يضغط تصاعد سعر النفط في السوق العالمية على موازنة تونس، التي تواجه عجزاً قياسياً وصل إلى تسعة مليارات دينار، بما يوازي 3.2 مليارات دولار، فيما ترتفع الخسائر يومياً بسبب توسّع الفارق بين التقديرات الحكومية التي تم اعتمادها في قانون الميزانية وبورصة الأسعار العالمية.
واعتمدت تونس عند إقرار موازنة العام الحالي سعر برميل النفط عند 45 دولاراً، غير أن رياح السوق العالمية قلبت كل التوقعات لتدفع السعر إلى ضعف التقديرات الحكومية، ما تسبب بفجوة لا تقل عن مليار دولار حتى اليوم يتعيّن على الحكومة ردمها عبر الاقتراض.
وبالإضافة إلى فرضيات اللجوء إلى الاقتراض لتوفير الفارق بين سعر الطاقة المعتمد في الموازنة وحقيقة سعر السوق العالمية، يطرح خبراء الاقتصاد حلولا أخرى لخفض التداعيات الثقيلة لأسعار الطاقة على موازنة البلاد، وذلك عبر إعادة تنشيط آلية التعديل الآلي في الأسعار المجمدة منذ شهر مارس/آذار الماضي.
ويعود آخر تعديل في أسعار المحروقات في تونس إلى شهر مارس الماضي، حين ارتفعت أسعار المحروقات إلى مستوى قياسي لم تسجله البلاد سابقا بعد تعديل أجرته الحكومة على أسعار البنزين والسولار، لتكون هذه الزيادة الثالثة من نوعها منذ بداية العام الحالي بعد رفع الثمن بنسبة 5 في المائة دفعة واحدة.
وأكد الخبير المالي آرام بالحاج أن كل المؤشرات العالمية كانت تنبئ منذ بداية العام بارتفاع سعر الطاقة مع تحرك الطلب العالمي وبدأ التعافي من جائحة كورونا، مشيرا إلى أن الحكومة وقعت في خطأ فادح باعتماد تقديرات لا تتجاوز 45 دولارا لسعر البرميل.
وأفاد بالحاج بأن التقديرات الحكومية أصبحت لاغية منذ شهر كانون الثاني/ يناير الماضي مع صعود الأسعار النفطية الدولية إلى ما فوق 65 دولارا، غير أن تأخر إقرار قانون موازنة تعديلي جراء الخلافات السياسية في البلاد تسبب في الانزلاق نحو مراكمة الخسائر.
وقال بالحاج في تصريح لـ"العربي الجديد" إن أولى تداعيات ارتفاع أسعار برميل النفط عالميا، والتي تجاوزت عتبة 80 دولارا اليوم، ستشمل ميزانية الدعم أساسا، إذ يجب أن يتم العمل على تغطية الفارق المستجد فيها إضافة إلى المضي في تعديل جديد لأسعار المحروقات الموجهة للمستهلك في إطار آلية التعديل الآلي.
وبيّن بالحاج أن ارتفاع سعر البترول على المستوى العالمي بدولار واحد يكلف ميزانية الدولة التونسية 129 مليون دينار، ما يدعم مستويات الضغط على الموازانات المالية للدولة وعلى كاهل المستهلك من خلال الترفيع الآلي في أسعار الاستهلاك.
وأشار بالحاج إلى أن تونس لم تستغل هبوط أسعار الطاقة عالميا بالتحوّط لتعزيز مخزوناتها أو الاقتناء بعقود آجلة، ما يدفعها إلى الزيادة في الأسعار مجددا لتقليص العجز الناتج عن الزيادة العالمية لأسعار الطاقة.
ويمثل خفض دعم الطاقة أحد أبرز عناوين الإصلاح الاقتصادي التي يطالب بها المقرضون الدوليون، إذ تبنّت تونس منذ يوليو/ تموز 2016 طريقة التعديل الآلي لأسعار المحروقات عملا بتوصيات صندوق النقد الدولي.
ومنذ بداية شهر مارس/آذار 2020، تعتمد تونس في تعديل أسعار المحروقات على قرار وزيري الطاقة والمالية، الذي أوكل قرار تحديد الأسعار إلى اللجنة الفنية المكلفة بضبط ومتابعة أسعار بيع المواد البترولية. وينص أحد فصول القرار على ألا يتجاوز التعديل شهريا نسبة 1.5 بالمائة عن السعر المعمول به وقت التعديل.