لعب ارتفاع أسعار المحروقات دوراً كبيراً في مفاقمة أزمة السوريين الاقتصادية والمعيشية خلال السنوات العشر الماضية، وتأتي ارتفاعات الأسعار الدولية لتشكل حجرة إضافية فوق جبل الأزمات التي تواجهها الأسر.
ويعتبر عام 2021 الأسوأ من هذا الجانب، حيث رفعت حكومة النظام السوري أسعار البنزين 4 مرات في غضون سبعة أشهر، كما رفعت سعر المازوت، الذي يعتمد عليه السوريون في التدفئة، أكثر من 250 بالمائة ضربة واحدة في 11 تموز/ يوليو الماضي. وعانت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من انقطاع شبه كامل للمحروقات، وعلى مدى عدة أشهر، الأمر الذي ترك آثاراً سلبية كبيرة على مناحي الحياة كافة.
إذ ارتفعت أسعار السلع إلى مستويات خيالية، وصولاً إلى رفع كلفة النقل، ويلقي النظام السوري باللائمة في أسباب أزمة المحروقات التي يعاني منها على العقوبات الاقتصادية الغربية، بالإضافة إلى خروج حقول النفط السورية عن سيطرته منذ عام 2014، واضطراره لاستيراد أكثر من 80 بالمائة من حاجته من الأسواق الخارجية بالعملة الصعبة.
ويبلغ إنتاج النظام حالياً من النفط في المناطق التي تخضع لسيطرته نحو 20 ألف برميل يومياً، بحسب بيانات سابقة لوزارة النفط، بعد أن كان قبل عام 2011 يصل إلى أكثر من 350 ألف برميل يومياً، يستهلك منها حوالي 200 ألف برميل، ويتم تصدير الباقي.
بينما يبلغ إنتاج الغاز الحالي نحو 10 ملايين متر مكعب يومياً، مقابل نحو 22 مليون متر مكعب قبل عام 2011، في وقت تبلغ فيه الحاجة الفعلية من الغاز نحو 30 مليون متر مكعب يومياً، وذلك من أجل تشغيل محطات الكهرباء لكي تعمل بكامل طاقتها، بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات من الغاز المنزلي والتجاري والصناعي.
أمام هذا الواقع، لم يكتف النظام برفع سعر المحروقات، بل حولها إلى سلعة نادرة يتم توزيعها على البطاقة الذكية وفق كميات لا تكفي ربع الحاجة الحقيقية، وفي المقابل خلق المنتفعون حول النظام سوقا سوداء، يباع فيه ليتر المازوت أو البنزين أو أسطوانة الغاز، بأضعاف الثمن الرسمي. يقول علاء عبد الرحمن من دمشق (52 عاما)، إنه في عام 2019 كانت تبلغ حصة الأسرة من مازوت التدفئة 400 ليتر طوال فصل الشتاء، يتم توزيعها على دفعتين، كل دفعة 200 ليتر، في بداية موسم الشتاء وفي منتصفه، ثم قام النظام العام الماضي بتخفيض الكمية إلى 200 ليتر لكل السنة، وفي هذا العام خفضها إلى 100 ليتر طوال فصل الشتاء، يتم توزيعها على دفعتين؛ 50 ليتراً في مطلع الخريف، و50 ليتراً أخرى بداية العام المقبل.
ويتابع أنه بالإضافة إلى ذلك، رفع النظام سعر ليتر المازوت في الشهر السابع من العام الجاري، من 180 ليرة إلى 500 ليرة. ويلفت عبد الرحمن في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أن 50 ليتراً لا تكفي سوى لخمسة أيام في الأيام الباردة، ما يعني أن من لديه أطفال مضطر لتغطية حاجته من السوق السوداء التي يبلغ سعر الليتر فيها أكثر من 1500 ليرة سورية، وفي الأيام الباردة قد يصل السعر إلى 3 آلاف ليرة سورية.
بدورها، تشير إنعام جعجول، وهي موظفة ومقيمة في حلب، إلى أنها تتقاضى راتباً شهرياً يبلغ 90 ألف ليرة، بسبب خدماتها المتراكمة منذ أكثر من 15 عاماً، لكنها تقول إنها تضطر لدفع أكثر من 40 ألف ليرة شهرياً كأجور نقل من بيتها إلى مكان عملها، بعد رفع سعر ليتر المازوت قبل عدة أشهر. وتضيف جعجول لـ "العربي الجديد" أن راتبها بالإضافة إلى عمل زوجها الحر بالكاد يغطيان تكلفة معيشتهم مع أولادهم الثلاثة لمدة عشرة أيام من الشهر فقط، مشيرة إلى أن الأمور هذا العام ساءت كثيراً مقاربة بالأعوام السابقة، وخصوصاً لناحية الغلاء الفاحش في الأسواق، والذي يعزوه جميع التجار لرفع أسعار المحروقات، وبالذات المازوت.
ولا تتوقف معاناة السوريين عند هذا الحد، فقد أدى رفع سعر المازوت إلى غلاء باقي أسعار السلع المرتبطة به إلى مستويات قياسية، تجاوزت في بعض الأحيان نسبة 100 بالمائة، فيما الإجراء الوحيد الذي قام به النظام لدى رفع سعر المازوت في تموز/ يوليو الماضي كان زيادة الرواتب والأجور بنسبة خمسين بالمائة، ليصبح متوسط الدخل الشهري نحو 70 ألف ليرة، وهو ما يعادل نحو 20 دولاراً وفقاً لأسعار الصرف الحالية، حيث يبلغ الدولار أكثر من 3500 ليرة.
ويرى المحلل والخبير الاقتصادي السوري رأفت المصلح أن النظام السوري دائماً ما يقول إن لديه أرخص سعر محروقات بين الدول العربية، إذ إن سعر 500 ليرة لليتر المازوت يعادل نحو 20 سنتاً فقط، من دون أن يقارن هذا الرقم بمتوسط الدخل الشهري المتدني للسوريين والذي يبلغ 20 دولاراً فقط.
بالإضافة لذلك، يتابع المصلح في تصريح لـ "العربي الجديد" أن زيادة سعر المازوت انعكست على قطاعات عدة، بينها الزراعة والصناعة، فضلاً عن وسائل النقل العام، مشيراً إلى أن إنتاج سورية من كافة المحاصيل الزراعية تراجع هذا الموسم إلى أكثر من النصف، بدءاً من القمح وانتهاء بالخضار والفواكه، وهو ما انعكس على ارتفاع أسعارها في الأسواق حسب قوله.
ويرى المصلح أنه "يجب ألا نغفل كذلك ارتفاع أسعار النفط العالمية، وجائحة كورونا التي أثرت بشكل مباشر على حركة الشحن الدولي، إذ إن أجرة الحاوية القادمة من الصين على سبيل المثال إلى سورية ارتفعت من 2000 دولار إلى 7 آلاف دولار خلال العام الجاري، وهو مبلغ غالباً ما يتم تحميله على السلعة".
ويقول المصلح إنه "يجب ألا نغفل أن النظام السوري كان قد أعد العدة لرفع أسعار المحروقات منذ منتصف العام الماضي، عندما أعد مشروع الموازنة العامة للدولة، بمبلغ 8.5 تريليونات ليرة، إذ إن من يقرأ مبلغ الدعم المخصص للمحروقات في هذه الموازنة سوف يجد أنه 1700 مليار ليرة، أي نحو نصف مليار دولار فقط، وهو مبلغ لا يغطي حاجة سورية من النفط سوى لشهرين".