحيوي. وحسب بيانات رسمية، فإن العراق يشهد استيراد كميات كبيرة من الأدوية بشكل عشوائي من الخارج، وسط ضعف الرقابة وانتشار عصابات تهريب مستفيدة من حالة الفوضى في هذا القطاع.

تهريب الأدوية
عن المخاطر التي يتعرض لها القطاع كشف نقيب الصيادلة العراقيين، مصطفى الهيتي، أن العراق يمتلك حالياً أكثر من 20 معملاً " مصنعا" لإنتاج الأدوية، لكن قسما منها غير عاملة لأسباب تتعلق بالبيئة الاستثمارية في العراق وموضوع البنى التحتية وغيرها.
وانتقد الهيتي، من خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، عدم وجود الحماية اللازمة للإنتاج الدوائي المحلي، فضلا عن غياب الأمن الدوائي الذي يمكن أن يساهم في سد الحاجة المحلية، بسبب عدم وجود دراسات فعلية وحقيقية عن حجم الاستهلاك لهذه المواد في السوق العراقية.

وأضاف الهيتي، أن السوق الدوائية في العراق تعاني من مشكلة قيام مافيات كبيرة مدعومة من أطراف سياسية بإدخال الأدوية بالطرق غير القانونية، وأن نسبة 50 بالمائة من الأدوية المستوردة تقريباً تدخل خارج الضوابط الرسمية ويتم تهريبها عن طريق منافذ حدودية غير رسمية من دون الخضوع للفحوصات اللازمة.

وأشار نقيب الصيادلة العراقيين إلى أن تطوير قطاع الصناعة الدوائية في العراق يجب أن يحظى بالدعم الكامل، للحد من عمليات الاستنزاف المتعلقة بالأدوية غير المرخصة والاستيراد العشوائي من خارج العراق.

وأوضح الهيتي أن القطاع يحتاج إلى توفير مختبرات الرقابة الدوائية، ومنح إجازات استيراد قانونية، وتسجيل الأدوية من قبل وزارة الصحة حسب الضوابط المعتمدة من أجل تأمين أدوية فعالة وآمنة وبأسعار مقبولة للمواطن.

واردات بعيدة عن الرقابة
وفي إطار السعي الحكومي من أجل رصد مشاكل قطاع الأدوية ووضع خطط لحلها، كشف رئيس الحكومة العراقية، محمد السوداني، مؤخرا، عن أن البلد ينفق نحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً لاستيراد الأدوية. ووفقا للسوداني، فإن معظم تلك الأدوية المستوردة لا تخضع إلى الفحص والرقابة، داعيا إلى ضرورة توطين وتطوير الصناعة الدوائية في البلاد.
وحسبما ورد في بيان صدر عن مكتب السوداني، فإن الأخير أكد خلال اجتماع ضم رابطة منتجي الأدوية في العراق، بحضور وزيري الصحة والصناعة، فإن الصناعات الدوائية المحلية لا تغطي سوى 10 بالمائة من الحاجة الفعلية للأدوية، وإن قطاع الصناعة الدوائية يحتاج إلى المزيد من إعادة التنظيم والحد من الاستيراد العشوائي، من أجل تحقيق أمن دوائي متكامل.

وأشار إلى أهمية صناعة الأدوية التي تعد من محركات الاقتصاد التي تسهم في توفير فرص العمل، مشددا على ضرورة توطينها وتطويرها في ظل توجّه حكومي جاد للإصلاح الاقتصادي.
من جانبه، أكد وزير الصحة العراقي، صالح الحسناوي، أن اجتماع رئيس الوزراء مع رابطة منتجي الأدوية شهد الاتفاق على تسهيل إجراءات إنشاء مصانع الأدوية وتوطينها في العراق، فضلا عن البحث في السبل الممكنة لتحقيق الأمن الدوائي.
وأضاف الحسناوي، في تصريحات للصحافيين، أن هذا الاجتماع شهد الاتفاق على جملة من النقاط التي تتعلق بالمدخلات وتطوير المصانع وتسهيل إجراءات إنشائها ودعم منتجاتها، بدءا من الاستيراد والجمارك والضرائب والتعاقدات مع وزارة الصحة. وأشار إلى أن الاجتماع القادم سيتم بحضور وزارات المالية والصحة والصناعة، لأن هناك قضايا تتعلق بالجمارك والرسوم ينبغي الحديث بشأنها، وسيتم النقاش حولها بحضور مكتب رئيس الوزراء وكذلك رابطة منتجي الأدوية.

مصانع غير كافية
يملك العراق عشرات مصانع الأدوية في القطاعين العام والخاص، وتتوزع بين المحافظات بهدف محاولة تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية للسوق المحلية، إلا أن مجموع ما تنتجه هذه المعامل يتركز على أنواع محددة من الأدوية والأدوات الطبية.
وكشف مسؤول في وزارة الصناعة العراقية، لـ"العربي الجديد"، عن أن القطاع العام يمتلك خمسة مصانع دوائية تابعة للشركة العامة للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية، منها مصنع أدوية سامراء الذي يعد من أكبر مصانع الإنتاج الدوائي في البلاد، بالإضافة إلى مصانع بابل، وبغداد والمحاليل الوريدية.

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن العراق كان رائداً في الصناعات الدوائية منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن عشرات المصانع توقفت عن العمل بشكل كامل بعد غزو العراق سنة 2003، حيث تعرّض قسم كبير منها لعمليات النهب والتخريب. وأشار المسؤول إلى أن القطاع الخاص العراقي لديه عدد من شركات الصناعة الدوائية الموزعة في عدد من المحافظات ومنها إقليم كردستان العراق، وتصنع هذه الشركات أنواعا متعددة من الأدوية إلا أنها لا تسد الحاجة الوطنية.

أرباح ضخمة
تعتبر تجارة الأدوية في العراق من أكثر أنواع التجارة تحقيقاً للأرباح، وتساهم في تحقيق أعلى قدر من الإيرادات المالية، حسبما يرى الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن، الذي شدد على أهمية دعم ومساندة قطاع الصناعة الدوائية، وضرورة فتح مجالات الاستثمار في هذا المجال.
وأكد حسن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن إنتاج الصناعة الدوائية العراقية يوفر الكثير من فرص النجاح الاقتصادي.

وشدد على أن دعم الصناعة الدوائية الوطنية خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها تعمل على دعم الناتج المحلي الإجمالي، ورفع قدرة الدخل القومي، بالإضافة إلى الأهمية التنموية الناتجة عن توفير فرص عمل لآلاف الخريجين من ذوي التخصصات العلمية والإدارية والفنية المختلفة.

وأضاف حسن، أن جلب الأدوية من دول أخرى مثل إيران وتركيا والأردن وسورية والإمارات، فتح المجال أمام الاستيراد العشوائي، وأعطى ذريعة لخروج العملة الصعبة من البلد بدوافع غسل الأموال بحجة إدخالها في عمليات الاستيراد، مبيناً أن إبقاء العملة داخل البلد بعد تعزيز الصناعة الوطنية يزيد من فرص التنمية الاقتصادية.