- القطاع الزراعي وتربية الماشية يواجهان تحديات بالغة تهدد بانهيار قطاع تربية الماشية وتأثيره على منظومة اللحوم الحمراء، مع تحذيرات من مخاطر على الأمن الغذائي.
- رغم الأزمة، تستمر الطبقات الواسعة من التونسيين في شراء الأضاحي، ما يخلق ديناميكية في الأسواق تتحدى الصعوبات المعيشية وتعكس التحديات الاقتصادية والبيئية التي تواجهها البلاد.
تتصاعد الدعوات في تونس إلى مقاطعة شراء أضاحي العيد، وسط تحركات صعودية للأسعار، فيما يرجع المربون والمنظمات الزراعية الغلاء إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج. ويمثل عيد الأضحى واحداً من أهم المواسم الاستهلاكية في تونس التي تنشط فيها الحركة التجارية، كما يعد هذا الموسم بالغ الأهمية لمربي الماشية الذين يعولون عليه في تسويق قطعانهم بعد تأثر أنشطتهم بتراجع القدرة الشرائية للمواطنين في السنوات الأخيرة.
يقول وسيم الزغواني، صاحب مزرعة لتربية الماشية، إن الجفاف الذي عاشته تونس على امتداد مواسم متتالية خلّف أضراراً كبيرة في قطاع تربية الماشية، الأمر الذي يحتاج القطاع فيه إلى سنوات من أجل تجاوزها. ويضيف الزغواني في تصريح لـ"العربي الجديد" أن أغلب مربي المواشي في تونس هم من صغار المزارعين الذين يتراوح متوسط قطيعهم بين 10 و15 رأسا وهم يعوّلون بدرجة كبيرة على المراعي لتغذيتها، غير أن نقص الأمطار دفعهم لشراء الأعلاف باهظة الكلفة، ما أثر على أسعار المواشي بشكل عام.
ويرى أن الدعوة إلى مقاطعة الشراء بسبب الأثمان المرتفعة أمر مبالغ فيها، مشيرا إلى أن العرض متنوع في أسواق الدواب ويمكن شراء أضاح بنوعية جيدة من الخراف لا يتجاوز سعرها 800 دينار (حوالي 257 دولاراً). لكن مواطنين يشيرون إلى أن الأسعار الواقعية تصل إلى 1500 (481 دولاراً)، وهو ما يتجاوز معدل الأجر الشهري لموظفي القطاع الحكومي المقدر بنحو 1387 ديناراً.
وتبين دراسة أجراها المعهد التونسي للقدرة التنافسية والاقتصاد الكمّي الحكومي، أن احتياجات التونسيين من أضاحي العيد تتمثل في 900 ألف خروف، وأن العرض عادة ما يتفوّق على الطلب، ما يسبب فائضاً في الإنتاج، غير أن فائض الإنتاج لا يؤثر بشكل ملموس على الأسعار. وكشفت الدراسة ذاتها أن 61% من التونسيين يختارون أضاحيهم بحسب إمكاناتهم المادية، فيما يشتري 23% الأضحية حسب النوعية و19% حسب الشكل و34% تعود شراءاتهم للأضحية، حسب عدد أفراد الأسرة والوزن.
وتجد دعوات مقاطعة الأضاحي صدى لدى منظمة إرشاد المستهلك التي طلبت بالاقتداء بتجارب دول ألغت شعيرة الأضحية لعام واحد من أجل إعادة ترميم القطيع وتحسين العرض والحد من ارتفاع الأسعار. وقال رئيس المنظمة لطفي الرياحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الأسر المنهكة بغلاء المعيشة قد تضطر إلى مزيد من الاستدانة من أجل شراء أضحية العيد.
وظهرت بوادر غلاء الأضاحي ونقص المعروض من العام الماضي، حيث سجلت السوق تراجعاً في المعروض بنحو 400 ألف رأس، وسط تقديرات بارتفاع الأسعار بنحو 20% مقارنة بالعام الماضي، نتيجة تأثيرات الجفاف على كلفة الإنتاج الحيواني عموماً.
وقدّر مسؤولون من اتحاد الفلاحة والصيد البحري (منظمة المزارعين) حينها تراجع معروض الخراف في السوق إلى حدود 1.2 مليون رأس، مقابل عرض يزيد عن 1.6 مليون خلال المواسم الماضية. لكن تراجع المعروض تعمّق هذا العام ليصل إلى 30% وسط توقعات بألا يتجاوز معروض القطيع أكثر من مليون أضحية، وفق اتحاد الفلاحين. ويعد الجفاف وعدم قدرة المربين على تجديد القطعان من أبرز أسباب ارتفاع أسعار الأضاحي واللحوم الحمراء، بحسب عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين حمادي بوبكري.
ويقول بوبكري لـ"العربي الجديد" إن طيفاً واسعاً من المربين تخلوا عن نشاطهم وانتقلوا إلى العمل في قطاعات أخرى أو نزحوا نحو المدن بسبب فقدانهم للقدرة على مواصلة النشاط في ظروف مناخية صعبة. ويضيف أن ارتفاع تكلفة الإنتاج وتقلص مساحات الرعي من أبرز أسباب الانهيار الوشيك لقطاع تربية الماشية، معتبرا أن الأمر يهدد منظومة اللحوم الحمراء برمتها. ويرى أن سوق الأضاحي هو المرآة العاكسة لقطاع تربية الماشية الذي يواجه تحديات عديدة، من أبرزها التحولات المناخية وتتالي مواسم الجفاف، مؤكداً أن الأسعار تشهد ارتفاعاً مدفوعاً بزيادة كلفة العلف.
ونهاية إبريل/نيسان الماضي حذرت منظمة المزارعين في بيان لها من مخاطر جدية تهدد ديمومة قطاع الفلاحة والصيد البحري وتشكل خطراً مباشراً على الأمن الغذائي الوطني. وطالبت المنظمة بإحداث مجلس أعلى للسيادة الغذائية لاتخاذ قرارات وصفتها "بالجريئة والثورية تفتح الطريق أمام بناء فلاحة وطنية متطورة وقادرة على المنافسة والصمود أمام التغيرات المناخية والتحولات العالمية".
ونبهت المنظمة إلى أن 85% من الناشطين في القطاع الفلاحي هم من صغار الفلاحين، الذين لا يملكون القدرة على الصمود أمام الأزمات المناخية والاقتصادية، وهو ما يستوجب إقرار استراتيجية وطنية خصوصية وعاجلة لإنقاذ أنشطتهم.
وتعاني تونس من تأثيرات تواصل موجة جفاف بدأت منذ 6 سنوات، وكان لها تأثير كبير على محاصيلها الزراعية ومساحات الرعي التي عرفت تراجعاً كبيراً بسبب النقص في كميات الأمطار. كذلك يعاني التونسيون من عام إلى آخر من تدحرج طبقات جديدة نحو الفقر، نتيجة زيادة الأسعار وبلوغ التضخم مستويات قياسية، لكن رغم ذلك تقبل طبقات واسعة من التونسيين على شراء الأضاحي رغم الضائقة المالية، وهو ما يخلق ديناميكية في الأسواق تتحدى الأزمة المعيشية، وفق محللين.