التصدير يفاقم أزمة البصل في 3 دول... تعرف إليها

07 مارس 2023
الأسواق العربية تعاني من قلة المعروض وارتفاع الأسعار (العربي الجديد)
+ الخط -

كان التصدير في كل من مصر ولبنان العامل الأبرز في شح المعروض من البصل، وبالتالي التسبب في موجات غلاء قياسية. وفي المغرب ما زالت أسعاره مرتفعة في سوق التجزئة، رغم استقرارها نسبياً بعد تدابير اتخذتها السلطات العمومية على مستوى التموين والتصدير ومراقبة السوق.

اختفاء البصل في مصر

اختفى البصل من الأسواق المصرية وتحوّل إلى ذهب أحمر وأصفر، بعد أن شهد طفرة في الطلب أدت إلى تضاعف سعره بمعدل 22 مرة خلال 4 أشهر، ليبلغ مستوى قياسيا لم يشهده من قبل.

وبعد أن ترك المزارعون زراعته، في موسم الحصاد خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين، لهبوط سعر الكيلوغرام إلى نصف جنيه في المزارع، ارتفع سعر البصل في الأسواق إلى 22 جنيهاً للذهبي و17 جنيهاً للأحمر خلال الأيام الماضية (الدولار= نحو 30.8 جنيهاً).

تمر أسعار البصل بتقلبات حادة منذ سبتمبر/أيلول الماضي، بدأت بموجة من الطلب على البصل المصري، من باكستان، التي أغرقت السيول ثلث أراضيها، وطمرت الأراضي الواسعة المزروعة بالبصل المنافس للمنتج المصري، بالسعر والجودة في الأسواق التصديرية ومنها الخليج.

كما أغرقت الأمطار الموسمية، نهاية الصيف الماضي، مساحات واسعة في الفيليبين والصين والهند، بينما كان الإنتاج المصري يزداد وفرة، ولم يجد من يجنيه في أرضه، مع ارتفاع تكلفة الحصاد.

يقول تاجر خضروات في سوق الجملة بالجيزة، غرب القاهرة، محمود فراج النِحَيِف: أسعار البصل بدأت بالارتفاع التدريجي في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد انتشار أنباء عن ارتفاع أسعاره في جنوب شرق آسيا إلى 6 دولارات للكيلوغرام، وزيادة الطلب من السعودية، ووجود طلب لأول مرة من أسواق قطر وزيادة تصديره إلى عُمان والإمارات وروسيا، إذ زاد سعر الكيلوغرام من 3 إلى 7 جنيهات.

يؤكد النحيف لـ"العربي الجديد" أنّ لجوء التجار إلى جمع بصل الموسم الماضي، ودفعه إلى أسواق التصدير بكميات هائلة، على مدار الشهرين الماضيين، وافقه بالتوازي طلب شركات الأدوية الأوروبية على شراء البصل المصري.

ويوضح أن ارتفاع سعر البصل عالمياً شجع التجار على تصدير كل الكميات المتبقية لدى المزارعين والموجود في المخازن، مشيراً إلى أنّ شح الكميات المخزنة، أدى إلى ارتفاع أسعاره خلال الأسبوعين الماضيين من 10 إلى 13 جنيهاً في سوق الجملة، ليصل الآن إلى 17 جنيهاً للكيلوغرام، مع توقع زيادته إلى أرقام فلكية مع استمرار الطلب على التصدير للخارج، ولجوء الفلاحين إلى حصد البصل الجديد الذي يحل موسمه الشهر المقبل، لجمعه قبل أوانه، وبيعه بأعلى سعر للمصدّرين، من دون توجيه أيّ كميات للاستهلاك المحلي.

قال تجار في سوق العبور شمالي العاصمة لـ "العربي الجديد" إن تعرّض مساحات واسعة من أراضي جنوبي تركيا المتخصصة في زراعة البصل، لدمار شامل جراء الزلازل الأخيرة، أدى إلى عدم قدرتها على توفير البصل المتفق على تصديره إلى روسيا وشرقي أوروبا من داخل أراضيها، فلجأت شركات هناك إلى شراء البصل المصري، كبديل للمنتج التركي.

وكشف أحد مصدّري الحاصلات الزراعية عن توقيع الحكومة اتفاقاً مع مسؤولين سوريين وأتراك على تصدير نحو 500 ألف طن من البصل إلى البلدين، خلال الشهرين القادمين، لتعويض العجز في الإنتاج المحلي، مستفيدين من تحسّن العلاقات السياسية مؤخراً.

أشار المصدر إلى أن تجميع الكميات المتجهة إلى سورية وتركيا تتم من مناطق الإنتاج الرئيسية في محافظات الغربية والدقهلية والقليوبية (شمال مصر)، لتصدر عبر ميناء دمياط والشاحنات المتجهة للأردن، بينما تتجه شحنات من الجيزة (غرب) والفيوم وسوهاج وقنا (جنوب) إلى سفاجا للاتجاه إلى السعودية ودول الخليج.

تؤكد دراسة علمية لمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، أن البصل المصري يواجه مشاكل متكررة تجعل إنتاجه أقرب إلى الثبات، وسعره متلقبا بحدة، وفقاً لحالة السوق في الداخل، وأن 19% من التغيرات في متوسط نصيب الفرد من البصل، مرتبط بتغير الدخل الحقيقي للمواطن، الذي يستخدمه في معظم أنواع الأطعمة، خاصة الوجبات الشعبية.

يزرع المصريون ما بين 180 ألفا إلى 200 ألف فدان سنويا، وتأتي محافظة الغربية بوسط دلتا النيل على قائمة المناطق الأكثر اهتماما بزراعة البصل الذهبي "الأصفر" وتجارته، إذ تستحوذ على 23% من إجمالي المساحة، تليها محافظات الدقهلية بنسبة 12.3%، والبحيرة 8.17%، والقليوبية 6.2%، والشرقية 6.1%. وتزرع محافظات سوهاج وبني سويف والجيزة والفيوم في الوجه القبلي، البصل الأحمر، بنسب تتراوح ما بين 5% و7% من المساحات سنويا.

يتذبذب الإنتاج ما بين 1.5 مليون إلى 2.3 مليون طن سنويا، ويتراوح الاستهلاك للفرد ما بين 10.7 كيلوغرامات و19.5 كيلوغراماً في الموسم، تدفع إلى وجود فائض ما بين 500 ألف إلى مليون طن للتصدير.

يأتي السوق السعودي الأكثر انتظاماً في طلب البصل المصري، لقرب مناطق إنتاجه ومنافذ تصديره بين ميناءي سفاجا وجدة على البحر الأحمر. استوردت السعودية نحو 250 ألف طن في المتوسط خلال الأعوام الماضية بسعر متوسط بلغ 361 دولارا للطن. احتل السوق الروسي المرتبة الثانية بنحو 58 ألف طن بسعر 325 دولارا للطن، ثم الهولندي بنحو 31 ألف طن، بسعر 164 دولاراً للطن، لوجود منافسين سعريا من ألمانيا وبولندا.

رغم وجود طفرة تصديرية في البصل جعلته يحتل المرتبة الثالثة في قائمة صادرات الحاصلات الزراعية بلغت قيمتها 3.3 مليارات دولار عام 2022، وفقا لتصريحات وزير الزراعة، السيد القصير، إلا أن خسائر المزارعين المتكررة دفعت نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، إلى مطالبة الدولة بأن تخضع زراعته لضوابط دورات زراعية، تضمن سعرا تعاقديا بين الدولة والفلاح لحماية المزارعين من الخسائر الفادحة.

جاءت طفرة صفقات التصدير الموسم الحالي، 2022-2023، بعد 5 أشهر من معاناة الفلاحين أثناء موسم الحصاد، فقد فضّل بعضهم حرثه بالأرض أو جمعه لبيعه علفا للحيوانات، مع تراجع سعر الجوال وزن 60 كيلوغراماً إلى 50 جنيهاً، بما يحقق خسائر في الإنتاج تصل قيمتها إلى 10 آلاف جنيه بالفدان.

يعبّر المزارع إبراهيم عبد الحميد الذي تحول إلى تجارة البصل بمحافظة الغربية عن فرحته بـ "تحسّن السوق" الذي أنقذه من خسائر تعرّض لها مرارا. يقول عبد الحميد، لـ"العربي الجديد": صدق المثل الشعبي "قيراط حظ ولا فدان شطارة" بعد أن تحول خزين البصل لأول مرة إلى كنز من الذهب الأصفر أو الأحمر.

إجراءات حكومية في لبنان

في لبنان، شهدت الأسواق منذ فترة أزمة بصل "شحّاً وغلاءً"، رغم أن هذه السلعة تُزرَع بوفرة في البلاد وتُصدَّر إلى دول مجاورة، وكميّات إنتاجها تتخطّى في كثير من الأوقات نسبة استهلاكها. فكان المواطنون أمام أرقام غير مسبوقة، مع تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد 100 ألف ليرة.

وعزت وزارة الزراعة في بيان لها أسباب الارتفاع الحاصل في سعر منتج البصل داخل الأسواق اللبنانية إلى "ارتفاع كلفة النقل والشحن العالمي، بالإضافة إلى زيادة الصادرات اللبنانية من منتجات زراعية، بسبب تدنّي سعر صرف العملة الوطنية على حساب الدولار الأميركي، ما شجّع عمليات التصدير باتجاه الدول المجاورة أكثر فأكثر، حتى قاربت ضعفي نسبة السنوات السابقة".

وأضافت وزارة الزراعة في الأسباب أيضاً: "تدنّي واردات المنتج، رغم أن عملية استيراده من جميع دول العالم تعتبر متاحة في الفترة الممتدة بين 15 ديسمبر/كانون الأول إلى 31 مارس/آذار من كل عام".

وربط رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع، إبراهيم ترشيشي، الأزمة بالدرجة الأولى بإقدام تاجر على شراء البصل من المزارعين في لبنان، وتحميله إلى ليبيا التي تعاني من أزمة، بهدف بيعه بأسعار مرتفعة، تفوق تلك المعتمدة في لبنان، الأمر الذي أدى إلى تراجع الكميات التي تشغل السوق المحلي اللبناني، وبالتالي رفع سعره محلياً إلى أكثر من 100 ألف ليرة.

ومن المعروف أن البصل في لبنان كان من السلع الرخيصة جداً، فبالكاد كان يصل سعر الكيلوغرام إلى 500 أو 1000 ليرة، وحتى في خضم الأزمة الاقتصادية، أي منذ عام 2019، بقي محافظاً على أرقام مقبولة نسبياً مقارنة بباقي السلع، لم تتخطَّ الأربعين ألفا.

وإزاء ما حصل، أصدر وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحاج حسن، قراراً قضى بإخضاع تصدير البصل من لبنان إلى إذن مسبق.

في السياق، يقول رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع إبراهيم ترشيشي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمة أصبحت وراءنا وانتهت، وقد تم استيراد شحنة من مصر"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن تحديد سعر معيّن لبيعه، فكل يوم يتغيّر، تبعاً لمسار سعر صرف الدولار، خصوصا أنه مستوردٌ في هذه الفترة، وكل محلّ يعتمد تسعيرة مختلفة عن الآخر، ويصعب ضبط هذا الأمر، لكن سعر الطن الواحد يتراوح بين 500 و550 دولارا أميركيا عند استيراده إلى مرفأ بيروت".

ويلفت ترشيشي إلى أن السبب الأساسي وراء الأزمة في لبنان هو سوء التقدير على صعيد الاستيراد والتصدير، في حين أن السبب المباشر لارتفاع أسعاره عالمياً، يعود إلى السيول والأمطار والفيضانات التي ضربت الهند وباكستان وقضت على قسم كبير من زراعات البصل.

ويشير ترشيشي إلى اعتماد لبنان في البصل على الإنتاج المحلي بالدرجة الأولى، إذ يبدأ في الأول من مايو/أيار في محافظة عكار، شمالي البلاد، ويستمر الإنتاج حتى 15 أكتوبر/تشرين الأول، ويتراوح بين 60 و70 ألف طن سنويا، ليستهلَك القسم الأكبر منه ويصدَّر الباقي إلى الخارج.

ويوضح رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع، أن لبنان يبدأ في 15 أكتوبر بتخزين البصل في المستودعات والبرادات إلى تاريخ 1 مارس/آذار، وفي الشهرَيْن الفاصلَيْن، يعتمد على الاستيراد من الخارج، مهما كان سعره، وحكماً عندما يرتفع عالمياً، كما هو حاصل اليوم، ينعكس لبنانياً، بشرائه بأغلى الأثمان، بالدولار، وهو سعرٌ يحتسب وفق سعر الصرف محليا، المعروف بتقلباته السريعة، والذي يتخطى اليوم عتبة الـ80 ألف ليرة وتجاوز قبل أيام الـ90 ألفا.

ويلفت ترشيشي إلى أن لبنان خلال فترة الشهرين يستورد البصل من مصر، بكميات تتراوح بين 10 و15 ألف طن، علماً أن حاجة السوق تقريباً 100 طن يومياً.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

من جهته، يقول المهندس الزراعي حنا مخايل، لـ"العربي الجديد"، إن سبب الأزمة لبنانياً ارتبط بفتح باب التصدير، واللوم هنا يقع على وزارة الزراعة والإدارة الزراعية التي سمحت بتصدير المنتج ودفعت اللبنانيين إلى شرائه بأسعار مرتفعة من دون تأمين لهم أي اكتفاء ذاتي.

ويلفت مخايل إلى أن لبنان ينتج تقريباً من 60 إلى 80 ألف طن سنويا، لكنه في المقابل، يستهلك فقط بين 36 إلى 40 ألف طن من البصل، خلال فترة السنة، من هنا كانت أسعاره تعد رخيصة نسبة إلى كميات إنتاجه الكبيرة.

تقليص التصدير في المغرب

في المغرب، مازالت أسعار البصل مرتفعة في سوق التجزئة، رغم استقرارها بعد تدابير اتخذتها السلطات العمومية على مستوى التموين والتصدير ومراقبة السوق.

ويراهن المغرب مع قرب حلول شهر رمضان على خفض أسعار البصل التي بلغت مستويات لم تعهدها الأسر كثيرا، ما دفع السلطات العمومية إلى اتخاذ تدابير لتعظيم العرض.

وسعت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، إلى إقناع المنتجين والمصدرين، عبر اجتماعات مع ممثليهم، بإعطاء الأولوية للسوق المحلي في الفترة الحالية، في ظل ارتفاع أسعار مثل البصل والطماطم والبطاطس.

وتجلى أن ارتفاع الأسعار بدأ منذ العام الماضي بفعل الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج المتمثلة في الأسمدة والمبيدات، إذ تضاعفت التكاليف ثلاث مرات، ونقلت الإنفاق في الهكتار الواحد من 3 آلاف إلى 9 آلاف دولار.

ويصل إنتاج المغرب من البصل سنويا إلى حوالي 900 ألف طن، من بين 200 ألف طن توفرها منطقة الحاجب، علما أن المساحة المخصصة لتلك السلع تبلغ 22 ألف هكتار.

واتخذ المغرب قرارا بتقليص صادرات البصل، وهو القرار الذي شمل كذلك الطماطم والبطاطس، وهي السلع الغذائية التي يكثر عليها الطلب من قبل الأسر، خاصة في شهر رمضان.

وهدأت موجات ارتفاع أسعار البصل في الفترة الأخيرة، غير أنها ما زالت في مستويات غير معهودة في السوق المحلي، علما أنها بلغت في 2019 مثلا حوالي 1.3 دولار للكيلوغرام الواحد.

وتراوح سعر البصل الأحمر، أول من أمس الأحد، في سوق التجزئة، حسب القرب من مناطق الإنتاج، بين 0.8 و1.2 دولار للكيلوغرام، بينما بلغ سعر البصل الأخضر حوالي 0.6 دولار.

ويتجلى أن ثمة فرقا كبيرا بين أسعار الجملة وتلك المعتمدة في أسواق التجزئة، حسب ما يستفاد من بيانات شركة الدار البيضاء للخدمات، التي تتولى مهمة تدبير ومواكبة وتتبع الخدمات العمومية الموجهة لسكان تلك المدينة مثلا.

ويؤكد رئيس جمعية منتجي البصل بمنطقتي الحاجب وبوفكران، عبد النبي الزيراري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن السعر الذي يبيع به المنتجون للبصل الأحمر سلعهم للتجار يصل إلى 0.6 دولار للكيلوغرام.

وكانت الحكومة أكدت على الدور الذي يلعبه الوسطاء والمضاربون في رفع أسعار الخضار في السوق، إذ أنحت عليهم باللائمة في الفترة الأخيرة، في الوقت الذي عززت تدابير المراقبة في السوق بهدف تعقب عمليات المضاربة والاحتكار المحتملة.

ويتوقع الزيراري أن تنخفض الأسعار في الفترة المقبلة، خاصة مع تزامن شهر رمضان الذي يشهد ارتفاعا كبيرا في الطلب، مع وفرة العرض من البصل الأخضر الذي يقل سعره عن الأحمر.

المساهمون