الصين تعد خطة 4 ترليونات دولار لتخطي شراك ترامب

17 فبراير 2017
بكين من أكثر المدن حداثة وازدحاماً (Getty)
+ الخط -
ربما يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب غارقاً حتى أذنيه في قضايا إدارته وعلاقاتها المشبوهة بروسيا، ولكنه بالتأكيد لم يتناسَ موضوع تحجيم المد الصيني، رغم اللهجة الهادئة التي عبر بها عن مستقبل علاقات إدارته مع بكين خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، والمكالمة التي جرت بينه وبين الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل أسبوعين. وحسب خبراء في واشنطن، يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى تحجيم التمدد التجاري الصيني في أميركا، عبر الرسوم الجمركية المرتفعة ومحاصرتها نقدياً عبر إعلانها "دولة متلاعبة بالعملة" وزرع شكوك حول أحقيتها في عضوية منظمة التجارة العالمية

ولكن في المقابل، كيف تعد الصين لمواجهة خطط الحماية التجارية التي بدأ الرئيس دونالد ترامب في تطبيقها؟

وحققت الصين مكاسب اقتصادية كبرى خلال العقدين الماضيين، حيث اصبحت المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات التي تلت أزمة المال العالمية،  تخطى اقتصادها الولايات المتحدة بحساب معادل القوة الشرائية في العام 2014. وذلك حسب دراسة اعدتها الاقتصادية كارولين فريند الزميلة في معهد بيترسون الأميركي للاقتصاد الدولي.
ولكن باالحساب العادي، فإن الاقتصاد الأميركي يقارب ضعفي الاقتصاد الصيني، حيث بلغ حجمه في العام الماضي 2016، حوالى 18.56 ترليون دولار، مقارنة بحجم الاقتصاد الصيني المقدر بحوالى 10 ترليونات دولار.
كما أن عدد الشركات الكبرى الصينية التي تعد بين أكبر 1000 شركة في العالم، ارتفع من 41 شركة في العام 2006 إلى 136 شركة في العام 2014، من بينها 70 شركة تملكها الدولة الصينية، يضاف إلى ذلك أن البضائع الصينية غزت أسواق أوروبا وأميركا ومعظم دول العالم، لأسباب أهمها رخصها وما تحمله من تقليد جيد للماركات العالمية. كما أن المتاجر المشهورة في العالم في كل من باريس ولندن ونيويورك، وحتى بعض ماركات إيفانكا ترامب اصبحت تصنع في الصين، ثم يوضع عليها اسم المتجر. وبالتالي يلاحظ أن التمدد الصناعي والتجاري الصيني في العالم أصبح هو المهيمن وليس الدول الغربية وشركاتها كما كان قبل نهاية الحرب الباردة. ويمكن القول عملياً ومنذ أزمة المال العالمية، انتقل الثقل الصناعي من الدول الرأسمالية الغربية إلى آسيا، وتحديداً إلى الصين. 

من هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة إلى تحجيم التمدد التجاري الصيني، ربما عبر تفكيك نظم العولمة ونظم منظمة التجارة العالمية التي جعلت من الصين مركزاً للسلع والخدمات . وهي نظم يعتبر ترامب ومعسكره، أن الصين استغلتها واستفادت منها، وفي المقابل تكبد الغرب بسببها الخسائر الكبرى.
ولكنّ هنالك اتفاقاً في العديد من العواصم الغربية، على أن السبيل لتحجيم التمدد الاقتصادي للصين لن يكون مفيداً عبر المواجهة المباشرة مع بكين التي يخطط لها الرئيس ترامب منذ تدشين حملته الانتخابية، وإنما يجب أن يكون قانونياً وعبر استخدام نظم التجارة القائمة وقوانينها لمحاربة الدعم الحكومي الصيني للمنتجات والاحتيال على حقوق الملكية الفكرية وقوانين المنافسة العادلة.

من جانبها، ترى الصين أن المكاسب الاقتصادية والتجارية التي جنتها خلال العقدين الماضيين، باتت مهددة من قبل المنافسين في الغرب، حتى قبل مجيء ترامب للسلطة في أميركا. والتهديد يأتي من قبل الدورة الاقتصادية في الصين نفسها، حيث بدأت دورة البناء الصناعي الداخلي تتباطأ بعد اكتمال معظم مشاريع تحديث البنى التحتية.
وبالتالي لا بد من البحث عن بديل يضمن استمرارية النمو الاقتصادي لها ولشركاتها. فكرت بكين في خلق حلقة تجارية واسعة واسعة تسيطر عليها بشكل مباشر خلال العقود المقبلة وتتيح الفرصة لتدويل عملتها اليوان، وكذلك تنمية مؤسساتها المالية الخاصة التي ستكون بديلة للمؤسسات الدولية القائمة التي تسيطر عليها أميركا، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.

من أكبر المشاريع الاستراتيجية التي عكفت على تنفيذها الصين خلال السنوات الماضية، مشروع "الحزام والطريق"، الذي تنوي إنفاق 4 ترليونات دولار عليه خلال العقدين الجاري والمقبل.
ومشروع "الحزام والطريق" يشبه من الناحية الاقتصادية مشروع مارشال الذي أنفقت عليه الولايات المتحدة 130 مليار دولار (بحساب الدولار في العام 2015)، لإعادة بناء أوروبا الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ولكن كانت أهداف مشروع مارشال واضحة المعالم، وهي إعادة بناء أوروبا الغربية وإنعاش الصناعة الأميركية، على الصعيد الاقتصادي، وعلى الصعيد السياسي، إيقاف المد الشيوعي من روسيا ودول أوروبا الشرقية، باتجاه دول أوروبا الغربية.
أما بالنسبة لمشروع "الحزام والطريق"، فإن الأهداف الاقتصادية تبدو واضحة المعالم، أما الأهداف الجيوسياسية فغير واضحة. إذ إن مشروع "الحزام والطريق" يمتد عبر أكثر من 60 دولة، وستقوم الصين ببناء الطرق والسكك الحديدية والجسور والموانئ في هذه الدول. وعدد منها ديمقراطيات غربية في أوروبا أو دول مرتبطة بالنظام الرأسمالي الغربي في آسيا، أو دول منافسة لها مثل الهند. وبالتالي فإن هذه الدول تقع خارج مناطق نفوذها.
ولكن من الناحية الاقتصادية، فإن المشروع فكرة عبقرية، إذا تمكنت من تنفيذها كاملاً، إذ يعني المشروع أن الصين ستتمدد تلقائياً في أسواق آسيا وأوروبا والمنطقة العربية. كما أنه يساهم في إيجاد عقود لشركات البناء وصناعة الإسمنت والصلب التي أنهت عمليات التحديث الضخمة في الطرق والمواصلات والسكك الحديدية والكباري وبناء المدن.
ويلاحظ أن الاقتصاد الصيني، بعد فترة نمو تفوق 10% ووصلت في بعض الأحيان إلى 13 و15%، عاد للتباطؤ خلال العام الماضي لينمو بمعدل 6.5%.
وتعتقد الصين أن المشروع سيمكنها من خفض كلف التصدير وكذلك كلف استيراد المواد الخام، خاصة النفط، من المنطقة العربية. ولكن المشروع يواجه احتمالات العرقلة من قبل الولايات المتحدة التي تملك النفوذ الجيوسياسي في العديد من الدول التي يمر بها. كما أن جشع الحكومة الصينية في فرض شركاتها وموظفيها على المشاريع التي تنفذها في دول" الحزام والطريق"، ربما تجعل بعض تتساءل عما اذا كانت الصين تخضعها لنوع من الاستعمار الاقتصادي. 
ويمكن تلخيص أهداف "الحزام والطريق" في أربع نقاط رئيسية وهي:
أولاً: خفض نسبة اعتماد النمو الاقتصادي على الاستثمار في مشروعات البنى التحتية الداخلية. وهذا يعني أن على شركات البناء ومواد البناء الصينية أن تبحث عن عقود خارجية مع تباطؤ الاقتصاد والتوجه الجديد المرسوم للإصلاح الاقتصادي. وتتوقع الحكومة الصينية أن توفر مبادرة "الحزام والطريق" فرص عقود جديدة لشركات البناء ومصانع الحديد والإسمنت. وتشترط الحكومة الصينية الربط بين تنفيذ مشروعات الحزام والطريق في الدول التي يمر بها المشروع وبين منح عقود لشركات صينية.
وفي هذا الصدد، تشير دراسة أميركية حول القروض التي يمنحها كل من بنك الاستيراد والصادرات الصيني وبنك التنمية الصيني، إلى أن 70% من القروض التي يقدمها البنك يشتَرطُ فيها أن يُستخدمَ جزء من القرض في شراء معدات صينية واستخدام عمال صينيين وشركات صينية في تنفيذ المشروع الذي قدم له القرض.
ثانياً: تستهدف الصين من هذا الإنفاق الضخم على مشروعات "الحزام والطريق"، تدويل اليوان وجعله عملة احتياط عالمية، وذلك عبر زيادة حجم استخدامه عالمياً في تسوية الصفقات المالية والتجارة. ولهذا الغرض تستخدم الحكومة الصينية اليوان في تمويل مشروعات "الحزام والطريق" الممتدة عبر ثلاث قارات.
وقد حققت الصين نجاحات في خطوات تدويل اليوان، حيث أصبحت العملة الصينية من سلة العملات المكونة لوحدة السحب الخاصة، ولكن لا يزال الطريق طويلاً أمام اليوان ليصبح عملة احتياط دولية أو حتى عملة تسوية مقارنة بالدولار.
ثالثا: تأمين إمدادات الطاقة عبر إنشاء أنابيب نفطية تربطها مع وسط آسيا وروسيا وجنوب شرقي آسيا. ويذكر أن الطلب على الطاقة في الصين ارتفع بنسبة كبيرة خلال العقدين الأخيرين، حيث أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط.
رابعاً: مبادرة "الحزام والطريق"، واحدة من وسائل تنمية اقتصادات الدول التي يمر بها الطريق وخطوط السكك الحديدية ورفع مستويات الدخول لمواطني هذه الدول. بالتالي، يعتقد الصينيون أن ذلك سيرفع من الطلب على البضائع الصينية. وتتوقع الصين أن تفوق التجارة مع دول الحزام والطريق 2.5 ترليون دولار في العام 2025.
المساهمون