الباعة الجائلون في المغرب... انتشار يُحيّر الحكومة والمهنيين

16 ديسمبر 2021
بائع جائل يعرض الخبز على عربة في الرباط (فرانس برس)
+ الخط -

لم تنجلِ الحيرة التي يبديها المسؤولون والمهنيون في المغرب، أمام تمدد ظاهرة الباعة الجائلين وتوسع أنشطتهم، رغم التصريحات الحكومية المتكررة بشأن رغبتها في محاصرة هذه الظاهرة ودمج الناشطين فيها في الاقتصاد الرسمي عبر إغراءات عدة.

تكشف البيانات الرسمية والدراسات المتخصصة، أن ليس كل الباعة الجائلين غير حاصلين على مؤهلات علمية، فقد أضحى ذلك النشاط يجذب حملة شهادات جامعية استعصى عليهم الحصول على فرصة عمل في الاقتصاد الرسمي، فيما يتوقع خبراء اقتصاد أن تزيد الأزمة المرتبطة بوباء كورونا أعدادهم.

 وزارة الصناعة والتجارة قدرت أعداد الباعة الجائلين بنحو 430 ألف شخص، مشيرة إلى أن معدل عمر البائع يصل إلى 41 عاما، ويحقق إيراداً شهرياً في حدود 330 دولارا

فقد كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي، قبل يومين، عن تقرير يتناول ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي، الذي يشمل الباعة الجائلين، متضمنا توصيات تتعلق بسبل مكافحة ذلك النشاط.

لكن محمد الذهبي، كاتب عام (الأمين العام) الاتحاد العام للمقاولات والمهن، يشير في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى صعوبة تحقيق هذا الهدف، لاسيما في ظل تداعيات جائحة كورونا.

ويؤكد الذهبي أنه رغم الدراسات التي سعت للإحاطة بعدد الباعة الجائلين، إلا أن أعدادهم تتجاوز كل التقديرات، وهو ما تجلى مع الأزمة الصحية التي كشفت عن حجم القطاع غير الرسمي في المملكة.

دعم مالي لأكثر من خمسة ملايين أسرة

وكانت الدولة لجأت إلى تقديم دعم مالي لأكثر من خمسة ملايين أسرة في ظل الحجر الصحي العام الماضي، ما دفع خبراء اقتصاد إلى التأكيد على أن عدد الأسر المدعومة يلفت الانتباه إلى الحيز الذي يشغله هؤلاء ضمن القطاع غير الرسمي في الاقتصاد، والذي يمثل الباعة الجائلون حيزاً كبيراً منه.

وأنجزت وزارة الصناعة والتجارة بحثاً حول الباعة الجائلين قبل سبعة أعوام، حيث قدر عددهم بنحو 430 ألف شخص، موضحة أن معدل عمر البائع يصل إلى 41 عاما، ويحقق إيراداً شهرياً في حدود 330 دولارا.

ويحتاج البائع الجائل، الذي يشتغل ستة أيام في الأسبوع وتسع ساعات في اليوم، إلى حوالي 85 دولارا من أجل ممارسة تجارة الخضر والفواكه، ومبلغ يتراوح بين 220 و1100 دولار لممارسة تجارة السلع الأخرى.

ويتجلى أن 80% من الباعة الجائلين يمارسون التجارة الجائلة منذ 5 أعوام فأكثر، بل إن ما يقرب من 60% من الباعة الجائلين يمارسون ذلك النشاط منذ ما لا يقل عن عشرة أعوام، وفق وزارة الصناعة.

وتفيد البيانات الرسمية بأن 80% من الباعة الجائلين لم يمارسوا أي مهنة من قبل وكانوا عاطلين عن العمل، ما يؤكد، حسب الدراسة، أن التجارة الجائلة تشكل بديلاً لتأمين مورد الرزق بالنسبة لعدد كبير من الأفراد العاطلين.

ويعترف التقرير الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بكون الباعة الجائلين يساهمون بشكل مباشر وغير مباشر في رفع مستوى النشاط الاقتصادي والرواج التجاري بالنظر إلى حجم وتنوع البضائع التي يسوقونها.

  80% من الباعة الجائلين يمارسون التجارة الجائلة منذ 5 أعوام فأكثر، وفق وزارة الصناعة

ويشير المجلس إلى أن أولئك الباعة يتيحون للمستهلكين، خاصة من الطبقات المتوسطة والفقيرة حرية أوسع في التبضع بأسعار تنافسية، مع امتياز القرب وتوفر العرض التجاري في حيز زمني واسع ومرن.

ووفق بيانات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط حول الشغل والبطالة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن معدل البطالة تراجع في الربع الثالث من العام الجاري 2021، إلى 11.8% من 12.7% في الربع المناظر من العام الماضي، إذ انتقل عدد العاطلين عن العمل من 1.482 مليون شخص إلى 1.447 مليون، وهو ما يعادل انخفاضاً بنسبة 2%.

وتفيد البيانات، أن عدد العاطلين تقلص بنحو 35 ألفا، بفعل تراجع ذلك العدد بـ60 ألفا في الأرياف وزيادة عدد العاطلين بـ25 ألفا في المدن في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو الشهر الذي شهد الانتخابات التشريعية.

وفي ظل هذه الإحصاءات، يلفت المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقريره، الذي اطلعت "العربي الجديد" عليه، إلى أن التجارة الجائلة، التي برهنت جائحة كورونا على مزاياها الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية، تتيح لفئة واسعة من الأفراد الذين لا يتمتعون بتكوين (تعليم وتدريب) يسمح لهم بالاندماج في العمل كي يمارسوا نشاطا مُدراً للدخل.

غير أن التقرير يشير إلى أن هناك جوانب سلبية تنطوي عليها تلك التجارة، كالفوضى الناجمة عن احتلال الأملاك العمومية، والضوضاء وعرقلة حركة المرور والمنافسة غير المتكافئة مع القطاع الرسمي.

ويقول توفيق فتوح، المسؤول عن محل للألبسة في مراكش، إن الباعة الجائلين الذين يقدر عددهم بالآلاف مثلا في الأسواق الرئيسية والأحياء الشعبية، يشكلون نوعا من المنافسة غير المشروعة للتجار الرسميين الذين يتحملون تكاليف إيجار المحلات وأجور العمال والضرائب.

 معدل البطالة تراجع في الربع الثالث من العام الجاري، إلى 11.8% من 12.7% في الربع المناظر من العام الماضي

يؤكد فتوح لـ"العربي الجديد" أن المنافسة التي يمثلها الباعة الجائلون تتجلى أكثر في هذه الفترة، حيث خففت السلطات العمومية التدابير الاحترازية، غير أن الطلب في الأسواق لم يعد بالوتيرة المرجوة، إذ يتجلى أن أولئك الباعة الذين ارتفع عددهم في ظل البطالة، يمثلون منافسة حقيقية للتجار الرسميين.

وسبق لتجار رسميين أن عبروا عن ضيقهم بالحضور الطاغي للباعة الجائلين الذين يعرضون بضاعتهم أمام محلات التجار الصغار الرسميين، حيث يعتبرون أنهم يساهمون في التضييق عليهم، خاصة مع انتشار المتاجر الكبرى والمتوسطة التي تغزو الأحياء الشعبية.

إغراءات حكومية لدمج الباعة الجائلين في الاقتصاد الرسمي

وقد سعت السلطات العمومية إلى إدماج 124 ألفا من بين 430 ألفا في الاقتصاد الرسمي، غير أن ذلك البرنامج الذي أراد الاعتماد على أسواق نموذجية دائمة، واجه صعوبات، تتمثل في تزايد أعداد الباعة الجائلين بنسبة 4% سنوياً وصعوبة تأمين العقارات بهدف بناء الأسواق النموذجية وضعف الرواج التجاري في تلك الأسواق.

ويضاف إلى ذلك غياب إطار قانوني لتنظيم الباعة الجائلين وصعوبة انتظامهم في جمعيات تمثلهم. كما يعاني العاملون في التجارة الجائلة من غياب الحقوق الاجتماعية كالحماية الاجتماعية والتأمين والتمثيل النقابي، والحرمان من الحقوق المرتبطة بعدد ساعات العمل والعطل، ما ينعكس سلبا على الاستقرار الاجتماعي والمهني.

ويقول محمد الذهبي، كاتب عام (أمين عام) الاتحاد العام للمقاولات والمهن، إنه عكس ما يعتقد لا يجذب نشاط الباعة الجائلين فقط الأشخاص الذين لم يحصلوا على مؤهل علمي، بل أضحى يستقطب حتى الأشخاص الحاصلين على شهادات جامعية، معتبرا أن معالجة وضعيتهم ترتبط بوضع إطار قانوني واضح.

ويرى الذهبي أن معالجة ظاهرة الباعة الجائلين لن تتحقق بالسعي لإبعادهم عن الشارع والأسواق التي عُرفت بهم، بل بتبني نظام ضريبي ملائم لهم وتوفير تمويل تنخرط فيه المصارف يراعي وضعياتهم، وتهيئة مناطق جاذبه لهم، بما يشجعهم على الاندماج في القطاع الرسمي، الذي يشكلون منافسة غير مشروعة له.

المساهمون