طفرة العقارات في دبي.. هل تقترب من نهايتها؟

28 يونيو 2024
برج خليفة يهيمن على أفق إمارة دبي، 22 ديسمبر 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- سجلت سوق العقارات في دبي رقماً قياسياً بقيمة 528 مليار درهم في 2023، بزيادة 20% عن 2022، مع توقعات بتباطؤ النمو وإمكانية نهاية دورة الازدهار الحالية.
- أطلقت دبي منصة رقمية لتسهيل الاستثمار العقاري للأجانب وحزمة حوافز بخمسة مليارات درهم لدعم النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية، مؤكدة على جهودها للحفاظ على مكانتها كمركز استثماري عالمي.
- يرى خبراء أن الطفرة السكانية والتسهيلات القانونية مثل الإقامة الذهبية تؤثر على سوق العقارات، مع توقع استمرار ارتفاع الأسعار بسبب زيادة الطلب والنمو السكاني، وتأثير العوامل الأمنية والعسكرية على السوق.

تتجه سوق العقارات في دبي إلى تحول سلبي، بعد تسجيل المعاملات العقارية رقماً قياسياً في عام 2023، بلغت قيمته 528 مليار درهم (143.7 مليار دولار). ووفقاً لتقرير صادر عن دائرة الأراضي والأملاك في دبي، فإن هذا الرقم يمثل زيادة بنسبة 20% مقارنة بعام 2022. ومع ذلك، تشير توقعات العام الجاري إلى احتمال تباطؤ نمو السوق في المستقبل القريب، واحتمال أن تكون سوق العقارات في دبي "على وشك الوصول إلى نهاية دورة الازدهار الحالية"، بحسب إفادة خبيرين "العربي الجديد". 

في المقابل، تستمر الإمارات في اتخاذ خطوات لتعزيز جاذبية سوق العقارات، منها إعلان هيئة الاستثمار في دبي، في إبريل/ نيسان الماضي، عن إطلاق منصة رقمية جديدة لتسهيل عملية الاستثمار العقاري للأجانب، بما في ذلك خدمات الاستشارات القانونية والمالية عبر الإنترنت.

وتأتي محفزات القطاع العقاري في دبي موازية لإطلاق حكومة الإمارة، في فبراير/ شباط الماضي، حزمة من الحوافز الاقتصادية بقيمة خمسة مليارات درهم (1.36 مليار دولار) لدعم النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك تخفيضات في رسوم الأعمال وتسهيلات للشركات الناشئة.

العقارات في دبي مؤشر منفصل

ويشير الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن سوق العقارات في كل دول العالم تمثل مؤشراً متقدماً للدورات الاقتصادية، لكن هذا المؤشر لم يعد معبراً عن الحالة الاقتصادية في دبي بشكل دقيق منذ فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008.

ويوضح عجاقة أن "فترة الأزمة المالية العالمية أعقبتها مرحلة ركود اقتصادي شديد في العام 2009، انخفضت على أثرها أسعار العقارات في دبي، ثم عادت إلى الانتعاش في عام 2011، قبل أن تتراجع مجددا في عام 2014، ولكن منذ ذلك الحين والأسعار ترتفع، وهو ما لم يعد معبراً فعلياً عن الدورات الاقتصادية في السوق الإماراتية".

ويعود انفصال مؤشر السوق العقارية عن مجمل الحالة الاقتصادية في دبي، بحسب عجاقة، إلى عوامل عدة، منها الطفرة السكانية، إذ تشهد الإمارة إقبالاً كبيراً على العمل فيها نظراً لبيئة الأعمال التي سهلت امتلاك الأجانب العقارات ومعيشتهم اليومية، إضافة إلى التسهيلات القانونية، خاصة طرح الإقامة الذهبية لـ10 سنوات في الإمارات مقابل الاستثمار العقاري بمبلغ لا يقل عن مليوني درهم إماراتي (ما يعادل حوالي 545 ألف دولار أميركي).

ويلفت عجاقة إلى أن النمو السكاني ساعد السوق على استيعاب العروض، مشيراً إلى توقعات بمشاريع إنشائية جديدة سيصل عددها بحلول العام 2029 إلى أكثر من 260 ألف منزل، وستكون مقسمة بين 80% شققاً و20% فيلات، حسب دراسات شركات استشارية متخصصة في قطاع العقارات مثل "نايت فرانك".

أما العامل الثاني في انفصال مؤشر السوق العقارية بدبي عن الحالة الاقتصادية العامة لدولة الإمارات فيتمثل، بحسب الخبير الاقتصادي ذاته، في "الإطار الذي تُبنى الفيلات فيه، إذ يجرى هذا البناء للجزر المقابلة للإمارة، ما ساعد بنسبة كبيرة في جذب المشترين للتمتع بهذا الرخاء".

ويعزز من عدم دقة المؤشر العقاري، بحسب عجاقة، أن "سوق العقارات في دبي لم تتأثر بنسبة كبيرة على الرغم مما يجري في العالم من تراجع اقتصادي نتيجة الصراعات الجيوسياسية وتعاظم الخطر في منطقة الشرق الأوسط من اندلاع حرب واسعة". ويضيف أن "المزايا التي توفرها إمارة دبي للمستثمرين في العقارات تساهم في انفصال مؤشر السوق عن حالة الاقتصاد، فشراء منزل في دبي يعني تحقيق أرباح مؤكدة حال القيام ببيعه لاحقاً، ما يدفع إلى زيادة الإقبال على شراء العقارات في الإمارة".

ويتوقع الخبير الاقتصادي استمرار تحقيق السوق العقارية في دبي ارتفاعاً كبيراً في الأسعار أكثر مما هو عليه الوضع الآن، مشيرًا إلى توقعات بـ"تخمة سكانية هائلة في الإمارة" يصل تعدادها مستقبلاً إلى 2.2 مليون مواطن ومقيم. لكن ذلك من شأنه أن يدفع مستقبلا إلى البدء بالبحث عن أماكن أخرى قد تكون أرخص من ناحية الكلفة، ما يدفع السوق العقارية للوصول إلى أعلى مستوى لها، لتعاود الانخفاض، بحسب عجاقة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن العوامل الأمنية والعسكرية في المنطقة "قد تبدل تلك المعادلة".

وإزاء النهاية المحتملة لدورة الازدهار العقاري في دبي، يرى عجاقة أن الفئة الأكثر تضرراً من ارتفاع الأسعار ستكون هي الطبقة المتوسطة، إذ "يأكل ارتفاع كهذا قدرتها الشرائية، وبالتالي قدرتها على تحصيل السكن المناسب، أما انخفاض الأسعار فيؤثر على المستثمرين بالدرجة الأولى، إذ يشترون المنازل للاستثمار وليس للسكن". 

الحلقة الرابعة 

من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي علي أحمد درويش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن سوق العقارات في دبي شهدت طفرة في المرحلة الأخيرة تمثل "الحلقة الرابعة من دورات الحركة العقارية" في الإمارات، والتي تعتمد بالأساس على المغتربين أو الاستثمار الخارجي الذي يأتي من بلدان أخرى، خاصة تلك الأوروبية.

ويضيف درويش أن "الاستثمار الخارجي في عقارات دبي توسع مؤخرا ليشمل الصين وتركيا وإيران وباكستان والهند، في إطار حركة تنطلق أولا من فكرة الأصل الثابت والمجدي والآمن، مع إمكانية بيع العقارات لاحقا بسعر أعلى، بالإضافة إلى مزية "الجنة الضرائبية" التي يبحث عنها المستثمرون في البلدان الأوروبية تحديداً، إذ يعانون في بلدانهم من الضرائب على العقارات".

وإزاء ذلك، ومع التوسع الاستثماري ليشمل أغلب الأسواق الخارجية، يتوقع مراقبون وصول سوق العقارات في دبي إلى نهاية دورة الازدهار، بحسب درويش، الذي أقر بأن "المؤشرات تفيد بأن المرحلة القادمة قد تشهد انخفاضاً نسبياً في منسوب الاستثمار العقاري في دبي، لكن مؤشرات أخرى لا تمنع من توقع اندفاعة لاحقة في هذا الاستثمار". ويوضح الخبير ذاته أن "الصيغة الاقتصادية المعتمدة في الإمارات تقوم على تبني إدارة سليمة لحالة الركود"، مشيراً إلى أن "هناك دفعا باتجاه زيادة الاستثمارات، سواء من خلال برامج أو من خلال قوانين تتضمن حكماً إعفاءات من الضرائب".

ومع وجود التشجيع على الاستثمارات في الإمارات، واعتماد اقتصادها بالأساس على السياحة وعلى الربط التجاري بين منطقة شرق آسيا، وخاصة الصين، ومنطقة الشرق الأوسط وأوروبا، يرجح درويش وصول السوق العقارية بدبي إلى ركود نسبي، لكنه يستبعد حدوث "أزمة عقارية".

ويتوقع درويش تركيز حكومة الإمارات على تشجيع الاستثمار العقاري خلال الفترة القادمة، بما يحفز المستثمرين في البلدان المتقدمة لضخ أموالهم في سوق دبي العقارية، خاصة المستثمرين من أميركا الشمالية وأوروبا وأستراليا، في ظل صيغة الضرائب الموجودة في بلدانهم، والتي تظل إحدى أهم محفزات الاتجاه للاستثمار العقاري في الإمارات.

ووفقاً لتقرير صادر عن شركة "فاليوسترات" للاستشارات العقارية في مارس/ آذار الماضي، فإن أسعار العقارات السكنية في دبي ارتفعت بنسبة 16.9% خلال عام 2023، ما جعلها واحدة من أسرع الأسواق العقارية نمواً في العالم.

وكانت حكومة دبي قد أعلنت، في يناير/ كانون الثاني الماضي، عن خطط لتوسيع نطاق برنامج التأشيرة الذهبية، ليمنح إقامة مدتها 10 سنوات للمستثمرين الذين يستثمرون ما لا يقل عن مليوني درهم (545 ألف دولار) في العقارات. لكن البيانات الرسمية لمؤسسة التنظيم العقاري في دبي أوردت أن عدد المعاملات العقارية في الربع الأول من العام الجاري (2024) انخفض بنسبة 5% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما قدم مؤشراً على بداية تباطؤ السوق. 

المساهمون