تسيطر مشاهد دمار المنازل والوحدات السكنية والطرق والبنية التحتية على الملامح العامة لكافة مناطق قطاع غزة، وتحديداً مدينة غزة التي تعتبر القلب التجاري والاقتصادي والمركز الحكومي في القطاع. فقد استهدف العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استمر 11 يوماً، بشكل أساسي، البنية التحتية والاقتصادية إلى جانب المساكن.
إذ لا تقتصر نتائج العدوان الإسرائيلي على الأضرار المباشرة التي لحقت بالأبراج السكنية التي طاولها القصف إلى جانب الطرق والشوارع، بل تشمل المنازل والأبراج الملاصقة والتي تضررت نظراً لحجم القصف الصاروخي والمدفعي الذي كان ينفذه الاحتلال.
ولم تسلم شبكات الصرف الصحي والمياه من الاستهداف الإسرائيلي، إذ تعمد الاحتلال قصفها بشكل مباشر ما تسبب في تراكم كميات المياه جراء تدمير الشبكات في بعضها، عدا عن انقطاع المياه عن الكثير من المنازل والأحياء لأيام طويلة نتيجة العدوان الواسع وانقطاع الكهرباء لنحو 20 ساعة يومياً.
أما شبكات التيار الكهربائي الداخلية فعانت هي الأخرى نظراً للقصف الإسرائيلي العنيف لمختلف المناطق، ما تسبب في عدم وصولها إلى أحياء ومنازل حيوية مثل حي الرمال الذي كان مركزاً للقصف، فيما كانت الأسلاك والتمديدات تتناثر بين الطرق والشوارع.
وطاول العدوان الإسرائيلي أيضاً قطاعات اقتصادية مثل المصانع والمنشآت التجارية والمحال، عدا عن تضرر قطاعات مثل الزراعة والدواجن نتيجة للاستهداف العشوائي الذي طاول مختلف جوانب الحياة على مدار أيام العدوان الذي يوصف بأنه الأعنف في تاريخ الحروب مع غزة.
كما ركز الاحتلال في قصفه على استهداف المنطقة الصناعية الواقعة شرقي مدينة غزة عبر قصف طائراته الحربية ومدفعيته لعدد من المصانع، ما تسبب في أضرار ضخمة للغاية وتلف كامل واشتعال للحرائق لساعات طويلة نظراً لوجود مواد بلاستيكية وأخرى سريعة الاحتراق. ويقول وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان المهندس ناجي سرحان إن التقديرات الأولية لحجم الخسائر الناجمة عن قصف الأبراج والوحدات السكنية تقدر مبلغ 150 مليون دولار كحصيلة أولية للعدوان الإسرائيلي فيما لم تنته عملية الإحصاء بشكل نهائي.
ويوضح سرحان لـ "العربي الجديد" أنه في مجال الوحدات السكنية فقد تدمرت 2000 وحدة سكنية بشكل كامل عدا عن تعرض 15 ألف وحدة سكنية للضرر بشكل جزئي ومتوسط، فيما يوجد الكثير من المناطق التي لم يتم رصدها كونها مناطق حدودية.
ويرجح المسؤول الحكومي أن يتم الانتهاء من عملية إعادة إعمار القطاع خلال مدة لا تزيد عن عام واحد حال تم توفير الأموال اللازمة لإتمام عملية إعادة الإعمار هذه، إذ يحتاج القطاع لمبلغ 350 مليون دولار لإنجاز ما تم تدميره في العدوان الأخير وما تبقى من عدوان العام 2014.
ويحتاج القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ 15 عاماً إلى توفير 100 ألف وحدة سكنية لمعالجة التكدس السكاني الحاصل من الزيادة المتسارعة في صفوف السكان، والذين تجاوزت أعدادهم 2.2 مليون نسمة يعيشون على مساحة إجمالية لا تزيد عن 365 كيلومتراً. ويشدد وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان على رفض آلية إعادة إعمار غزة التي كانت سائدة عام 2014، نظراً للتحكم الإسرائيلي بها وتأخير عملية بناء المنازل والمنشآت التي تضررت والأضرار التي تكبدها المواطنون والعاملون في قطاع الإنشاءات جراء هذه الآلية.
ونجم عن العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 خسائر اقتصادية بقيمة 500 مليون دولار لم يتم تعويض سوى 7 في المائة فقط منها، وسط تخوفات من تكرار ذات الأمر مع المنشآت والقطاعات الاقتصادية التي تضررت في جولة العدوان الأخيرة على القطاع.
ووفقاً لتقديرات اقتصادية أولية، فإن معدل البطالة العام في القطاع الذي كان قبل العدوان الإسرائيلي يبلغ 49 في المائة سيشهد ارتفاعاً أولياً خلال الفترة الأولى لما بعد العدوان الإسرائيلي ليصل إلى قرابة 70 في المائة كون الكثير من الأيدي العاملة تعمل بأجور يومية.
ويقول الناطق باسم وزارة الزراعة في غزة المهندس أدهم البسيوني لـ "العربي الجديد"، إن الأضرار والخسائر التي تكبدها القطاع الزراعي في القطاع على مدار أيام العدوان الإسرائيلي تبلغ في قيمتها الأولية 32 مليون دولار أميركي. ويوضح البسيوني أن الاحتلال قصف بشكل مباشر وبشكل متعمد أحد مصانع الأعلاف المحلية ومخزنا للأعلاف مما أدى إلى تدمير المصنع والمخزن بشكل كلي، عدا عن استهدافات أخرى تعرضت لها الأراضي الزراعية ومخازن الإنتاج الزراعي في غزة.
وبحسب الناطق باسم وزارة الزراعة، فإن قطاعات كثيرة عانت بفعل العدوان الإسرائيلي على الصعيد الزراعي، إذ قام مربو الأبقار بإتلاف أكثر من 30 ألف لتر من الحليب، وذلك لعدم القدرة على تسويق هذه الكميات أو استخدامها بمعاملات التصنيع.
وبشأن الأضرار، فقد تمثلت الأضرار في تلف مباشر للأراضي المزروعة بالخضراوات والفواكه وتدمير كلي وجزئي للمنشآت الزراعية والبنية التحتية الزراعية، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بحقول القمح ومزارع تربية الدواجن ومزارع الأبقار، وعدم تمكن المزارعين من الوصول لممارسة عملياتهم الزراعية وتسويق منتجاتهم، وفقاً للناطق باسم وزارة الزراعة. ف
ي موازاة ذلك، يرى مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية في غزة، الخبير الاقتصادي، ماهر الطباع، أن الاقتصاد الفلسطيني تنتظره أوضاع صعبة جداً نظراً للتركيز الإسرائيلي على استهداف البنية التحتية الخاصة بعصب الحياة اليومية للسكان وتحديداً المتعلقة بالطرق والشوارع.
ويقول الطباع لـ"العربي الجديد" إن الاستهداف الإسرائيلي أدى لدمار عشرات الكيلومترات من الشوارع، فضلاً عن تدمير كبير للبنية التحتية تسبب في إتلاف شبكات الصرف الصحي وشبكات الكهرباء والاتصالات والإنترنت وشبكات المياه الواصلة إلى المنازل والأحياء. ويؤكد المسؤول في الغرفة التجارية أن إصلاح البنية التحتية سيكون مكلفاً نظراً لآثار التدمير على المؤسسات العامة والخاصة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، مع الأخذ بعين الاعتبار تدمير الاحتلال لقرابة 15 مصنعاً في المنطقة الصناعية شرقي غزة.
ويرفع العدوان الأخير الأعباء على الاقتصاد المأزوم في القطاع، وفق الطباع، ومن المتوقع أن يعزز معدلات الفقر والبطالة المرتفعة بالأساس، وهو ما يتطلب تدخلات عاجلة لتنفيذ عملية إعمار واسعة النطاق.