عمر شعبان: الدعم العربي للسلطة الفلسطينية مزاجي ومتذبذب

أجراها

علاء الحلو

avata
علاء الحلو
23 مارس 2022
عمر شعبان: بالأرقام... هكذا تحصل السلطة الفلسطينية عن ميزانيتها
+ الخط -

أكد مؤسس ومدير مؤسسة "بال ثينك" للدراسات الإستراتيجية في فلسطين والخبير الاقتصادي، عمر شعبان، في مقابلة مع "العربي الجديد" أنّ الواقع الاقتصادي في فلسطين يشهد مزيداً من التدهور، في ظل تلاحق الأزمات عالمياً وتراجع الدعم العربي.

وقال إن السلطة الفلسطينية لا زالت ترصد أكثر من 30% من موازنتها للأمن، وما لا يزيد عن 6% فقط لدعم التعليم والصحة، بشكل منفصل، وأقل بكثير للثقافة، كذلك تذهب 30% من إيرادات حكومة غزة التي تديرها حركة حماس، إلى الأمن وهذا خلل بنيوي في توزيع الموارد.

وفيما يلي نص الحوار:

- كيف تصف واقع الاقتصاد الفلسطيني حالياً؟
لا شك أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني من مشكلة أساسية وهي الاحتلال الإسرائيلي، حيث لا تتمتع السلطة الفلسطينية حسب اتفاق أوسلو السياسي، وبروتوكول باريس الاقتصادي، بالسيادة على الموارد، ولا على المعابر، ولا القدرة المستقلة على تحقيق الموارد. وتسيطر السلطة الفلسطينية بشكل كامل على المناطق A وبشكل مشترك مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي على المناطق B، وليس لها أي تواجد بالمعنى السيادي في المناطق C، والتي تمثل نحو 62% من أراضي السلطة الفلسطينية، على الرغم من أنها تعتبر المخزون الغذائي والاقتصادي للأراضي الفلسطينية، حيث تضم آبار المياه، ومساحات الزراعة، ولا تتمكن السلطة الفلسطينية من جمع الضرائب أو تنفيذ مشاريع استراتيجية فيها.

- وماذا عن أبرز التحديات الاقتصادية داخليا وخارجياً؟
هناك عدة معوقات أساسية تواجه الاقتصاد الفلسطيني علاوة على الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمتها انخفاض الدعم الدولي، بعد أن كان ملياراً و200 مليون دولار، سنويًا في العام 2008، وبدأ يتراجع بشكل حاد منذ عام 2013، إلى أن وصل في العام الحالي 2022، وفق تصريح وزير المالية الفلسطيني إلى نسبة لا تزيد على 20% مقارنة مع السابق، مما خلق فجوة في موازنة المشروعات التطويرية، والمصروفات النثرية، إلى جانب حجز إسرائيل لأموال المقاصة من وقت لآخر.

وامتنعت سلطات الاحتلال عن إرجاع ضرائب المقاصة للسلطة الفلسطينية لعدة أشهر، وأفرجت عنها جزئيًا في شهري مايو/ أيار وسبتمبر/ أيلول الماضي، ولا زالت السلطة تعاني من أزمة مالية بسبب عدم تحويل أموال المقاصة في موعدها وبشكل كامل.

كذلك أثرت أزمة كورونا التي بدأت قبل عامين، بشكل كبير على جانبين، تمثل الأول في تقليل الإيرادات بسبب التدهور الذي حصل للقطاع الخاص والحركة التجارية والتصدير، وفي جانب آخر زيادة النفقات، في ما يتعلق بالواجبات الصحية، وقد شكلت سيفًا مسلطًا على رقبة الاقتصاد الفلسطيني، إلى جانب الانقسام الفلسطيني الذي شكل عاملا تدميريا للاقتصاد الفلسطيني.

- ما هي أسباب تراجع الصادرات الفلسطينية مؤخرًا؟
الاقتصاد الفلسطيني صغير ومحدود، والموازنة الفلسطينية دائمًا تعاني من عجز كبير، معظم الصادرات الفلسطينية تذهب إلى إسرائيل، وقد انخفضت من 300 مليون دولار إلى أقل من 100 مليون دولار هذا العام، ولا يمكن تبرير ذلك بالإجراءات الإسرائيلية، برغم الحصار الذي أفقر قطاع غزة، وأخرجه من دائرة الإنتاج إلى دائرة الإغاثة والإعانة، إذ إن هناك أسبابا داخلية، لأن الصادرات الفلسطينية لا تتلقى الدعم الكافي من الحكومة، فيما لا يقدم القطاع المصرفي البرامج الكافية لدعم الصناعة والزراعة المحليتين.

- ولماذا تراجع الدعم المالي بشكل حاد للسلطة الفلسطينية؟
المجتمع الدولي لا يمكنه دعم إقليم معين إلى الأبد، ونحن كنا قد حذرنا من ذلك مرات عديدة، فالاتحاد الأوروبي يدعم السلطة منذ 30 عامًا، ولم يعد المجتمع الدولي ثريًا كما كان من قبل، إلى جانب مشكلات أخرى برزت إلى السطح، مثل أزمة كورونا وحالة التضخم والركود بسبب مشاكل اللاجئين، والحرب في سورية والعراق، والتي دفعت بعشرات الملايين من هذه الدول للهجرة إلى دول أوروبية، مما خلق أزمات أخرى، أثقلت على الموازنات الدولية، وبالتالي لم يعد التمويل للسلطة هو الأولوية الأولى.

كما قللت أزمات البطالة والتطرف واتباع التوجهات اليمينية والعنصرية في دول أوروبا، من حجم التأييد الدولي السياسي والمالي للسلطة، فيما تعزف بعض الدول الأوروبية عن دعم السلطة في ظل غياب المسار السياسي والمصالحة الفلسطينية والعملية السياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويقولون إنهم لا يمكن أن يواصلوا دعم السلطة في ظل توقف العملية السياسية.

- تقابل بين الفينة والأخرى مسؤولين أوروبيين وسفراء، ماذا يقولون عن الواقع الاقتصادي وحصار غزة والتضييق على السلطة، هل من تحرك قريب لهم أم يأتون فقط للاستماع للواقع دون أي تغيير؟
يمكن تلخيص الموقف الدولي في ثلاثة محاور أساسية، الأول المجتمع الدولي ملتزم بحل الدولتين، وبالحفاظ على السلطة الفلسطينية ودعمها، ثانيًا المجتمع الدولي يصاب بالحيرة والارتباك أمام حالة الانقسام الفلسطيني، معظم القوى الدولية تدعم المصالحة الفلسطينية، وتريد أن ترى قطاع غزة جزءا من المنظومة السياسية الفلسطينية، ثالثا يربط المجتمع الدولي معوناته بالعملية الديمقراطية، وقد طلبت العديد من الدول الأوروبية من السلطة الفلسطينية إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.

- كيف أثر الحصار المالي على واقع السلطة وعلى حياة الفلسطينيين؟
هناك مؤشرات سلبية كبيرة، تمثلت في ارتفاع نسب الفقر والبطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث لا تستطيع السلطة الفلسطينية منذ فترة دفع كامل الرواتب لموظفيها وعددهم قرابة 150 ألف موظف، يتم صرف نسبة 80% من رواتبهم، إلى جانب عدم صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية للفئات الأكثر فقرًا، ويبلغ عددهم نحو 132 ألف عائلة من بينهم 85 ألف أسرة في قطاع غزة وحده، وهي مخصصات متواضعة جدًا تتراوح بين 700 إلى 1500 شيكل كل ثلاثة أشهر، فيما تعيش هذه الأسر أزمة مالية وإنسانية طاحنة، وقد كان الاتحاد الأوروبي يساهم بنحو 40% من هذه المخصصات، والباقي على السلطة الفلسطينية، إلا أن أزمتها المالية لم تمكنها من دفع مخصصات الفقراء سوى لمرة واحدة في عام 2021.
علاوة على مُساهمة الحصار المالي بتراجع المشروعات التنموية وبناء المدارس وفي دعم المؤسسات الخاصة بتطوير التعليم والصحة، كذلك هناك ديون كبيرة بمليارات الشواكل على السلطة للقطاع الخاص ولشركات توريد الأدوية ولشركات المقاولات، ولصندوق التقاعد. (الدولار يساوي 3.20 شواكل).

ـ ما هي أبرز المحطات التي أثرت في الدعم الأجنبي لفلسطين؟ بمعنى ماذا يريد الغرب من فلسطين كي يتواصل الدعم ويعود إلى سابق عهده؟
الدعم الأوروبي هو الأكثر استدامة، ويخلو من الشروط السياسية، حيث تساهم أوروبا بنسبة 300 إلى 400 مليون يورو للسلطة الوطنية منذ تأسيسها.

وعلى الرغم من بعض الاشتراطات مثل تطوير المناهج أو تعديلها، إلا أن الدعم الأوروبي لا يمكن أن يتوقف كما حصل مع الدعم الأميركي، الذي لم يوجه يومًا للسلطة، وإنما يتم تمريره من خلال مؤسسات تنموية أميركية عاملة في الأراضي الفلسطينية، حيث توقف بشكل كامل، حين توجه الرئيس الفلسطيني للحصول على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، أما في ما يتعلق بالدعم العربي فهو دعم مزاجي ومتذبذب، إذ يوجد دعم مستدام ولا يرتبط بشروط سياسية، وهناك دعم آخر مرتبط بشروط سياسية، خاصة من بعض الدول التي قامت بالتطبيع مع الاحتلال.

- كيف تقرأ مستقبل الدعم الدولي المالي لفلسطين، خاصة في ظل المعطيات الحالية، ومستجدات السياسة العالمية، وتحديدا بعد حرب روسيا وأوكرانيا؟
الدعم الدولي لفلسطين ليس مستداما، العالم ينسى ويعيش أزمات متجددة، أزمة كورونا ثم أوكرانيا، وتم رصد عدة مليارات مع الأيام الأولى للحرب، الأزمة الآن في وسط أوروبا، تدق أبواب دول أوروبية، مثل بولندا ورومانيا اللتين استقبلتا نحو 2.5 مليون أوكراني بعد ثلاثة أسابيع من الحرب فقط، ويتوقع أن يزيد العدد.


- لماذا يركز كثيرون على دعم الرواتب وقطاعات معينة كالأمن ويغفلون قطاع التنمية وهو من أهم ركائز الاقتصاد؟
السلطة الفلسطينية لا زالت ترصد أكثر من 30% من موازنتها للأمن، وما لا يزيد عن 6% فقط لدعم التعليم والصحة، بشكل منفصل، وأقل بكثير للثقافة، كذلك تذهب 30% من إيرادات حكومة غزة التي تديرها حركة حماس، إلى الأمن وهذا خلل بنيوي في توزيع الموارد، ومن الضروري العمل على كافة الأصعدة لتحقيق المجتمع الآمن، وعدم التركيز بنسبة كبيرة مع مفهوم الأمن المُجرد.

ـ هل سيبقى واقع غزة على ما هو عليه من حصار وتراجع في كل مناحي الحياة للأبد، أم أنّ هناك بارقة أمل؟
للأسف على المدى المنظور نعم، طالما لا توجد مصالحة فلسطينية، ولا انتخابات، لا يتوقع أن يتغير واقع قطاع غزة بشكل استراتيجي، وستبقى سياسة الاحتلال مع قطاع غزة كما كانت تصفه بأنه الغريق الذي لا يغرق، وسيظل رأسه فقط خارج الماء، في تصوير للواقع الذي يبقي الغريق بدون غرق من خلال بعض المعونات التي تخلق حالة من الاستقرار الهش، حيث شهدنا بعد الحرب الأخيرة بعض الإجراءات التخفيفية من الجانب الإسرائيلي، ومنها السماح بدخول نحو 12 ألف عامل للعمل في الأراضي المُحتلة، ودخول بعض المواد الخام اللازمة لإعادة الإعمار، والسماح للصادرات.

صحيح أن الإجراءات لها تأثير إيجابي نوعًا ما، لكنها لا تشكل رافعة حقيقية للاقتصاد في قطاع غزة، المجتمع الغربي بشكل كامل لا يرى مخرجًا من قطاع غزة سوى بالمصالحة الفلسطينية، لأن المجتمع الدولي ليست له علاقة بالحكومة الموجودة في قطاع غزة، ولا يتعامل معها وفق شروط الرباعية الدولية، لذلك لا بد من تحقق المصالحة وإجراء الانتخابات الفلسطينية.

ذات صلة

الصورة
أطفال ينتظرون في الطابور للحصول على طعام في دير البلح، 28 مايو 2024(الأناضول)

مجتمع

أطلقت أكثر من مئة منظمة مجتمع مدني ونقابة فلسطينية، اليوم الأربعاء، نداء عاجلاً للمطالبة بإعلان غزة منطقة منكوبة بالمجاعة والتلوث البيئي وانتشار الأمراض.
الصورة
شحادة الخطيب .. فلسطيني من ذوي الإعاقة (عبد الحكيم أبو رياش)

مجتمع

لم تمنع الإعاقة الحركية الفلسطيني شحادة الخطيب من مُحاولة التأثير في مُحيطه ومجتمعه، من خلال مُبادرته الفردية التي أخذ على عاتقه فيها تعليم الطلبة من الأسر الفقيرة والمُتعففة مجاناً.
الصورة
قرية العراقيب (العربي الجديد)

مجتمع

هدمت وجرفت السلطات الإسرائيلية صباح اليوم، قرية العراقيب، مسلوبة الاعتراف في النقب، للمرة 212. وتهدم القرية منذ عام 2010، ويمتاز أهل العراقيب بصمودهم وعدم تنازلهم عن الأرض.
الصورة
الأبنية التراثية الفلسطينية

منوعات

يُركز أصحاب مشروع "نمذجة الآثار التاريخية والمعمارية المُميزة للمُدن الفلسطينية المُحتلة"، على تجسيد المباني التي تتعرّض للتهديد والخطر من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، سواء بالهدم أو الاندثار
المساهمون