أسواق عشوائية للدواء في مصر... والدولار يعمّق جراح المرضى

01 مارس 2023
غلاء العلاج يرهق المرضى (فاضل سينا/Getty)
+ الخط -

تسببت الأسواق العشوائية في مصر في تسرّب أدوية مغشوشة وأخرى منتهية الصلاحية لأيدي وصحة المواطنين. ويظهر ذلك في القضايا التي تلاحقها مباحث التموين بوزارة الداخلية وهيئة الأدوية بوزارة الصحة وجهاز حماية المستهلك، أو التي يبلّغ عنها المواطنون الأجهزة المعنية.

وقبل أسابيع، كشفت هيئة الأدوية عن مئات أنواع الأدوية المغشوشة عبر موقعها الرسمي، كما تم الاعلان عن غلق عشرات المواقع والصيدليات والمصانع غير المرخصة بسبب بيع منتجات أدوية مغشوشة، ما دفع مواقع وصحف عدة للتنويه عن الأمر خوفا من تسبب الأدوية في وفاة مواطنين.

يؤكد رئيس سابق لهيئة الأدوية المصرية، رفض ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد"، أن تغيير قانون هيئة الدواء وإعادة تشكيل إدارتها من جديد، عطل دور وزارة الصحة في الرقابة على تداول الدواء في المستشفيات والصيدليات، وأتاح للمغامرين ومحترفي التهريب إدخال كميات كبيرة من الأدوية، خاصة لمرضى القلب والأورام، بعضها منتهي الصلاحية، ليحققوا من وراء ذلك أرباحا بملايين الدولارات بعيدا عن الرقابة الصحية والأمنية للدولة.

وتعاني سوق الأدوية في مصر من تفشي ظاهرة "أدوية بير السلم"، وهي المنتجات الدوائية التي يتم تصنيعها وتعبئتها بطريقة مخالفة للقانون، من دون رقابة أو ترخيص من وزارة الصحة، مما يعرض حياة المواطنين لخطر الوفاة، وزادت الظاهرة في الفترة الأخيرة مع تعثر عمليات استيراد الأدوية بسبب أزمة العملة وندرة الدولار وقفزات سعره المتواصلة.
وبسبب زيادة تلك المخاطر والأسعار يطالب عاملون في قطاع الأدوية بضرورة عودة التسعير الجبري لجميع الأدوية المحلية والمستوردة، ليظل في متناول قدرة المصريين المادية، بينما يعتبر رئيس شعبة الأدوية في الغرفة التجارية، علي عوف، في تصريحات صحافية، أن زيادة أسعار الدواء أمر حتمي مع زيادة سعر الدولار بمعدلات كبيرة.
ووسط حالة من الفوضى، لجأت شركات أدوية إلى رفع أسعار الأدوية المحلية، بنسب تتراوح بين 15 و50% في أغلب الأدوية.

واستبقت الشركات قرار الهيئة العامة للدواء التي وعدت منذ 4 أشهر بالنظر في سعر الأدوية المحلية، بعد التدهور الشديد الذي أصاب الجنيه، مع عدم قدرة الشركات على تدبير الدولار، لشراء مستلزمات الإنتاج التي تمثل 90% من قيمة تكاليف شراء المواد الخام ومستلزمات إنتاج الأدوية، في المصانع المحلية. شملت الزيادة العالية، جميع الأدوية الشعبية، لمرضى السكر والضغط والقلب والربو، بينما تقل النسبة مع أدوية القلب والدم.
ولجأت شركات المستحضرات الطبية والتوزيع للأدوية الأجنبية إلى تسعير الأدوية وفقا لسعر الدولار في السوق الموازية، بما جعل نسبة الارتفاعات اليومية متوقفة على قيمة الدولار في السوق السوداء، الذي وصل متوسط سعره خلال الأسبوعين الماضيين إلى أكثر من 31 جنيها.

يشير عضو مجلس نقابة الصيادلة جورج عطا الله، في تصريح صحافي، إلى حق الشركات في تحريك سعر الدواء إذا ما تحرك سعر الصرف في العملة إلى 15%، وفقا لقرار وزارة الصحة رقم 499 لسنة 2012. ونوه عطا الله إلى أن الارتفاع في سعر الدولار تجاوز تلك النسبة بمراحل، خلال العام الماضي، مشيرا إلى أن الزيادة في سعر الأدوية ستظل أقل من معدل سعر الصرف بكثير.

ونشطت في الأسواق شركات تتولى بيع الأدوية الأجنبية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأسعار مبالغ فيها، كما يباع الدواء الواحد لنفس الشركة المنتجة بسعر مختلف، وفقا لجهة التوريد والتسويق.

ومن جانب ثانٍ، سمحت نقابة الأطباء برفع رسوم الكشف لدى الأطباء في عياداتهم والمراكز الطبية الخاصة، بمعدلات تتراوح ما بين 25 و30% من الأسعار السائدة عام 2022. زاد رسم الكشف لدى فئة الأطباء الحاصلين على درجة بروفيسور في التخصص، من 750 إلى 1000 جنيه، والأستاذ المساعد من 600 إلى 750 جنيها.
أرجع أعضاء في نقابة الأطباء الزيادة الجديدة إلى تدني أجور الأطباء في الجهات الرسمية التي يعملون فيها، والانخفاض الشديد في قيمة الجنيه، وفقده نحو 75% من قيمته خلال 12 شهرا، وارتفاع مستلزمات التشغيل في العيادات والمستشفيات، وتكاليف الدراسات الطبية والاشتراكات في المؤتمرات العلمية التي يجب على الأطباء الانضمام إليها سنويا، لتطوير أدائهم المهني.
تتسبب الزيادة في ارتباكات حادة بمشروعات العلاج الجماعي التي تعتمد عليها أغلبية الطبقة الوسطى من أعضاء نقابات المهندسين والمحامين والصحافيين والتجاريين والتطبيقيين، الذين يعتمدون على العلاج عبر نظام تكافلي تديره النقابات المهنية، عبر عقود فردية مع الأطباء أو الجهات التي يعملون فيها.
وأدت الأزمة إلى رفع قيمة مساهمة العضو في تكاليف الكشف، وتثبيت حصته السنوية في نفقات التحليلات والأشعة والعمليات الجراحية دون زيادة، رغم ارتفاع التكلفة بما يزيد عن 100% من قيمتها عن العام الماضي. فضّل عدد كبير من الأطباء الخروج من أنظمة التكافل الطبي، للابتعاد عن المشاكل التي ترتبت عليها مع تطبيق الزيادة الجديدة في أسعار الكشف بداية فبراير/شباط الجاري.
ولجأت المؤسسات الحكومية المالكة لنظام علاجي خاص، التابعة لوزارات البترول والكهرباء والنقل والنقابات العمالية إلى تعديل نظام الدعم المخصص للعضو، للمحافظة على الحد الأقصى الوراد في مستهدفات العلاج الطبي لكل فرد، ما أدى إلى خفض المخصصات الشهرية من العلاج لأصحاب الأمراض المزمنة، ومنع الاستعانة بأية أدوية أجنبية، التي ترتفع أسعارها بمعدلات عالية بشكل دوري.

المساهمون