بات ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان أشبه بالخبر اليومي الذي يقرأه المواطن بينما يشاهد على تطبيق هاتفه تحليق سعر صرف الدولار ومعه تدهور قيمة راتبه الذي ما عاد يكفي لتأمين أبسط مقوّمات العيش. وتأتي الارتفاعات في أسعار النفط الدولية لتزيد الأزمة، إن كان على مالية الدولة أو على المواطنين.
إذ فيما سجل سعر الدولار 20500 ليرة لبنانية، الجمعة، كانت وزارة الطاقة اللبنانية قد أعلنت عن زيادة جديدة في أسعار المحروقات كافةً، بحيث ارتفع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان 9 آلاف ليرة، والـ98 أوكتان 9300 ليرة والديزل أويل 8600 ليرة، لتصبح الأسعار على الشكل التالي: بنزين 95 أوكتان 242800 ليرة، بنزين 98 أوكتان 250700 ليرة، المازوت 235200 ليرة. أما قارورة الغاز فبات سعرها في مركز التعبئة 206700 ليرة وفي المحل التجاري 220200 ليرة، وقد ارتفع مرتين خلال هذا الأسبوع.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإنّ هذه الأسعار معرّضة لارتفاع مستمرّ في ظلّ ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية وامتعاض الشركات المستوردة للنفط من التسعيرة المعتمدة التي تبقى أقلّ من سعر صرف الدولار في السوق السوداء بينما مطلبهم الأساسي رفع الدعم كلياً عن جميع المواد لتصبح التسعيرة يومية وتبعاً لسعر الصرف.
ويشير رئيس نقابة العاملين والموزّعين في قطاع الغاز فريد زينون، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "تأثير ارتفاع الأسعار كبير على المواطنين، وخصوصاً على صعيد الغاز، الذي يعدّ مادة حيوية جداً ولها تداعيات سلبية جداً، سواء على صعيد الاستخدام المنزلي أو التجاري والصناعي".
ويلفت زينون إلى أنّ "فاتورة الغاز تبقى أقلّ كلفة بين المحروقات؛ أي نستهلك 250 ألف طن في السنة، ما يوازي 200 مليون دولار سنوياً. من هنا على الحكومة اللبنانية أن تستمرّ في دعم هذه المادة، ولا سيما ونحن على أبواب فصل الشتاء، حيث ترتفع الحاجة إليها، وبدل استخدام قارورة غاز في الشهر تستهلك العائلة قارورتين تقريباً، سواء للطبخ أو التدفئة أو للحصول على الماء الساخنة، من دون أن ننسى أن ارتفاع تسعيرة المولدات الخاصة دفعت كثيرين لوقف الاشتراك أو الاتفاق على أقل من 5 أمبير، ما يجعل وسائل التدفئة التي تعمل على الغاز من الخيارات المعتمدة".
ويؤكد زينون على ضرورة أن تدعم الحكومة الغاز و"إلا نكون أمام حاجة كل منزل لمليون ليرة على الأقلّ في الشهر لشراء هذه المادة"، وهو ما يتخطى الحدّ الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة، لافتاً في المقابل إلى أنّ "ارتفاع سعر الغاز ينعكس أيضاً على المطاعم والأفران والمصانع والمستشفيات وغالبية القطاعات التي تعتمد على المادة، وبالتالي سينعكس زيادة في الفواتير أيضاً، فالفرن على سبيل المثال يحتاج إلى 725 ألف ليرة يومياً حسب الاستهلاك، أي قارورة غاز كبيرة، وحكماً هذا سيطاول أسعار المناقيش التي ستزداد بشكل كبير"، بحسب قوله.
ويشدد زينون على أن "الشركات غير راضية عن التسعيرة الحالية وهي تطالب باعتماد التسعير اليومي حسب سعر صرف الدولار الذي تخطى، الأربعاء، مثلاً، العشرين ألف ليرة، وهذه من الحلول التي طالبنا بها الحكومة ومن خلفها وزارة الطاقة، وبالتالي على السلطات أن ترفع الدعم تماماً أو تبقي عليه".
وفي مراجعة سريعة للأسعار، نجد أنّ سعر قارورة الغاز (10 كغ) في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2020 كان 18 ألف ليرة لبنانية، أما اليوم فقد تجاوز الـ200 ألف ليرة، والمسار حسب المؤشرات سيبقى تصاعدياً.
من جهة ثانية، يرى مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه والمستشار في الشؤون المالية العامة غسان بيضون، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "المشكلة ناتجة بالأساس عن رفع الدعم بطريقة عشوائية وبصورة منفردة من قبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سواء على عهد الحكومة السابقة أو الحالية، التي تركت الأمور تسير بالاتجاه نفسه من دون شعور بالمسؤولية أو تدارك نتائج هذا الرفع العشوائي".
ويلفت إلى أن "كلفة المحروقات تدخل بكل عناصر الأسعار والسلع والقطاعات والمؤسسات، وبالتالي كان يجب أن يكون الرفع مدروساً ويصار إلى تدارك نتائجه مع إعطاء الناس تعويضاً عن هذه الكلفة لمساعدتهم على الصمود والعيش".
ويشير بيضون إلى أن "الفاتورة النفطية التي تستهلكها مؤسسة كهرباء لبنان تراوح بين مليار ونصف وملياري دولار سنوياً وذلك عندما كانت تشغّل البواخر التركية والمعامل الحرارية، ولكن الكلفة تدنت اليوم، خصوصاً مع انتهاء العقد مع مغادرة البواخر، ومع ذلك في حال أردنا تأمين الحد الأدنى من الإنتاج أو حوالي 12 ساعة كهرباء، فإننا نحتاج إلى نصف المبلغ المذكور".
ويضيف بيضون "هذه الكلفة على الليرة يدخل فيها عنصران؛ الأول ارتفاع سعر برميل النفط عالمياً، والثاني ارتفاع سعر صرف الدولار محلياً، باعتبار أنّ كل استيراد تقابله الحاجة إلى تأمين الدولارات، ومصرف لبنان ما زال يبيعها على سعر الصرف المعتمد عبر المنصة والذي بدوره يواصل ارتفاعه ليكون أقرب إلى السوق".
هذه العوامل، يقول بيضون، "تزيد موازنة مؤسسة كهرباء لبنان فيما إيراداتها لا يمكن أن تغطيها، ولا سيما أن تعرفتها ضئيلة جداً، وللمؤسسة متأخرات كثيرة، وحتى لو زادت التعرفة لتتحول إلى إيرادات في صناديق المؤسسة فهذا يحتاج إلى أشهر طويلة".
في المقابل، يقول بيضون إنّ "تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على موازنة الدولة له مردود إيجابي بشكل من الاشكال من ناحية أنه يزيد إيراداتها من الضرائب والرسوم على المحروقات كلما ارتفعت الفواتير، علماً أنّ الدولة كان باستطاعتها أن تعفي المحروقات من الضرائب والرسوم ولو مؤقتاً أو تعلّقها أو تحسبها على سعر صرف أقلّ للمساهمة بتخفيف الضغط عن الناس الذين يتحمّلون الثمن وحدهم".
على صعيد ثانٍ، يقول بيضون إنّ "الدولة ما عادت تعطي سلف خزينة بشكل صريح لمؤسسة الكهرباء، حيث أعطت السنة 300 مليار ليرة، ترجمها الحاكم إلى 200 مليون دولار، ونضيف إليها طلب استقراض 100 مليون دولار مع إمكانية إعطاء مساعدة إضافية بغض النظر لاحقاً عن كيفية دفع متوجبات الغاز المصري وكهرباء الأردن، وهذا عبء ثقيل"، مضيفاً "تبقى هذه المبالغ أقلّ من مليار وملياري دولار ولكن الخزينة اليوم وضعها أصعب وتحت الصفر ولا قدرة للحكومة على الاستدانة والتضخم يزداد".
ويلفت بيضون إلى أنّ "الحكومة تجد نفسها مضطرة لرفع الأسعار بهدف تلبية مطالب التجار والسوق وتخفيف الضغط ومشاهد الطوابير وذلك تبعاً لارتفاع الأسعار عالمياً، وخصوصاً محلياً، الذي بات يترجم بشكل أسرع ويدفع لإصدار أكثر من تسعيرة في الأسبوع، لكن هذا الأمر يدفع في المقابل التجار والمستوردين إلى تحقيق أرباح كبيرة وغير مشروعة، لأنهم أيضاً يرفعون أسعار كميات موجودة لديهم اشتروها بسعر أقل".
ويشدد على أنه "يجب على السلطات والجهات المعنية متابعة الموضوع وضبط المخزون عند المستوردين والتجار من خلال بيانات يومية تظهر المخزون والكمية المشتراة والتي بيعت، وتوضع مثلاً على موقعي وزارتي الاقتصاد والطاقة، وبالتالي اتخاذ أي تدبير للتخفيف من أرباح الشركات غير المشروعة والتي يدفع المواطن ثمنها".
في الإطار نفسه، "هناك الكثير من الخطوات يمكن أن تقوم بها الحكومة في حال كانت نيتها الحقيقية الإصلاح الجدي وأظهرت ذلك للجهات الدولية المانحة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، منها تعزيز قدرات مؤسسة كهرباء لبنان، تعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء، والتشكيل يجب أن يتم بأسرع وقت"، بحسب بيضون.
ويلفت إلى أنّ لبنان أمام فترة فاصلة بانتظار وصول الغاز المصري والكهرباء من الأردن، وبالتالي من المفروض بناء معامل على الطاقة الشمسية، والبحث في كيفية تأمين الإيرادات لذلك، وإنشاء خط غاز بين دير عمار والزهراني، ما يوفر بين 150 مليوناً و200 مليون دولار سنوياً، إضافة إلى خطوات إصلاحية كثيرة "لكننا للأسف اليوم أمام مخاض عسير وتكاليف كبيرة وهدر يزداد حدة، وفوضى في الأسعار أشبه بالجحيم، فيما الناس يدفعون الثمن"، يختم بيضون.