الريال اليمني يتحول إلى "العملة الثانية": اتساع التعامل بالورقة الخضراء في الأسواق والعقارات
باتت العملة المحلية اليمنية في وضعية صعبة بعد سلسلة متواصلة من الانهيارات في سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية واقترابه من تجاوز الألف الثاني في ظل إجراءات حكومية عاجزة عن إيقاف هذا التدهور الذي جعل الريال بمثابة عملة تداول ثانية بعد الدولار.
ويرفض كثير من التجار وملاك العقارات والأراضي وقطاعات واسعة من الأعمال التعامل بالريال اليمني ويستبدلونه بالدولار في تعاملاتهم اليومية بحجة عدم استقرار سعر الصرف وتجنب أي خسائر مكلفة قد تتسبب في إفلاسهم.
وتواصل العملة اليمنية تدهورها وفقدان المزيد من قيمتها وتأكلها ورفض التعامل بها مع اقتراب سعر الصرف من 2000 ريال للدولار في عدن ومناطق الحكومة اليمنية في أوقات سابقة، قبل أن تشهد تحسنا، خلال الأسبوع الجاري، لتصل إلى أقل من 1300 ريال بعد تلقي البنك المركزي اليمني والحكومة اليمنية، دعما سياسيا ودبلوماسيا قويا من اللجنة الرباعية الدولية حول اليمن والتي تضم بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية والإمارات.
وانضمت مؤخراً التحويلات المالية الداخلية إلى القطاعات المتعاملة بالدولار والريال السعودي، إذ يعمد كثير من المواطنين في جميع المحافظات اليمنية إلى استبدال المبالغ من العملة المحلية التي يريدون تحويلها إلى الدولار أو الريال السعودي بعد ارتفاع عمولة التحويل التي يتم استقطاعها من مناطق الحكومة اليمنية إلى تلك التي يسيطر عليها الحوثيين إلى حوالي 60 في المائة.
المواطن حسين الصرمي، العامل بالأجر اليومي في مدينة عدن، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يتبع خطوة استبدال العملة المحلية بالأميركية عند إرساله المصروف الشهري الذي يرسله إلى عائلته التي تسكن في محافظة إب وسط اليمن، لأنّ تحويل مبلغ يصل إلى 80 ألف ريال يمني يكلف أكثر من 45 ألف ريال رسوم تحويل تستقطعها شركات الصرافة، بينما تحويل 100 دولار مثلاً لا يكلف أكثر من 600 ريال يمني.
ويؤكد مواطنون في أكثر من مدينة يمنية خصوصاً في العاصمة صنعاء والعاصمة المؤقتة عدن، أنّ مرافق صحية ومستشفيات أصبحت تطلب من المرضى تسديد فواتير التداوي والعلاجات بالدولار.
ويقول محمد عبد الغني، من سكان العاصمة اليمنية صنعاء، لـ"العربي الجديد" إنّ بعض المستشفيات تطلب من المرضى الذين يحتاجون لإجراء عمليات جراحية تسديد التكلفة المطلوبة والمحددة من قبل المستشفى والتي تصل إلى مبالغ كبيرة بالدولار وكثير منها تشترط أن يتم دفع المبلغ مقدماً.
كما يشترط ملّاك عقارات تسديد الإيجار الشهري بالدولار في العقود المبرمة مع المستأجرين، ويشمل ذلك العقارات السكنية والمحال التجارية ومختلف العقارات المستخدمة للأغراض العامة والخاصة.
وتعد المساكن وإيجاراتها الباهظة في طليعة الأزمات التي أنهكت الأسر اليمنية التي تكافح بصعوبة لتوفير مصادر دخل تعينها على تلبية احتياجاتها من الغذاء والدواء، فيما يلاحظ تدفق أموال ضخمة في تجارة الأراضي والعقارات المزدهرة في معظم المدن اليمنية الرئيسية بعدما أصبح الدولار ومن ثم الريال السعودي عملتين شبه رسميتين في هذا النوع من التعاملات التجارية، مع ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات في صنعاء وانتشار المناطق العشوائية وعمليات البسط (سيطرة) على الأراضي والعقارات في عدن.
وفي هذا السياق، يشدد الخبير في القانون التجاري، خالد النجار، لـ"العربي الجديد"، على عدم قانونية التعامل بغير الريال اليمني وفق كل القوانين اليمنية النافذة ومنها القوانين المتعلقة بتنظيم العمل التجاري أو قانون إنشاء البنك المركزي اليمني والذي تنص إحدى مواده على أن كل عقد أو بيع أو دفع كمبيالة أو صك أو ضمان نقدي وكل معاملة أو صفقة أو أي شيء آخر له صلة بالنقود يبرم ويتم على أساس العملة اليمنية.
ورصدت "العربي الجديد"، ما تشهده مدن يمنية مثل عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً من تغيرات في التعاملات اليومية التجارية في الأسواق ورفض تجار الجملة وباعة المواد الغذائية والاستهلاكية قبول العملة المحلية وفرض الدولار في تعاملاتهم اليومية.
كما يلاحظ أن كثير من المعاملات والصفقات اليومية التي تجري في قطاع الأعمال في مختلف الأسواق اليمنية تلغى مرات عديدة نتيجة للاضطراب الحاصل في الأسواق، رغم أن بعضها تكون عقود وصفقات نافذة وغير قابلة للإلغاء مع تغير سعر الصرف، وهو ما يؤدي إلى تحمل كثير من التجار والمتعاملين في الأسواق خسائر باهظة فرق صرف العملة المحلية.
وتحركت السلطة المحلية في محافظة عدن منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لمواجهة التراجع المتصاعد للريال اليمني في التعاملات اليومية واستبداله بالدولار أو الريال السعودي، إذ وجه محافظ عدن أحمد لملس، ملاك العقارات بمنع تأجير المساكن بالعملة الصعبة الدولار والريال السعودي والتهديد بمعاقبة المخالفين لهذه التوجيهات.
ويأتي ذلك استناداً إلى نتائج اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي والتي قضت إحداها بعدم قانونية أي عقود أو تعاملات بالعملة الأجنبية واقتصار التعامل الداخلي بالعملة الوطنية بما فيها إيجارات العقارات التي تشكل مصدرا للطلب على العملة الصعبة.
ناهيك عن معالجة الأثار الناجمة عن فرض إيجارات العقارات السكنية والعقارية بالعملة الصعبة من أعباء وتكاليف باهظة فاقمت معاناة المواطنين والمستأجرين من القطاع التجاري، حسب مراقبين.
الخبير المصرفي، جلال الحمادي، يوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أحد أهم أسباب الاختلالات الحاصلة في سوق الصرف وانهيار العملة اليمنية يتمثل في الضخ المتواصل للنقد المطبوع من جميع الفئات الورقية والذي يتجاوز 600 مليار ريال يمني.
ويضيف أن هذه الكتلة النقدية خلقت تشوهات في السوق المصرفية وأعاقت الإجراءات الحكومية لضبط سوق الصرف وتدهور العملة المحلية، إضافة إلى تسبب هذا النقد المطبوع في تغذية عمليات المضاربة في سوق العملة وتشكل فئة كبيرة من التجار والصرافين الذي يقومون باستخدام هذه العملة المطبوعة المتدفقة إلى الأسواق لشراء العملة الصعبة كالدولار، وهو ما يؤدي إلى تدهور سعر صرف الريال اليمني.