تزداد مخاوف العراقيين من تراجع جديد للدينار متأثراً بسلسلة من الانهيارات التي شهدتها عملات محلية لدول مجاورة وأخرى قريبة منها، أبرزها تركيا وإيران ولبنان، وهو ما دفع المواطنين إلى الإسراع بالتخلص من العملة المحلية التي بحوزتهم واستبدالها بالدولار، فضلا عن حصر عمليات البيع والشراء بالعملة الصعبة من قبل بعض أصحاب الشركات ومعارض السيارات وبعض المصالح التي ترتبط تعاملاتها بالدولار، خوفا من انهيار مفاجئ للدينار أمام الدولار، وهو الأمر ذاته بالنسبة للشركات التي تتعامل بالقروض والديون والتعاملات آجلة الدفع جعلت من الدولار صيغة تعامل ثابتة لهم بدلا من الدينار.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال مدير شركة الربيع لبيع الهواتف النقالة أيسر العبيدي، إن "عددا من أصحاب شركات بيع الهواتف النقالة بالجملة فرضت على زبائنها التعامل بالدولار فقط، نتيجة للظروف الأمنية التي تعيشها البلاد، فضلا عن حالة عدم الاستقرار التي يمر بها الاقتصاد العراقي، ولا سيما أن جميع التوقعات تشير إلى أن العراق قد يدخل بأزمة اقتصادية كبيرة بسبب الصراع الكبير على تشكيل الحكومة وتأخر الموازنة نتيجة لهذه الصراعات والمتحور الجديد لفيروس كورونا".
وأضاف أن "العملة المحلية بدأ تداولها ينخفض شيئا فشيئا في السوق العراقية، وأخذ تداولها ينحصر في محلات بيع المفرّق وأمور الحياة الأخرى، في حين بات أصحاب المحال الضخمة مضطرين إلى استبدال العملة المحلية بالعملة الصعبة (الدولار) في شراء بضائعهم".
وأشار إلى أن "حالة من الخوف والذعر أصيب بها المواطنون دفعت معظمهم إلى تحويل ما لديهم من أموال محلية إلى دولار تحسباً لأي طارئ، وخصوصاً بعد الانهيار الكبير والمفاجئ لليرة التركية".
من جهته، قال حيدر التميمي مدير شركة السلاسل للصيرفة، في حديث مع "العربي الجديد" إن "سعر صرف الدولار مستقر في السواق العراقية، بالرغم من الإقبال الكبير من قبل المواطنين على شرائه".
وشرح أن "تزايد إقبال الناس على شراء الدولار يعود لسببين، السبب الأول بهدف التعاملات اليومية لبعض أصحاب المصالح لغرض التجارة وعمليات البيع والشراء التي بدأت تفرض التعامل بالدولار، والسبب الثاني هدفه اقتناء الدولار من قبل المواطنين تحسباً لأي انهيار أو طارئ اقتصادي يشهده العراق مستقبلا".
وأضاف أن "الشارع العراقي يترقب وبحذر وضع العملة المحلية المنهارة"، مشيرا إلى أن أغلب أصحاب الأموال متخوفون من انهيار العملة المحلية، كما حدث في تركيا ولبنان وإيران واليمن".
وكان مجلس الوزراء العراقي قد أعلن في 19 من ديسمبر/كانون الأول العام الماضي عن رفع سعر بيع الدولار للبنوك وشركات الصرافة إلى 1460 دينارا بدلا من 1200 دينار للدولار الواحد، بهدف تعويض تراجع الإيرادات النفطية الناجم عن تدهور أسعار النفط، لتشهد على أثر ذلك السوق العراقية ارتفاعا كبيرا في السوق المحلية ما أثار موجة استياء شديدة بين الأوساط الشعبية وبعض الكتلة السياسية فضلاً عن اعتراضات بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي.
وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي على الفريجي، لـ"العربي الجديد" إن "السوق العراقية تعتمد بشكل كبير جدا على البضائع المستوردة، خصوصاً من تركيا وإيران، ونتيجة لذلك فإن أي انهيار اقتصادي في الدول المصدرة إلى العراق سيؤثر بشكل أو بآخر بسبب سياسة الدولة الخاطئة في التعامل مع الأزمات الاقتصادية التي يتعرض إليها العراق".
وأضاف أن "تخلي بعض المواطنين من أصحاب المصالح الاقتصادية عن التعامل بالعملة المحلية واعتماد تعاملهم بالعملة الصعبة يكشف مدى تخبط الدولة في إدارة الملف الاقتصادي، الذي أفقد الشارع الإحساس بقيمة العملة المحلية، وهي مشكلة أخرى من مشاكل رفع قيمة الدولار أمام الدينار العراقي".
ولفت إلى أن "دول العالم عندما تسعى في بناء اقتصادها، فإنها تبدأ بتقوية عملتها المحلية أمام الدولار، على عكس ما حدث في العراق، معتبراً ذلك خللاً في ميزان البناء الاقتصادي".
وأشار إلى أن "فرض التعامل بالدولار من قبل بعضهم يُعد أحد التداعيات الخطيرة جداً التي من الممكن أن تضعف قيمة العملة المحلية".
إلى ذلك، قالت عضو اللجنة المالية في الدورة البرلمانية السابقة نجيبة نجيب لـ"العربي الجديد" إن "إقبال المواطنين على شراء العملات الصعبة، خصوصاً الدولار في الآونة الأخيرة وحصر عمليات البيع والشراء من قبل بعضهم يؤكد فقدان ثقة العراقيين بالعملة المحلية، لكنها في الوقت نفسه تستبعد انهيار العملة المحلية للعراق كما حصل لليرة التركية مؤخراً والتومان الإيراني، وذلك بسبب اختلاف السياسة النقدية من بلد لآخر".
وأضافت أن "انهيار العملات المحلية لعدد من الدول العربية والإقليمية المحيطة بالعراق سيكون لها تأثير كبير على عمليات التبادل التجاري مع هذه البلدان".
وتعتقد نجيب أن "حصر التعامل المالي من قبل بعض أصحاب المصالح بالعملة الصعبة سيكون له تأثير نسبي على الاقتصاد العراقي والسوق العراقية، لكون سياسة العراق الاقتصادية تعتمد على النفط الذي ما تزال قيمته في الأسواق العالمية تتراوح بين 75 و80 دولارا للبرميل".