ضربات واشنطن لا تُعطّل ماكينة تنظيم داعش

18 فبراير 2015
يسيطر التنظيم على مساحات زارعية شاسعة بالعراق (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -


لا يبدو تنظيم الدولة الإسلامية مكترثاً بقرار مجلس الأمن الدولي، الذي صدر الأسبوع الماضي، بهدف تجفيف موارده المالية وقطع طرق حصوله على الأموال، ضمن مساعي تضييق الخناق على التنظيم وإضعافه.

 إذ إن أحد الأسباب التي جعلت تنظيم داعش يحظى باهتمام العالم هو ثروته الكبيرة، فهو يجمع عشرات الملايين من الدولارات شهريًا من خلال بيع النفط المسروق، وفرض دفع فدى على

ضحايا الخطف، وإلى حد أقل تلقيه تبرعات من داعمين له من خارج سورية والعراق.

ولهذا لا تنظر الولايات المتحدة والغرب إلى تنظيم الدولة الإسلامية بذات الطريقة التي تنظر بها إلى تنظيم القاعدة أو التنظيمات الأخرى، من حيث القدرات الاقتصادية أو مصادر التمويل. فتنظيم داعش لديه اقتصاد دولة بالفعل، ولا يلجأ إلى التخفي كما تفعل التنظيمات المسلحة الصغيرة.

ويعتبر عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، أحمد عبيد، عقوبات مجلس الأمن غير فاعلة، لكونها تركز على الجانب التنظيمي والإداري في محيط العراق وسورية الخارجي. من دون الاكتراث بموارد التنظيم الداخلية.

ويسيطر التنظيم، على نحو 48% من مساحة العراق، بالإضافة إلى 35% من مساحة سورية. وتصل إجمالي المساحة التي يسيطر عليها في البلدين لنحو 277 ألف كيلومتر مربع، أي ما يزيد على ثلاثة أضعاف مساحة دولة بحجم الأردن.

ويضيف عبيد لـ "العربي الجديد" أن "الأمر أكبر بكثير من فرض عقوبات، إذ إن داعش وصل إلى مرحلة الاكتفاء أو التمويل الذاتي، ويبدو أنه يتوقع تلك الخطوة منذ أشهر".
ويقترح عبيد معالجة عسكرية لا مالية أو قانونية للموضوع من خلال ضرب مصادر تمويله جوا".

إلا أن الاقتراح هذا لاقى اعتراضا كبيرا من قبل مفوضية حقوق الإنسان العراقية، التي عدته غير مجدٍ، وسيتسبب بتجويع مئات الآلاف من العراقيين.

ويقول عضو المفوضية، محمد العلواني لـ "العربي الجديد"، إن تدمير المصانع والحقول الزراعية وقطع التعامل مع التجارة بين مناطق سيطرة الدولة وتلك التي تسيطر عليها داعش يعني تجويع مئات الآلاف من العراقيين ممن يسكنون في تلك المناطق، ويجب البحث عن طريقة أخرى لجعل داعش في ضائقة مالية غير سياسية حرق الأرض الشاملة التي ينادي بها بعضهم.

ويردد المسؤولون الأميركيون دوماً أن استراتيجية الحطّ من قدرة تنظيم داعش ودحره ماليا تتألف من ثلاثة عناصر متشابكة: العنصر الأول، هو قطع مصادر عائدات تنظيم داعش لحرمانه من المال، والثاني هو الحد مما يمكن أن يقوم به تنظيم داعش بالأموال التي نجح حتى الآن في جمعها من خلال تقييد قدرته على الوصول إلى النظام المالي الدولي. أما العنصر الثالث فهو الاستمرار في فرض عقوبات على الذين يسهلون أموره المالية لتقويض قدرته على العمل وتخويف هؤلاء من عواقب تسهيل أعمال داعش ماليا.

إلا أن المسؤولين الأميركيين والغربيين يدركون أن الأدوات المالية وحدها لن تهزم تنظيم داعش. إذ إن ما يجنيه التنظيم من ثروات مصدرها الأساسي السكان القاطنون في المدن والأراضي الشاسعة التي يسيطر عليها داعش وتمنحه قدرات دولة بالفعل.

 ومن أجل القضاء على مصدر تمويل مثل هذا ينبغي شنّ حملة عسكرية لطرد تلك الجماعة من الأراضي التي تعمل فيها، أما الحلول المالية فلن تكون في حد ذاتها كافية لوضع حد لمشكلات عسكرية وسياسية.

ويقول الأستاذ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة جورج تاون، باول سولفيان، إن الولايات المتحدة تواجه صعوبة كبيرة في جهودها لحرمان تنظيم الدولة من الانخراط في العمليات الاقتصادية الحيوية المتعلقة بقطاع النفط والغاز والتجارة مع العالم الخارجي.

ويعتقد الأميركيون والبريطانيون أن سيطرة داعش على مدن عراقية كبرى أتاحت للتنظيم جني أموال طائلة من خلال استيلائه على المصارف.

وطبقا لما ذكرته صحيفة ذي تليجراف البريطانية في أغسطس/آب الماضي، فإن داعش استولى على ما يقارب الربع مليار جنيه إسترليني (385 مليون دولار) من فروع مصارف الموصل وحدها، وهو ما حاولت الحكومة العراقية نفيه لكن المصادر الغربية ما تزال تؤكد الرقم.

وفي الوقت الذي يعتقد فيه الغربيون أن الموصل هي المحافظة التي يجني منها داعش الكثير من مصادر دخله، فإن استحالة السيطرة على مصادر التمويل المباشرة من الرسوم التي تفرض مباشرة على المواطنين من دون تحرير الموصل يجعل الغرب يتجه خارجيا.

وكان أهم مصدر من مصادر التمويل الذي نجحت الدول الغربية إلى حد كبير في الحد منه،

رغم عدم توفر أرقام رسمية، هو التبرعات القادمة من متبرعين أفراد ومجموعات ومساجد في دول الخليج، إذا إن الضغوط الأميركية الأوروبية على الحكومات الخليجية أدت إلى تجريم التبرع أو جمع الأموال لصالح داعش وجعلت الأمر أكثر صعوبة عما كان يتم عليه قبل تمدد داعش في رقعة واسعة من سورية والعراق.

وتقول المصادر الغربية، إن أهم ما يؤكد وجود قدرات مالية ضخمة لدى داعش هو حجم الرواتب التي يدفعها لعناصره، بما يتراوح بين 300 وألفي دولار شهريا، حسب موقع العنصر في السلم الوظيفي الخاص بتنظيم الدولة.

ولا يُعرف كم عدد العناصر المنتمين إلى داعش الذين يتقاضون مثل هذه المبالغ، لكن هذه الرواتب تكاد تزيد عما يتقاضاه العاملون لدى بعض دول المنطقة. وإضافة إلى مصادر التمويل المحلية من غنائم وضرائب وزكاة وتبرعات، فإن ما أثار الخلافات الحادة بين دول التحالف الدولي تجاه تمويل داعش هو ما يجنيه التنظيم من أسر المختطفين الأوروبيين الذين أفرج عن بعضهم مقابل فدية كبيرة تقدر بالملايين عن كل مفرج عنه.

ويرى المسؤولون الأميركيون أن الدول الأوروبية أخطأت في السماح لأسر الضحايا أو أي مصادر مساندة بتقديم الأموال للإفراج عن المختطفين؛ لأن ذلك شجع داعش على الاستمرار في لعبة الاختطاف لجني المكاسب المالية والسياسية على حد سواء.

وكانت الجهود الأميركية والدولية الساعية لتقويض القدرة المالية لتنظيم الدولة الإسلامية قد اتخذت مسارا جديا منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث وصف وكيل وزارة الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد كوين، تلك الجهود في محاضرة ألقاها بمعهد بروكين، قائلا: إنها استراتيجية شاملة لإعاقة تنظيم داعش، وإضعاف قدراته وفي نهاية المطاف هزيمته.

لكن أهم خطوة جماعية قد يكون لها آثار عملية هي تلك الصادرة عن الأمم المتحدة ومن المفارقات أنها جاءت باقتراح من روسيا وليس أميركا وعلى ضوئها صدر في الثاني عشر من هذا الشهر قرار لمجلس الأمن الدولي بشأن قطع تمويل الجماعات الإرهابية.

تبني مجلس الأمن مشروع القرار الذي طرحته روسيا، بالإجماع يقضي بتجفيف منابع تمويل تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، ولوحظ في القرار أنه لم يقتصر على مداخيل داعش من النفط بل أشار إلى مصدر دخل لم يكن ملحوظا من قبل وهو ما يجنيه تنظيم الدولة من تجارة الآثار.

حيث يطالب القرار الدول أن تقوم بالخطوات اللازمة لقطع الطريق أمام الاتجار بالآثار التي لها قيمة دينية أو تاريخية أو ثقافية أو علمية، والتي تم تهريبها من العراق منذ تاريخ 6 أغسطس/آب 1991 ومن سورية منذ مارس/آذار 2011.

ويؤكد النص ضرورة أن يتواصل ذوو الشأن مع منظمة اليونيسكو والإنتربول وغيرهما من المنظمات الدولية. وكان قد تردد أن داعش نقل آلاف القطع الأثرية الموجودة في محافظة نينوى، والتي تعود إلى الحضارة البابلية إلى سوريا قبل بيعها إلى مافيات تجارة الآثار.

كما ينص قرار مجلس الأمن، على بذل الجهود في منع الإرهابيين من الحصول على مكاسب مباشرة وغير مباشرة من احتجازهم الرهائن، وهو ما يلبي رغبة أميركية في هذا الشأن، ويؤيد

وجهة نظر واشنطن بخصوص مطالباتها السابقة لحليفاتها بالتعاون الوثيق في تحرير آمن للرهائن، من دون دفع فدية تشجع التنظيم على تكرار عمليات الخطف.

وما ينطبق على تنظيم الدولة في قرار مجلس الأمن، ينطبق كذلك على جبهة النصرة وغيرهما من الجماعات المتطرفة التي تجني الأموال من خلال ممارسة الإرهاب.

ويدعو القرار إلى محاربة توريد الأسلحة بالإضافة إلى المواد والمعدات ذات الاستخدام المزدوج بشكل مباشر أو غير مباشر لتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرهما من الجماعات الإرهابية، وخصوصا أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف.

وتعود أهمية قرار مجلس الأمن الأخير وقوته إلى أنه يستند إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يوجب استخدام القوة لفرض تنفيذه، وهو ما يعني أن القوة لن تستخدم ضد داعش فقط، بل ضد كل من يخالف القرار من دول أو جماعات أخرى.

اقرأ  أيضاً: موازنة مقترحة لأوباما تخصص 8.8 مليارات دولار لقتال داعش

دلالات