قبيل انطلاق فعاليات مؤتمر شرم الشيخ 2015 خرج كبار المسؤولين المصريين بتصريحات صبت كلها في اتجاه واحد، وهي أن قفزات قريبة في مؤشرات الاقتصاد المصري، وأن المؤتمر سيضع مصر على خريطة الاستثمار العالمي، وأن الحدث الاقتصادي بوابة الأمل لمستقبل مصر، وأن مشروعات عملاقة في الطريق ستغير خريطة البلاد الاستثمارية، وأن فرص عمل لملايين الشباب سيتم توفيرها، وأن مدناً عمرانية جديدة ستتم إقامتها، وأن 1.5 مليون فدان جديدة ستضاف للرقعة الزراعية للبلاد، وأنه سيتم الإعلان خلال المؤتمر عن مشروعات كبرى منها إقامة مشروع سياحي جنوب مارينا بالساحل الشمالي على مساحة 2800 فدان وبتكلفة 120 مليار جنيه، وكذا إقامة مشروع "زايد كريستال سبارك"، بمدينة الشيخ زايد، غرب القاهرة، والذي سيحوي أعلى برج في مصر، إضافة لإقامة مشروع عقاري في مدينة السادس من أكتوبر، بتكلفة 150 مليار جنيه (19.7 مليار دولار بأسعار ذلك الوقت).
ساعتها تخيل ملايين المصريين، وتحت تأثيرات حملات غسل الأدمغة الشديدة والمكثفة، أن صناديق الاستثمار الكبرى ستصفي أنشطتها في الأسواق العالمية لتتجه نحو مصر، وأن المؤسسات المالية الدولية ستتدفق على البلاد، وأن احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي سيعادل احتياطي الصين، أو على الأقل سيساوى احتياطي احدى البلدان النفطية الخليجية.
وعقب انتهاء فعاليات المؤتمر ( 13-15 مارس 2015) خرج كبار المسؤولين من رئيس حكومة ووزراء وغيرهم ليعلنوا النتائج التاريخية لقمة شرم الشيخ، فهناك صفقات تقارب الـ 200 مليار دولار ما بين استثمارات مباشرة وصفقات ومذكرات تفاهم، كما تم الاعلان عن الاتفاق على تنفيذ مشروعات في قطاع الطاقة بكلفة فاقت 60 مليار دولار، وكذا توقيع عقد بين الحكومة وشركة إعمار الإماراتية لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، بتكلفة 45 مليار دولار للمرحلة الأولى.
كما أكد المسؤولون أيضا أن حجم الصفقات في قطاع التنقيب عن الغاز لوحده تجاوز 21 مليار دولار، منها عقد مع شركة "بي بي" البريطانية بـ 12 مليار دولار، وفي مجال توليد الكهرباء وقعت الحكومة عقوداً مع الوفود المشاركة في المؤتمر بـ 16 مليار دولار، كما تم ابرام عقد مع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية بجدة بـ 3 مليارات دولار.
وخرجت الصحف الحكومية والخاصة على حد سواء بعناوين أكثر إثارة من تصريحات المسؤولين وباللون الأحمر منها، "الاقتصاد المصري على اعتاب مرحلة جديدة " و" مصر تحصد مشروعات بـ 190 مليار دولار خلال المؤتمر الاقتصادي"، " توقيع 24 مذكرة تفاهم واتفاقيات مع شركات عالمية عديدة لإقامة مشروعات لتوليد الكهرباء وإنشاء محطات توليد جديدة، باستثمارات 74 مليار دولار"، "وزارة الإسكان تبرم مذكرات تفاهم لـ 15 مشروعاً عقاريا وسياحيا بتكلفة 60.1 مليار دولار"، "الإعلان عن مشروع المركز اللوجيستي للحبوب بدمياط بتكلفة ملياري دولار"، "الاتفاق على مشروع إقامة مدينة التسوق والتجارة بمحور قناة السويس بقيمة 4 مليارات دولار".
أما في قطاع الصناعة فقيل وقتها أنه تم الاتفاق على إنشاء 15 منطقة صناعية بتكلفة تتراوح بين 500- 700 مليون دولار.
بل وشارك في التزييف مؤسسات مالية كبرى محلية وإقليمية مثل المجموعة المالية هيرمس التي خرجت مباشرة عقب انتهاء مؤتمر شرم الشيخ بتقرير تؤكد فيه أن حصيلة المؤتمر مشروعات قيمتها 182 مليار دولار، وأنه تم الاتفاق على تنفيذ مشروعات بعشرات المليارات من الدولارات.
ومر عامان وذهبت المليارات أدراج الرياح، وانتهى "الاستثناء التاريخي" كما كانت تطلق عليه الصحف، وانتظر المصريون تدفق "المن والسلوى" ومعها الرفاهية الاقتصادية ومليارات الدولارات، لكن ما حصدته مصر منذ المؤتمر وحتى نهاية العام الماضي 2016 لا يتجاوز 13 مليار دولار، وبواقع نحو 6.5 مليار دولار لكل عام، وهو رقم يقل عن حجم الاستثمارات التي جذبتها مصر في سنوات سابقة، والملفت أن أغلب الاستثمارات التي تم الإعلان عن جذبها في أخر عامين ذهبت لقطاعات التنقيب عن البترول والغاز والطاقة وإنتاج الكهرباء، وهي استثمارات تأتي البلاد سواء بمؤتمر شرم الشيخ أو بدونه.
النتيجة المؤكدة لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي 2015 هي أن مصر حصلت على قروض خليجية جديدة قيمتها 6.5 مليار دولار، والجديد في هذه القروض مشاركة سلطنة عمان لأول مرة في اقراض الحكومة المصرية بحصة 500 مليون دولار، في حين توزعت الحصص الأخرى ما بين السعودية والكويت والامارات.