كل دول الخليج متضررة من الأزمة السياسية الحالية، سواء تلك التي شاركت بشكل مباشر في حصار قطر براً وبحراً وجواً، وهي السعودية والإمارات والبحرين، أو قطر التي تعرضت للحصار الاقتصادي والتجاري الشامل.
قطر المحاصرة متضررة من الأزمة، إذ إن صادراتها لدول الخليج بلغت 17.2 مليار ريال (ما يعادل 4.7 مليارات دولار) في العام الماضي، مقابل واردات بقيمة 16.5 مليار ريال، أي أن قطر تصدر لدول الخليج أكثر مما تستورد منها.
وهذه الصادرات القطرية لدول الخليج توقفت بسبب إجراءات فرض الحصار، والاستثناء قد يكون للدولتين اللتين لم تشاركا في الحصار وهما الكويت وسلطنة عمان.
وكذا السعودية والإمارات؛ فقد تعرضتا لخسائر اقتصادية فادحة تتجاوز بكثير خسائر قطر بسبب توقف تدفق منتجاتها لأسواق قطر، ويتوقع أن تزداد هذه الخسائر في حال إقدام قطر على فرض عقوبات اقتصادية على دول الحصار، كأن توقف قطر صادراتها من الغاز للإمارات التي تمثل 30% من احتياجاتها من الغاز.
وأدت الأزمة الحالية إلى تعطل حركة تجارية نشطة بين دول مجلس التعاون الخليجي، تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار في عام 2016، كما رفعت من درجة المخاطر السياسية داخل منطقة الخليج، وهو ما أزعج المستثمرين الدوليين والخليجيين على حد سواء، وجعلهم يراقبون أسواق وعملات واقتصاد دول المنطقة.
والأزمة السياسية أثرت سلباً على قطاعات اقتصادية مهمة بدول الخليج مثل المصارف والبورصات وحركة الطيران والسفر والسفن والتجارة الخارجية والقطاع المالي، والأهم مناخ الاستثمار، كما أدت الأزمة إلى خفض التصنيف الائتماني لعدد من دول الخليج، وتهديد مؤسسات التصنيف الكبرى في العالم بإجراء تخفيضات مستقبلية إذا لم يتم حل الأزمة القائمة.
لكن وسط هذه الخسائر، تبقى البحرين المتضرر الأكبر بين دول الخليج من الأزمة الحالية التي دخلت أسبوعها الثاني، فقطر والسعودية والإمارات لديها استثمارات ضخمة وسيولة دولاريةة في الخارج تزيد عن ألفي مليار دولار منها احتياطيات بالنقد الأجنبي تقارب التريليون دولار.
وبهذه السيولة النقدية تستطيع الدول الثلاث الدفاع عن عملتها المحلية ضد أية مضاربات محتملة، وتغطية الطلبات المفاجئة على الدولار، كما تستطيع حماية اقتصادها الوطني وتغطية كلفة الواردات وسداد الديون الخارجية ومواجهة تبعات الأزمة السياسية الحالية ربما لسنوات.
ولدى الدول الثلاث ( قطر والسعودية والإمارات) تنوع في الاقتصاد ومعدلات نمو مقبولة، واستثمارات أجنبية ضخمة، وصناعات عملاقة خاصة المرتبطة بالنفط والغاز والبتروكيماويات،.
صحيح أن هذه الدول تعتمد على الطاقة، سواء كانت النفط أو الغاز، في تمويل الجزء الأكبر من إيراداتها العامة، لكن لديها أنشطة اقتصادية أخرى تمثل رافداً للموازنة منها السياحة والصادرات والموانئ وحركة الطيران والصناعة، خاصة الصناعات العملاقة مثل البتروكيماويات والأسمدة والحديد والإسمنت والبلاستيك.
لكن في المقابل نجد أن البحرين لا تملك مئات أو حتى عشرات المليارات من الدولارات من الاحتياطيات النقدية للدفاع عن عملتها الوطنية، الدينار، ولا تملك صندوقا سياديا يمتلك ثروات ضخمة في الخارج يمكن تسييلها وبيعها لمواجهة أزمة اقتصادية طارئة.
والبحرين ليست لديها إمكانيات مالية للمحافظة على تصنيفها الائتماني، أو دعم قدراتها الاقتصادية لمواجهة العمليات الإرهابية التي تتعرض لها من وقت لآخر، وبسبب هذا الوضع خفضت وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني قبل أيام توقعاتها المستقبلية للاقتصاد البحريني من مستقرة إلى سلبية.
كما كشف مصرف البحرين المركزي عن أن الدين العام للمملكة زاد بنسبة 23% في شهر مارس الماضي ليصل إلى 23.7 مليار دولار، وهو مستوى يعتبر الأعلى في تاريخ البلاد، ويعادل نحو 76% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي والبالغ 31 مليار دولار.
ولذا استغربت انضمام البحرين للدول الخليجية التي تحاصر قطر اقتصاديا، بل وتطلب من مواطنيها العاملين بقطر مغادرة الدولة الخليجية رغم عدم توافر فرص عمل لديها تستوعب العمالة العائدة (تراجعت عن القرار بعد ذلك).
هل تراهن البحرين مثلا على الحصول على مزيد من المساعدات الخارجية، التي يمكن أن تعوضها عن الخسائر التي سيتعرض لها الاقتصاد البحريني جراء المشاركة في حصار قطر برا وبحرا وجوا؟ وهل هذه المساعدات يمكن أن تعوضها عن خسائر متوقعة في قطاعات مهمة مثل السياحة والطيران والبنوك؟
ما الذي يدفع البحرين، التي تصنف على أنها الأفقر بين دول مجلس التعاون الخليجي، لاتخاذ قرار المشاركة في حصار قطر اقتصاديا رغم معرفتها بأضرار القرار الجسيمة على اقتصادها؟
وما الذي دفع المنامة لفرض قيود على حركة التجارة والسفر والطيران والعمالة مع قطر، رغم أن صادراتها لقطر تجاوزت 1.193 مليار ريال قطري، أي ما يعادل 329 مليون دولار، في العام 2016، في حين أن وارداتها من قطر لم تتجاوز 140 مليون دولار؟
وما الذي يدفع دولة مثل البحرين، لا يتجاوز إنتاجها النفطي 200 ألف برميل يومياً مقابل 10 ملايين للسعودية، إلى التحمس لقرار محاصرة قطر اقتصاديا رغم أنها تعاني من عجز حاد في الموازنة العامة، وتلجأ إلى التقشف المستمر وزيادة الأسعار والاقتراض الخارجي والمحلي لتغطية هذا العجز المتواصل؟
أسئلة كثيرة يطرحها قرار انضمام البحرين إلى الدول المحاصرة قطر، وربما تكون المساعدات السعودية والإماراتية المرتقبة والحالية هي مفتاح الإجابة عن الأسئلة السابقة وغيرها.