مصر: صدمة اليورو تربك حسابات الحكومة والمستثمرين

19 يوليو 2022
تأثيرات سلبية على حركة السياحة من أوروبا لمصر (Getty)
+ الخط -

انخفض اليورو في السوق المصرية لأقل من 19 جنيها، خلال أيام عيد الأضحى، ثم عاد للارتفاع التدريجي مع بداية الأسبوع الجاري، ليزيد بنحو 20 قرشا.

وكشف تذبذب سعر اليورو في السوق المصرية، عن المخاوف التي تنتاب المتعاملين مع اليورو ودول أوروبا التي تعد أكبر شريك تجاري لمصر طوال عقود.
ويخشى خبراء اقتصاد أن يتلقى اليورو ضربات أسوأ، جراء استمرار تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، التي أدت إلى ارتفاع شديد في أسعار الطاقة، مع تهديد بتوقفها تماما، بما يدخل الاتحاد الأوروبي في الركود، وتراكم ديون أعضائه، وزيادة التضخم، بما يؤدي إلى انهيار السوق الموحدة، التي تمثل بالنسبة لمصر المصدر الأول للواردات وتجارة الخدمات.

ووفق هؤلاء الخبراء فإن تراجع اليورو يمكن أن يؤثر سلبا على الاقتصاد المصري خاصة من ناحية تحويلات المصريين العاملين في أوروبا، وحجم تدفق الاستثمارات الأجنبية الأوروبية على مصر، وكذا على السياحة الأوروبية المتجهة نحو المنتجعات والشواطئ المصرية، لكن في المقابل فإن تراجع اليورو مفيد للصادرات المصرية المتجهة لدول القارة حيث يمكن أن يساعد في زيادتها.
وقد أصابت صدمة اليورو، مجتمع المال والأعمال، بحالة من القلق، وسط ارتباك شديد، ساد منذ مطلع العام الحالي. في هذا الاطار يرى الخبير في أسواق المال والاستثمار، مصطفى زايده، في تصريح لـ "العربي الجديد" أن تراجع اليورو سيستمر خلال الفترة المقبلة، مع استمرار الأسباب التي كشفت عن عجز اقتصادي وسياسي في دول اليورو.

يوضح زايده وجود ضغوط متعددة أدت إلى انخفاض اليورو، منها، الحرب في أوكرانيا، وارتفاع الفائدة على الدولار، بما دفع المستثمرين إلى الهروب إلى الدولار باعتباره الملاذ الآمن، ووسيلة حماية من التضخم، خاصة مع تأخر البنك المركزي الأوروبي في مواجهة الأزمة المالية، وعدم تحريكه لسعر الفائدة، في الوقت الذي زاد فيه التضخم بدول الاتحاد إلى نحو 8.6% الشهر الحالي.
يضيف أن انخفاض اليورو سيظهر أثره بوضوح، خلال الأشهر القادمة في شكل تراجع في حركة السياحة من أوروبا، حيث ستتجه نفقات المواطنين والدول إلى مواجهة التضخم، وخاصة مع زيادة أسعار الطاقة، التي يتوقع أن تصل إلى 4 أضعافها مع فصل الشتاء، في حالة توقف إمدادات الغاز الروسي لدول الاتحاد، الذي يعتمد على استيراد 25% من استهلاكه للغاز من أوروبا.
ويشير زايده إلى أن مصر ستشهد حالة مختلفة عن الدول الأخرى، جراء انخفاض اليورو، فهناك مستفيدون من حالة التراجع، وخاصة مستوردي السيارات ومعدات المصانع، والمنتجات الاستهلاكية تامة الإنتاج داخل أوروبا، حيث ستكون قيمة المدفوعات، أقل من قيمتها، بينما ستتراجع حصيلة الصادرات المصرية، الموجهة لدول اليورو.
ويرى أمين عام جمعية رجال الأعمال المصريين، مجد الدين المنزلاوي، في تصريح لــ "العربي الجديد" تراجع اليورو، فرصة أمام الدولة، لسداد ما عليها من قروض بتكلفة أقل من قيمتها.
وأكد أن الشركات المصرية التي تعاقدت على مشتريات باليورو، لشراء معدات صناعية أو سيارات، والجهات الحكومية التي تنفذ اتفاقات مسبقة، لشراء القمح أو القطارات والمعدات الهندسية وغيرها، ستحصل على ميزة، نسبية في الدفع، حيث تلزمها الاتفاقات بالدفع باليورو الرخيص.

ولفت المنزلاوي إلى أن الأمر لن يكون بهذه البساطة، عند التنفيذ على مستوى الصادرات والواردات، لأن الاتحاد الأوروبي لن يقف عاجزا عن حماية اليورو، وسيقوم برفع الفائدة على عملته، أسوة بالدولار، مما سيشجع على الاحتفاظ به. وأكد أن هذا الأمر يتوقف على مدى نجاح أوروبا في مواجهة الآثار السلبية للحرب.
وأعرب المنزلاوي عن خشيته من أن يتجه المستثمرون إلى ممارسة المزيد من الضغط على الدولار، الذين سيزيد الإقبال على شرائه أو عقد الصفقات من خلاله، باعتباره الأكثر ثباتا وقيمة والعملة الأقوى والأكثر طلبا، في مصر والأسواق العالمية.
وشرح تقرير لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، الآثار السلبية التي سيخلفها تراجع اليورو على الاقتصاد المصري، موضحا أن الركود سيصيب حركة السياحة من أوروبا، مع استمرار حالة الحرب، وعودة انتشار كورونا، وتوجيه المستهلكين الأوروبيين نفقاتهم إلى مواجهة الغلاء، لشراء السلع الحيوية وخاصة الوقود.
وقررت الدول الأوروبية، تحميل نسب عالية من ارتفاع فواتير الطاقة إلى المستهلكين، بما يقلل فرصة المواطنين في السياحة، وتوجيهم إلى ترشيد استهلاك الوقود في السفر، قد يصل إلى تقنين الغاز للحد من استهلاك الطاقة داخل المنازل والمجمعات الصناعية والتجارية مع استمرار زيادة تكلفة السفر بالطيران، وتقليل أعداد المسافرين، لمواجهة عودة انتشار وباء كورونا.

تظهر الأرقام أن أكثر المتضررين من أزمات الديون والتقشف الأوروبي، الذي شرعت الحكومات في تنفيذه، ستشمل تعطيلا جزئيا أو كليا لعدد من الصناعات

وحسب مراقبين سيجذب انخفاض اليورو الزائرين من مصر، للسياحة الطاردة، للتمتع بأسعار أرخص في أوروبا، أو على الأقل ستصبح سوق القارة العجوز منافسة للسياحة في دول البحر المتوسط، ومنها مصر التي ما زالت تعتمد على الدولار في تسعير خدماتها السياحية، كما تبرم معظم الصفقات الرسمية والخاصة لأوروبا وغيرها مقومة بالدولار.
يؤكد خبراء أن انخفاض اليورو، ساهم في تراجع قيمة الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي، الذي تراجع بنحو 7.2 مليارات دولار خلال 12 شهرا، وبما سيرفع الضغط على الدولار، وفاتورة الاستيراد.
ويتكون الاحتياطي الأجنبي من العملات الدولية الرئيسية، أهمها الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني واليوان الصيني بالإضافة إلى الذهب. ووفقا لحساباتها على أساس سعر الصرف لتلك العملات، بلغ الاحتياطي النقدي نهاية يونيو الماضي، 33.75 مليار دولار.
تبين إحصاءات رسمية، أن إجمالي صادرات مصر للاتحاد عام 2020، وصلت قيمتها إلى 2.4 مليار يورو، وتشمل مواد كيماوية ومنتجات زراعية ومنسوجات. وبلغت قيمة الواردات المصرية من مجموعة اليورو نحو 18.1 مليار يورو عام 2020، حسب بيانات رسمية.

يؤكد خبراء أن انخفاض اليورو، ساهم في تراجع قيمة الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي، الذي تراجع بنحو 7.2 مليارات دولار خلال 12 شهرا

وتظهر الأرقام أن أكثر المتضررين من أزمات الديون والتقشف الأوروبي، الذي شرعت الحكومات في تنفيذه، ستشمل تعطيلا جزئيا أو كليا لعدد من الصناعات، مع تقنين حصص الغاز، ستكون قطاعات النقل والطيران وتنمية المناطق الأكثر فقرا في مصر.
وواصل الاتحاد الأوروبي دعمه للنظام في مصر مع تخويفه، من حدوث انفجار سياسي، يدفع باتجاه هجرة المصريين، إلى أوروبا على غرار ما حدث في سورية. ومنح الاتحاد مصر 500 مليون يورو، خلال الفترة من 2017 إلى 2021، لتلاحق الدولة المتسللين إلى أوروبا، كما حصلت على منحة أخرى قيمتها 60 مليون يورو، لدعم المحافظات التي يسافر منها المصريون في رحلات الهجرة غير الشرعية. وقدم الاتحاد 1.7 مليار دولار عام 2021، منها 68 مليون دولار، منحة لا ترد، لتمويل الصرف الصحي والمياه والغاز لنحو 2.4 مليون منزل، ودعم المواطنين في مشروع "حياة كريمة".

وأعد الاتحاد في 21 يونيو/ حزيران الماضي، وثيقة أولويات مشاركة لدعم الاقتصاد المصري، بنحو 1.3 مليار يورو، لتطوير معامل البترول وقطاع الطاقة ومشروعات الري والصرف، بالإضافة إلى منحة قدرها 240 مليون يورو لدعم مشروعات الاقتصاد الأخضر، مع 89 مليون يورو أخرى، لتعزيز قدرات مصر في مواجهة تداعيات كورونا.

يخشى خبراء أن تتسبب أزمة اليورو في تأجيل تنفيذ الاتحاد لهذه المساعدات، المقرر تمويلها العام الحالي، حتى عام 2024، لا سيما أن العديد من أعضائه طلبوا إعادة العمل بمحطات الفحم، وتوجيه استثمارات الاقتصاد الأخضر، لدعم أسعار الطاقة.

المساهمون