تواصلت حملات التبرعات لقطاع غزة على المستويين الرسمي والشعبي في كل من الجزائر والمغرب طول الشهور الماضية، وسط تواصل العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر.
بقيت الجزائر ملتزمة إنسانياً مع فلسطين، وبالأخص مع سكان قطاع غزة، من خلال إرسال مساعدات طبية وغذائية وحتى مالية، ومع تواصل العدوان الاسرائيلي.
تُضاعف الجزائر تدفّق المساعدات عبر الهيئات الرسمية والجمعيات الخيرية، فيما يبقى التحدي الأكبر هو إدخال المساعدات إلى القطاع، في ظل تطوّر الأحداث في معبر "رفح" من يومٍ إلى آخر.
وكانت الجزائر من الدول السبّاقة إلى إرسال مساعدات رسمية إلى قطاع غزة، إذ أمر الرئيس عبد المجيد تبون في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 الحكومة بإرسال مساعدات إنسانية مهمة واستعجالية، إلى مطار العريش بمصر، لإدخالها إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، متمثلة في مواد غذائية وطبية وألبسة وخيم، عن طريق جسر جوي، مكوّن من أربع طائرات تابعة للقوات الجوية للجيش الجزائري.
وتلت هذه العملية الإنسانية عمليات عدة تكفّل بها الهلال الأحمر الجزائري، الذي أطلق في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 عملية جمع تبرعات غذائية وطبية وخيم وألبسة أطفال، انخرط فيها تكتل رجال الأعمال وشركات جزائرية عمومية وخاصة، بالإضافة إلى مؤسسات وهيئات رسمية ساهمت بمبالغ مالية.
وفي السياق، كشفت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، ابتسام حملاوي، عن "دخول 105 أطنان من المساعدات التضامنية الجزائرية إلى القطاع، ويتواصل الهلال الأحمر الجزائري دورياً مع نظيره الفلسطيني لاتخاذ الإجراءات المتعلّقة باستقبال وإدخال المساعدات، الموجودة في المخازن الجزائرية والتي تفوق 100 طن وتضمّ تجهيزات لمستشفى ميداني وكميات معتبرة من الأدوية والأغذية والأفرشة والخيم، وهذا تنفيذاً لتعليمات السلطات العليا للبلاد المتعلقة بإرسال مساعدات إنسانية مهمة واستعجالية إلى قطاع غزة".
وأضافت نفس المتحدثة لـ "العربي الجديد" أن "الهلال الأحمر الجزائري يواصل حملات جمع المساعدات إلى غاية انتهاء العدوان الصهيوني، كما وضع الهلال برنامجاً تضامنياً للتكفل بالطلبة الفلسطينيين، خاصة من أبناء قطاع غزة الذين يزاولون دراستهم عبر مختلف جامعات الجزائر، من أجل مرافقتهم وكذا تقديم الدعم المادي والنفسي لهم خلال المرحلة الصعبة التي تجتازها عائلاتهم".
وعلى طريق موازٍ، تواصل الجمعيات الجزائرية جمع التبرعات والأموال تمهيداً لنقلها إلى قطاع غزة بالتنسيق مع السلطات الرسمية، عبر إطلاق حملات دعائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمساجد والإعلام الجزائري، وتنشط جمعيات جزائرية على الأرض في غزة بينها جمعية البركة للعمل الخيري والإنساني، تقوم بجهود منذ سنوات في جانب إيواء النازحين وتوزيع الطعام وإعالة الأسر.
كذلك توجد مبادرات أخرى كثيرة، بينها ما تقوم به جمعية الأيادي البيضاء الجزائرية وجمعية الإرشاد والإصلاح الجزائرية، التي أطلقت حملة "يد بالعطاء ويد بالدعاء". ويقول أصحاب هذه المبادرات إن إقبال الجزائريين على التبرّع كبير بالنظر إلى تجذر القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي والتأثر الكبير بالأحداث الجارية في قطاع غزة.
وإلى ذلك، قال رئيس جمعية البركة الخيرية الشيخ أحمد إبراهيمي إنّ "الجمعية سارعت بعد أيام من "طوفان الأقصى" حملة "الوعد المفعول"، تضامناً مع أهالي غزة الذين يتعرضون لأبشع عمليات القتل والتدمير والتهجير، والهدف من هذه الحملة هو جمع المساعدات المادية من خلال المكاتب الولائية التابعة لها، والمنتشرة عبر 58 ولاية جزائرية.
وأكد أنه يتم تحويل التبرعات إلى مكتب غزة التابع للجمعية، من أجل توفير الحاجيات اللازمة للفلسطينيين المتضررين بشدة من القصف الصهيوني الهمجي على القطاع.
ووقال إننا نجحنا في فتح المآوي في غزة ضم الآلاف من الأشخاص، حيث يوزع عليهم الأكل والشرب والأغطية والأدوية، كما تم إيصال سيارات إسعاف عبر معبر رفح، مع العلم أن مبنى جمعيّة البركة للعمل الخيري والإنساني الجزائريّة، الموجود في شمال قطاع غزة، قد تعرض إلى قصف من جيش الاحتلال الصهيوني".
وشدد إبراهيمي لـ"العربي الجديد" على أن "الإقبال كبير على التبرع لدى الجزائريين كلما تعلق الأمر بأشقائهم في فلسطين، إذ لا يبخلون بالعطاء، سواء أكان مواطناً عادياً أو رجل أعمال أو صاحب شركة، كلٌ حسب مقدرته المالية".
وأضاف "الحمد الله مستودعات الجمعية فيها ما يكفي لإرساله بالتنسيق مع السلطات الرسمية التي سهّلت لنا عملية نقل المساعدات قبل "طوفان الأقصى"، وليس بالأمر الغريب عن الجزائر حكومة وشعباً، يكفي فقط أن الجامعة العربية أكدت في قمة الجزائر لقادة الدول في نهاية 2022 أن الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة الملتزمة بتقديم المساعدات المالية السنوية للفلسطينيين".
تضامن من المغرب
وفي المغرب كشفت وزارة الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، يوم الأربعاء الماضي، عن تخصيص منح إضافية لفائدة الطلبة الفلسطينيين.
وأوضحت أن هذه المبادرة التي جاءت بتعليمات من العاهل المغربي محمد السادس سيستفيد منها الطلبة الفلسطينيون المنحدرون من قطاع غزة، حيث ستوضع حالاً رهن إشارة الطلبة الفلسطينيين الذين تتوفر فيهم الشروط.
وأرسل المغرب مساعدة إنسانية عاجلة لغزة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث تكونت من سلع غذائية ومستلزمات طبية ومياه. وشملت تلك المساعدات التي دخلت إلى قطاع غزة 25 طناً من تلك المواد والأدوية والمياه والمستلزمات الطبية، حيث وجهت للمؤسسات الاستشفائية والاجتماعية التي تعنى بحالات الطوارئ الصحية والاجتماعية.
وكانت الخارجية المغربية قد اعتبرت أن الأعمال التصعيدية الإسرائيلية تتنافى مع القانون الدولي الإنساني والقيم الإنسانية المشتركة، وتنذر بتمدد الصراع داخل الأراضي الفلسطينية واتساع رقعة العنف بشكل خطير ليشمل مناطق مجاورة، مهدداً أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
وعبّر المغرب عن خيبة من تقاعس المجتمع الدولي وعدم تحمل مجلس الأمن لمسؤولياته، وعجز الدول المؤثرة عن وضع حد لهذا الوضع الكارثي، داعياً إلى وقف لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية لتيسير دخول المساعدات بشكل سريع ومستدام وبدون عوائق والتوجه نحو أفق سياسي للقضية الفلسطينية ينعش حل الدولتين.
ويقول الرئيس السابق للاتحاد النقابي الجامعة الوطنية للفلاحة، محمد الهاكش، لـ"العربي الجديد"، إنّ ثمة دعماً أكبر من المغرب لغزة، على غرار ما تم بعد حرب إسرائيل على قطاع غزة في ديسمبر/ كانون الأول 2008، حيث استمر العدوان أكثر من ثلاثة أسابيع، غير أن إسرائيل لجأت إلى استعمال أسلحة محرمة دولياً.
وكان المغرب آنذاك قد دعا إلى تنظيم جسر جوي شمل تنظيم 22 رحلة من المغرب إلى العريش، حيث تم نقل جرحى فلسطينيين إلى المغرب وتم إيصال أدوية ومساعدات غذائية وفرق طبية.
ويشير الهاكش لـ"العربي الجديد" إلى أنه يفترض بالنظر للعدوان غير المسبوق الذي يتعرض له الفلسطينيون تسريع عمليات جمع التبرعات الشعبية عبر فتح حساب مصرفي خاص، على غرار ما حدث في مناسبات سابقة.
ويعتبر أن حجم التضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي تجلّى في مسيرات ووقفات احتجاجية في العديد من المدن، يمكن أن يتحول إلى نوع من التعبئة بهدف إيصال المساعدات للفلسطينيين الذي يتعرضون لأبشع عدوان عبر التاريخ.