كيف يتأثر الاقتصاد الأميركي بالصراع في الشرق الأوسط؟

09 أكتوبر 2024
نيران الحروب في الشرق الأوسط يصل دخانها إلى واشنطن، 7 أكتوبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تأثير أسعار النفط على الاقتصاد الأميركي: تؤدي الاضطرابات في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط، مما يزيد تكاليف الطاقة والنقل في الولايات المتحدة، ويؤدي إلى ارتفاع التضخم وتقليص هوامش الربح للشركات، رغم استقلالية الطاقة بفضل النفط الصخري.

- تقلبات الأسواق المالية والتجارة الدولية: تؤدي الأزمات في الشرق الأوسط إلى تقلبات في الأسواق المالية العالمية وتؤثر على التجارة الدولية، مما يزيد تكاليف الشحن ويؤثر سلبًا على الاقتصاد الأميركي.

- التداعيات على الشركات الأميركية والضغوط السياسية: تتأثر الشركات الأميركية العاملة في الشرق الأوسط بالصراعات، وتؤدي التوترات إلى ضغوط سياسية داخلية وزيادة الإنفاق العسكري، مما يزيد العجز الحكومي.

يتأثر الاقتصاد الأميركي بشكل مباشر وغير مباشر بالصراعات في الشرق الأوسط، وهي منطقة تعتبر من أهم المناطق الجيوسياسية والاقتصادية في العالم. وتنعكس الأزمات والتوترات العسكرية في المنطقة على الاقتصاد الأميركي من خلال عدة قنوات، تشمل التأثير على أسعار النفط العالمية، والتجارة الدولية، وتقلبات الأسواق المالية.

وبشكل عام، وفي ظل العولمة، أصبح الاقتصاد الأميركي، الأكبر في العالم، مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالتطورات في الشرق الأوسط، مما يجعل استقرار هذه المنطقة أمرًا ضروريًّا لاستقرار الاقتصاد العالمي.

فيما يلي أهم الجوانب التي يتفاعل بها الصراع في الشرق الأوسط مع الاقتصاد الأميركي.

1. تأثير أسعار النفط

النفط من أبرز النقاط التي تؤثر على الاقتصاد الأميركي في ظل الصراعات في الشرق الأوسط، حيث تمتلك المنطقة أكبر احتياطيات نفطية في العالم، ويُنتج جزء كبير من النفط العالمي من دول مثل السعودية والعراق والإمارات، ما يعني أن أي تصعيد عسكري أو سياسي في هذه الدول يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في إمدادات النفط، ويرفع من ثم الأسعار عالميًّا.

وحرب الخليج في عام 1990 من أبرز الأمثلة في هذا الخصوص، حيث أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط. وخلال تلك الفترة، ارتفعت الأسعار من 20 دولارًا إلى أكثر من 40 دولارًا للبرميل، وأثرت هذه الزيادة بشكل مباشر على الاقتصاد الأميركي والعالمي، حيث إن ارتفاع أسعار الطاقة يؤدي إلى زيادة تكاليف النقل والتصنيع، مما يعزز الضغوط التضخمية وينعكس على المستهلكين والشركات.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر استقلالية في مجال الطاقة بسبب طفرة النفط الصخري، لا تزال الأسعار العالمية للنفط تؤدي دورًا في الاقتصاد الأميركي. وفي عام 2022، على الرغم من زيادة إنتاج النفط المحلي، تأثرت أسعار النفط الأميركية بارتفاع الأسعار العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا، مما أدى إلى ارتفاع التضخم المحلي.

وعقب اندلاع الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتفعت أسعار النفط بنسبة 6% في السوق العالمية. وجاء الارتفاع المفاجئ على خلفية الخوف من انقطاع الإمدادات أو توسع الصراع ليشمل دولًا مثل إيران أو السعودية، مما يؤثر على الإنتاج.

وتلعب أسعار النفط دورًا كبيرًا في استقرار الاقتصاد الأميركي وانتعاشه، حيث يؤدي ارتفاعها إلى زيادة تكلفة الطاقة والوقود للمستهلكين والشركات، مما يرفع معدلات التضخم، التي ارتفعت في الولايات المتحدة على أساس شهري بنسبة 0.4% في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، متجاوزًا توقعات المحللين وقتها. وكان لارتفاع أسعار الطاقة حيز كبير في هذا الارتفاع. وتتأثر أيضًا الشركات الصناعية والخدمية بشكل مباشر من هذه الزيادة في تكاليف الإنتاج، مما يؤدي إلى تقليص هوامش الربح وتقليل الاستثمارات.

2. تقلبات الأسواق المالية

غالبًا ما تؤدي الأزمات في الشرق الأوسط إلى تقلبات في الأسواق المالية العالمية، بما في ذلك الأسواق الأميركية، حيث يميل المستثمرون إلى تجنب المخاطر في أوقات التوترات الجيوسياسية، مما يؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال من الأسواق الأكثر تعرضًا للمخاطر إلى الملاذات الآمنة مثل الذهب والدولار الأميركي.

وعند وقوع أحداث كبيرة في الشرق الأوسط، مثل الهجمات الإرهابية أو النزاعات العسكرية، عادة ما تشهد سوق الأسهم الأميركية انخفاضًا في الأسعار نتيجة للخوف من المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية. وبعد اندلاع الحرب في العراق عام 2003، شهدت الأسواق الأميركية تراجعًا في البداية، حيث تأثرت ثقة المستثمرين بالتوترات السياسية والاقتصادية.

3. تأثير التجارة الدولية

تنعكس الصراعات في الشرق الأوسط أيضًا على التجارة الدولية، خاصةً في مجال الشحن البحري، حيث يمثل مضيق هرمز الذي يقع بين الخليج العربي وخليج عمان، واحدًا من أهم الممرات البحرية لتصدير النفط في العالم، وتمر عبره حوالي 20% من الإمدادات النفطية العالمية. ويؤثر أي تهديد بإغلاق المضيق بسبب النزاعات العسكرية على حركة التجارة الدولية، بما في ذلك تدفق السلع بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم.

ويضاف إلى ذلك، أن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط يمكن أن تتأثر بالصراعات، وكان أبرز مثال تضرر العلاقات التجارية الأميركية مع إيران بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت نتيجة التوترات السياسية. ومسّ عدم الاستقرار السياسي والأمني الاستثمارات الأميركية في المنطقة، خاصة في قطاع الطاقة والبنية التحتية.

وتقوّض الصراعات في الشرق الأوسط سلاسل التوريد العالمية التي تعتمد كثيراً على الممرات البحرية والجوية في المنطقة. فقناة السويس، على سبيل المثال، من أهم الممرات التجارية في العالم، حيث يمر من خلالها نحو 10% من التجارة البحرية العالمية. وأي تهديد بإغلاق هذه الممرات أو تعطيلها، كما حدث خلال الحروب السابقة يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ تدفق السلع والخدمات إلى الولايات المتحدة، مما يزيد التكاليف ويؤدي إلى نقص في الأسواق.

وفي أكتوبر 2023، ازداد القلق من تعطيل حركة النقل البحري بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة والأراضي الفلسطينية، واحتمالات امتداد النزاع إلى دول أخرى. وأدى هذا إلى ارتفاع تكاليف التأمين على الشحنات البحرية بنسبة 12%، الأمر الذي أضاف أعباءً جديدة على الاقتصاد الأميركي، ورفع التكاليف على المستهلكين.

4. التداعيات على الشركات الأميركية

تعرقل الصراعات في الشرق الأوسط بشكل مباشر الشركات الأميركية متعددة الجنسيات التي تعمل في المنطقة، حيث تستثمر شركات النفط الكبرى مثل إكسون موبيل وشيفرون مليارات الدولارات في عمليات الاستخراج والتكرير في دول الخليج، ويمكن لأي توتر أو صراع أن يضر بعمليات هذه الشركات ويؤدي إلى خسائر مالية كبيرة.

إضافة إلى ذلك، تحقق شركات السلاح الأميركية، مثل لوكهيد مارتن وبوينغ، أرباحًا كبيرة من مبيعات الأسلحة لدول الشرق الأوسط. ومع ذلك، ففي حالة اندلاع نزاعات كبرى أو فرض عقوبات دولية، قد تتخلخل هذه العقود وتتوقف، مما يؤثر على أرباح هذه الشركات.

ومن ناحية أخرى، يتأثر الاقتصاد الأميركي بشكل مباشر وغير مباشر بالمقاطعة العربية والإسلامية لبعض الشركات الأميركية، وإن كان حجم ذلك يعتمد على نطاق المقاطعة ومدى انتشارها. وتأثرت شركات أميركية بعد استهدافها بالمقاطعات العربية والإسلامية من خلال انخفاض مبيعاتها في تلك الأسواق.

وتعتبر الأسواق العربية والإسلامية ذات أهمية لبعض الشركات العالمية الكبرى مثل ماكدونالدز وستاربكس وكوكاكولا، كونها تعتمد على هذه الأسواق لتحقيق جزء من إيراداتها العالمية. ووفقًا لبعض التقارير، تضررت شركات مثل نستله وبيبسي في الماضي من موجات المقاطعة في الدول الإسلامية، مما أدى إلى انخفاض في مبيعاتها، كما فقدت "ستاربكس" أكثر من 20% من قيمتها السوقية بالتزامن مع تصاعد موجات المقاطعة.

5. الضغوط السياسية الداخلية

ترتد التوترات في الشرق الأوسط أيضًا على السياسة الداخلية في الولايات المتحدة. وفي أوقات الحروب أو الأزمات الكبرى، يتعرض صانعو القرار لضغوط كبيرة للتدخل أو عدم التدخل في النزاعات. وفي كثير من الأحيان، تكون التدخلات العسكرية أو الدبلوماسية مكلفة لميزانية الحكومة الأميركية، وهو ما يثير جدلًا سياسيًّا داخليًّا حول كيفية التعامل مع هذه الأزمات.

والعام الحالي، خصصت الولايات المتحدة نحو 17.9 مليار دولار لدعم إسرائيل في حربها على غزة، شملت تمويل نظم الدفاع الجوي مثل "القبة الحديدية" و"مقلاع داود"​، وفقًا لما ذكرته جريدة ذي إندبندنت البريطانية.

ويعود هذا الإنفاق الكبير بشكل مباشر على ميزانية الدولة سلبًا، ويزيد من العجز الحكومي. ووفقًا لتقديرات وزارة الخزانة الأميركية، زاد العجز في الميزانية بنسبة 10% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023 بسبب الإنفاق العسكري والدعم الخارجي.

ومن ناحية أخرى، وسَّعت الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة لحماية مصالحها وحلفائها، وهو ما زاد من تكاليف العمليات العسكرية. وتقول "ذي إندبندنت" إن تكلفة العمليات البحرية والجوية التي أُرسلت إلى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر بعد تصاعد التوترات بلغت نحو 4.86 مليارات دولار إضافية.

المساهمون