العالم متحد على حصار غزة... ما كل هذا الإجرام؟

03 يناير 2024
حرب الإبادة تتواصل في غزة (Getty)
+ الخط -

أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2720، والذي يدعو إلى اتخاذ خطوات عاجلة للسماح "فوراً" بإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بشكل موسع وآمن ودون عوائق، ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية. وصدر القرار بموافقة 13 عضواً، وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت، لكنهما لم يستخدما حق النقض (الفيتو).  

صدر القرار يوم 22 ديسمبر/ كانون الأول، بعد 76 يوماً من العدوان الإسرائيلي والحصار المستمر على غزة، وبعد ارتفاع حصيلة العدوان إلى 20.6 ألف شهيد و54 ألف إصابة، وارتكاب دمار هائل في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لتصريحات الأمم المتحدة. ويبدو أن القرار الذي لا ينص على وقف إطلاق النار لن يتم تطبيقه، مثل غيره من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بفلسطين. 

قرار روسي بوقف النار 

سبق القرار مشروع قرار آخر قدمته روسيا لمجلس الأمن، في 16 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وتدعمه 15 دولة إسلامية، ويدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وقفاً فورياً ودائماً يُحترم بالكامل، ويرفض الإجراءات الرامية إلى ضرب حصار على غزة يحرم السكان المدنيين من الوسائل التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة. 

الولايات المتحدة استخدمت (الفيتو) ضد القرار الروسي، لأنه يدعو إلى وقف إطلاق النار قبل القضاء على حماس واستعادة الردع، كما صرّح بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

وبغض النظر عن عدد القتلى من المدنيين والذي وصل بعد 9 أيام من العدوان إلى 3000 شهيد، والدمار غير المسبوق في تاريخ الصراع، والذي أفضى إلى تدمير 25% من مساكن غزة خلال مدة قصيرة جداً من بداية العدوان.

 سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد وصفت القرار الروسي بأنه غير مسؤول وساخر، وطالبت أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر والجمعية العامة للأمم المتحدة والمختلفة بكفكفة دموع إسرائيل والمسح على رأسها، بعد الضربة التي تلقتها وسحقت كرامتها في 7 أكتوبر.  

وبررت ليندا غرينفيلد الفيتو الأميركي بقولها إن المدنيين لا يفترض أن يعانوا بسبب ما تقترفه حماس من فظائع، وأن مجلس الأمن والمجتمع الدولي بأسره يتحمّلان المسؤولية عن معالجة هذه الأزمة الإنسانية، وأن ينددا بحماس ويعترفا بالحق الأصيل لإسرائيل في الدفاع عن نفسها وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. 

وأفشلت الولايات المتحدة القرار الروسي، بالرغم من أنه يدين بشدة جميع أشكال العنف وأعمال القتال المرتكبة ضد المدنيين من الطرفين، سواء الهجمات الشنيعة التي شنّتها حماس في إسرائيل وأخذ الرهائن المدنيين، أو الهجمات العشوائية ضد المدنيين والمنشآت المدنية في قطاع غزة التي تؤدي إلى وقوع ضحايا في صفوف المدنيين، وفق نقص مشروع القرار الروسي.  

مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة السفير فاسيلي نيبينزيا اتهم الولايات المتحدة والدول الغربية بالأنانية، وأعرب عن أسفه لأن المجلس رهين تلك الأنانية، واعتبر الرفض الأميركي تمهيد لإشعال غير مسبوق للوضع في غزة، وهو ما حدث بعد ذلك. 

قرار برازيلي بهدنة 

بعد إفشال المشروع الروسي قدمت البرازيل، الرئيس الدوري لمجلس الأمن، مشروع قرار جديد يطالب بهدن إنسانية، وليس وقفاً كاملاً لإطلاق النار الذي اعترضت عليه الولايات المتحدة، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق.

القرار أيّده 12 عضواً، وامتنعت روسيا والمملكة المتحدة عن التصويت، لكن دون استخدام حق النقض، وكان يمكن تمرير مشروع القرار بأغلبية المريحة. 

لكن الولايات المتحدة، العضو الدائم بالمجلس، استخدمت الفيتو ضد مشروع القرار وأفشلته، رغم أنه "يدين بشكل لا لبس فيه الهجمات الإرهابية الشنيعة التي نفذتها حماس في إسرائيل يوم 7 أكتوبر واحتجاز الرهائن المدنيين"، كما نص مشروع القرار.

لكنه يساوي بين وجوب حماية المدنيين في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ويدعو إلى وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق، وحل الأزمة بالطرق السلمية، والولايات المتحدة لا تريد ذلك. 

قرار أميركي دموي 

بعد إفشالها مشروعي القرارين الروسي والبرازيلي، قدمت الولايات المتحدة يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر مشروع قرار لمجلس الأمن "يرفض ويدين بشكل قاطع الهجمات الإرهابية الشنيعة التي شنتها حماس والجماعات الإرهابية الأخرى في إسرائيل، وكذلك أخذ وقتل الرهائن والقتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي واستمرار الإطلاق العشوائي للصواريخ".  

وتجاهل مشروع القرار الأميركي النص على وقف إطلاق النار، وسلب من الفلسطينيين حقهم في الدفاع عن النفس ضد عدوان المحتل الإسرائيلي، فردياً أو بدعم دولي، كما تلقت أوكرانيا دعم الشرق والغرب للدفاع عن نفسها ضد روسيا.

واعتبرت الولايات المتحدة دعمها وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا حقاً أصيلاً لإسرائيل في الدفاع الفردي والجماعي عن النفس، مع حرمان الفلسطينيين من هذا الحق. وهو دعوة صريحة للتدخل الدولي لدعم إسرائيل في العدوان على غزة، وذلك ما كان بالفعل. 

وهو ما كشفته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز قبل أيام، بقولها إن "الإبادة الجماعية" التي يشهدها قطاع غزة حالياً تجري بإذن من العالم، كما حصل في سربرنيتسا ورواندا، ويقوم بها "مرتزقة" قادمون من فرنسا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وأوكرانيا، وإيطاليا، وألمانيا، وجنوب أفريقيا والهند، لكن لا أحد يصف هؤلاء بالإرهابيين الأجانب. 

روسيا والصين استخدمتا الفيتو ضد مشروع القرار الأميركي. وأدان الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة شانغ جون سياسة الولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل بقوله إن بلاده صوتت ضد مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة لأنه يشمل عناصر كثيرة تفرق ولا تجمع، وتتجاوز البعد الإنساني، وغير متوازن ويخلط بين الحق والباطل، ولا يعكس الدعوة القوية لوقف إطلاق النار وإنهاء العنف، "وانتقائي" في ذكر الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية في غزة، وبالتالي فإنّ تبني ذلك المشروع يعني إطاحة أفق حل الدولتين، ويُدخل الطرفين في دائرة مفرغة من المواجهة والكراهية. 

العالم أكبر من خمس دول 

مجلس الأمن هو أحد الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، ومقره في مدينة نيويورك، وهو المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وفرض عقوبات دولية، والسماح بعمل عسكري، ويقوم بالتوصية بقبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة في الجمعية العامة والموافقة على أي تغييرات في ميثاق الأمم المتحدة، وقراراته مُلزمة للدول الأعضاء.  

يتألف مجلس الأمن الدولي من خمس دول دائمة العضوية، وعشرة بلدان أعضاء تنتخبها الجمعية العامة للأمم المتحدة لولاية مدتها سنتان. وتتمتع الدول دائمة العضوية فقط بحق (الفيتو)، وهي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية؛ الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا.  

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وحق النقض هذا هو حق مكفول حصراً وقصراً على الدول الخمس دائمة العضوية، ويكفي اعتراض واحدة منهن على أي مشروع قرار مقدم للمجلس ليتم رفضه نهائياً، حتى وإن كان مقبولاً للدول الأربع عشرة الأخرى، ودون إبداء الأسباب.

عدد من الدول تنادي بإصلاح مجلس الأمن وإلغاء حق النقض، يقودها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحيث يتمتع كافة الأعضاء بالمساواة، وأصدر كتاباً بعنوان، العالم أكبر من خمسة، ينتقد احتكار الفيتو. 

(الفيتو) تم استخدامه 264 مرة منذ تأسيس مجلس الأمن في سنة 1945، وكان نصيب الولايات المتحدة منها 94 مرة، من بينها 44 مرة استخدمت فيها هذا الحق لمنع إدانة إسرائيل، بنسبة 47%، ما يعني أن اسرائيل تستخدم الولايات المتحدة وكيلاً حصرياً لها في المجلس. 

القرار رقم 242 

بعد حرب 1967 احتلت إسرائيل سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس والجولان ومزارع شبعا.

أصدر مجلس الأمن القرار رقم (242) بإجماع الأصوات، ويقضي بانسحاب إسرائيل من أراضٍ، وليس الأراضي، التي احتلتها، وإنهاء الحرب، واحترام واعتراف بسيادة كل دولة في المنطقة، وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة، عن طريق إجراءات، منها إقامة مناطق منزوعة السلاح، مع ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية، وتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. 

ربحت إسرائيل الأمن وأحاطت حدودها بمناطق منزوعة السلاح، بما فيها سيناء، ولم تنسحب من الجولان ولا الضفة ولا القدس.

أنشأ الباحثون الفلسطينيون مدونة بعنوان، قرار مجلس الأمن رقم 242... حق قانوني أم جثة هامدة، يرى معظمهم أن القرار لم يطبق على مدار 56 سنة، ولم يعد قابلاً للتطبيق، بسبب التغيير الذي أحدثه الاحتلال في طبيعة الأرض والسكان.

وقد أوشكت إسرائيل على استكمال تهويد القدس الشرقية، وأنشأت مدناً وقرى يهودية في أرجاء الضفة، واستولت على معظم الأرض والمياه. 

وتولدت قناعة بأن القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، من خلال الواقع التاريخي ومسار أوسلو، تظل حبراً على ورق، ما دام الفلسطينيون والعرب متمسكين بالمفاوضات، ولا يملكون القوة، أو المقاومة، التي تفرض الحل.

وإن أي حل ينبثق عن أية مفاوضات سيكون مبتوراً ومشوهاً ما دام أحد الطرفين المتفاوضين يملك القوة والثاني مجرداً منها، وليس لديه إلا الشجب والاستنكار والإدانة. 

أنا من الجيل الذي شبع من سماع عبارة "نشجب وندين ونستنكر بأشد العبارات"، و"نطالب إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية والقرار رقم 242" في صدر نشرة الساعة التاسعة مساء بتوقيت القاهرة على القناة الأولى بالتلفزيون المصري، والتي كانت تتردد على لسان الزعماء العرب وأمين الجامعة العربية عقب الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الشعب الفلسطيني والمقدسات والأراضي المحتلة، حتى حفظناها مرتبة عن ظهر قلب.  

وخاصة عبارة "والقرار 242" والتي كان ينطقها مذيع النشرة بهذه اللهجة، والقرار رقم إتنين أربعة إتنين. وكنت أتعجب من عدم قراءة الرقم كما تعلمناه في مادة الحساب هكذا، 242.

وكنا نتندر بتلك العبارات ونحن تلاميذ في المرحلة الابتدائية في الثمانينيات من القرن الماضي.  

وكذلك كان يفعل المدرسون والناس في الشوارع وفي المواصلات العامة. وكنا نعيب على التلميذ الذي يفرط في أخذ ثأره ممن أهانه، ونطالبه بسخرية بأن يشجب ويستنكر إهانته كما يفعل حكّام العرب.

ولكن حتى عبارات الاستنكار والشجب هذه، جبن عن ترديدها الحكام رغم استمرار مجلس الأمن في إصدار القرارات!!  

المساهمون