أزمة المركزي الليبي... ملامح العزلة الدولية بدأت

03 سبتمبر 2024
أحد البنوك في العاصمة طرابلس (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **أزمة مصرف ليبيا المركزي وتداعياتها الدولية**: يواجه مصرف ليبيا المركزي أزمة تهدد بعزله دولياً، حيث طالبت وزارة الخارجية الأميركية الأطراف الليبية بالحفاظ على مصداقية المصرف. أدى عدم اليقين إلى إعادة تقييم البنوك الأميركية والدولية لعلاقاتها بالمصرف، مما قد يضر بالاقتصاد الليبي.

- **استجابة الحكومة الليبية والإجراءات المتخذة**: أصدرت حكومة الوحدة الوطنية بياناً يؤكد تفهمها للمخاوف الأميركية، وأعلنت تسلم مجلس إدارة المصرف الجديد مهامه بسلاسة، مشيرة إلى أن تغيير الإدارة كان مطلباً دولياً.

- **استمرار الانقسام والمخاطر المحتملة**: رغم التطمينات الحكومية، لا تزال هناك مخاوف من انقسام المصرف المركزي، مما قد يؤدي إلى عزله دولياً ويعرض الدينار الليبي للانهيار ويؤثر على تدفق النفط بشكل غير شرعي.

لا يزال مصرف ليبيا المركزي تحيط به أزمة عاصفة منذ أسابيع، وسط ملامح عزلة دولية تهدّده مع ارتفاع مؤشرات المخاطر المحيطة به.

وطالبت وزارة الخارجية الأميركية الأطراف الليبية بضرورة اتخاذ خطوات للحفاظ على مصداقية مصرف ليبيا المركزي، من خلال سرعة العمل مع البعثة الأممية من أجل التوافق على حل لأزمة المصرف.

وشدد بيان مكتب شؤون الشرق الأدنى في الخارجية الأميركية على الحاجة إلى اتخاذ الأطراف الليبية خطوات للحفاظ على مصداقية المصرف من خلال حل لا يضر بسمعته، لافتاً إلى أن حالة عدم اليقين الناجمة عن الإجراءات الأحادية الليبية الجانب أدت إلى قيام البنوك الأميركية والدولية بإعادة تقييم علاقاتها بمصرف ليبيا المركزي، بل في بعض الحالات وقف المعاملات المالية حتى يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن القيادة الشرعية للبنك المركزي.

وفيما عبّر البيان عن قلق واشنطن من أن يؤدي المزيد من الاضطرابات مع البنوك الدولية إلى ضرر الاقتصاد الليبي ورفاهية الأسر الليبية، مؤكداً أن حل أزمة المصرف يضمن الشفافية والمساءلة عن أصوله ويمكّنه من الوفاء بولايته لدعم سبل العيش الاقتصادية لجميع الليبيين.
وعلى الفور أصدرت حكومة الوحدة الوطنية عبر وزارة خارجيتها بياناً عبرت فيه عن تفهمها قلق الجانب الأميركي والمخاوف المرتبطة بتطورات الوضع المتعلق بالمصرف، واعتبرت أن هذه المخاوف "ستنتهي بمجرد زوال تلك الحملات وتوحيد الصفوف خلف مؤسساتنا الوطنية".
وفي حين رحبت الحكومة في طرابلس ببيان الجانب الأميركي واعتبرت أنه يعكس "التزام الولايات المتحدة بدعم الاستقرار المالي وتعزيز الشفافية في مؤسساتنا المالية، وهو ما نعتبره خطوة إيجابية نحو توحيد وإصلاح المصرف المركزي"، أكدت أهمية "الحاجة المتزايدة إلى التدقيق في المعاملات المالية خلال المراحل الانتقالية للمؤسسات النقدية"، مشيرة الى أنها إجراءات بروتوكولية "ضرورية لضمان الشفافية والمساءلة".
 

طمأنة حكومية

في خطوة طمأنة عملية أعلنت الحكومة، خلال بيانها، تسلم مجلس إدارة المصرف الجديد "مهامه بسلاسة ومباشرة تفعيل المنظومات المختلفة والتجاوب الذي لاقته الإدارة الجديدة مع المنظومة المصرفية الدولية"، مشيرة إلى أن المجلس الجديد تسلم مهامه "بعد تسع سنوات من غياب الحوكمة والعمل الفردي"، مؤكدة أن خطوة تغيير إدارة المصرف "كان مطلباً أساسياً لكل المنظمات الدولية المعنية، وهذه الخطوة تمثل تطوراً مهماً في مسيرة الإصلاح المالي والإداري في ليبيا".
ورداً على دعوة بيان الخارجية الأميركية بشأن ضرورة التوافق حول قيادة شرعية للمصرف، قالت الحكومة: "في ما يتعلق بإضفاء مزيد من التوافق، أعلن المجلس الرئاسي التزامه بالمضي قدماً والانفتاح على الحوار برعاية بعثة الأمم المتحدة، مع منح فرصة أخيرة للمجلسين (مجلس النواب ومجلس الدولة) لتحقيق توافق بعد عشر سنوات من التخاذل، مما أدى إلى تعزيز الحكم الفردي وغياب الشفافية، وزيادة المخاطر المرتبطة بتنفيذ سياسات لا تعكس إرادة الدولة الليبية".
وختمت الحكومة بيانها بتأكيد "استمرار ثقتنا بالدولار والمؤسسات الأميركية، خاصة في ظل التحديات الحالية والتجاذبات والصراع على النفوذ في أفريقيا"، مؤكدة أيضاً تطلعها "إلى تعزيز التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام في ليبيا".
 

استمرار الانقسام وخطر العزلة

لكن ذلك يبدو أنه غير كاف لإرسال تطمينات إلى المنظومة المالية والمصرفية الدولية للحفاظ على ثقته في المصرف المركزي الليبي، خاصة أنه تطمين جاء من طرف الحكومة التي تصنف بأنها حليفة للمجلس الرئاسي، الطرف المقابل لمجلس النواب في عملية النزاع حول المصرف، كما أن الإجراءات الداخلية من جانب طرفي النزاع تتجه في طريق تعميق الانقسام بوضوح، مثل مخاطبة المحافظ المعين من مجلس النواب الصديق الكبير واقتراحه سبع شخصيات يشكل منها مجلساً لإدارة المصرف، وسط إمكانية اعتماد مجلس النواب للأسماء المقترحة وتشكيل مجلس إدارة منها لمعارضة إجراءات المجلس الرئاسي الذي شكل مجلس إدارة للمصرف ومكنه منه في طرابلس.
ومثل هذا الإجراء من جانب الكبير ومجلس النواب، يضع المصرف أمام خطر الانقسام الحقيقي، بحسب رأي الأكاديمي والباحث السابق في مركز بحوث العلوم الاقتصادية مرعي رحيل، مشيراً إلى أن الكبير لا يزال يحتفظ بجزء مهم من المنظومة الإلكترونية للمصرف، وتحديداً الخاصة بالتعامل مع المنظومة المصرفية والمالية الدولية، فيما تمكنت إدارة المصرف المكلفة من المجلس الرئاسي من استعادة الجانب الثاني الخاص بالتعامل مع المصارف التجارية الداخلية.
ويقول رحيل لـ"العربي الجديد": "الموقف الدولي لم يرتسم حتى الآن، لأنه لم يتلق أي تقييم بارتفاع المخاطر بشكل واضح لأن الكبير لا يريد أن يفقد ورقته القوية التي لا يزال يمتلكها، وبمجرد ورود أي تحذير من جانب الكبير سترفع المصارف الدولية تقاريرها إلى مؤسساتها وستعلن تعليق تعاملها الكلي"، مشيراً إلى أن بيان الخارجية الأميركي "مجرد انعكاس لقلق في أوساط المصارف الأميركية والدولية فقط، لأن قرار تعليق التعامل المصرفي مع أي دولة ليس سياسياً بقدر ما هو سيادي يتأسس على تقارير إدارات تقييم المخاطر".


تحركات الأطراف الدولية


ومن هذه الزاوية يرى رحيل أن "هذه الفرصة هي المساحة التي تتحرك فيها أطراف دولية للضغط على أطراف الصراع الليبي لسرعة التفاوض للتوصل إلى حل توافقي قبل دخول المصرف إلى نفق مظلم يشكل خطراً يترتب عليه مخاوف سياسية كبيرة"، مشيراً إلى أن خروج مصرف ليبيا المركزي من المنظومة الدولية يعني عدم القدرة على مساءلة أي طرف سياسي ليبي، ما يجعل مصير الأموال التي تتحرك عبره داخلياً مجهولاً.
ويؤكد رحيل أن غموض مصير حركة أموال المصرف المركزي في حال عزلته الدولية "أمر خطر بالنسبة للدولة لأسباب عديدة منها تبرز من سؤال: إلى أين تذهب الأموال، في ظل استمرار الأنشطة الإرهابية التي يمكن ان تتغذى على جانب من أموال المصرف، والأكثر خطراً هو تداعي أزمة المصرف على تدفق النفط وإمكانية تصديره بشكل غير شرعي، والخطر هنا يتحدد في القلق الأميركي والأوروبي في تنامي أنشطة الفاغنر الروس في ليبيا ورغبة موسكو في بناء وجود عسكري يحتاج إلى تمويل واسع".
ولم تعلن البعثة الأممية أي جديد منذ إعلانها الاثنين قبل الماضي اعتزامها عقد اجتماع بمشاركة الأطراف المعنية بأزمة المصرف، لكن بيان مجلس الأمن الخميس الماضي الذي حث فيه أطراف الأزمة على الحوار والتوقف عن إصدار الإجراءات الأحادية، دفع جانبي الأزمة إلى التجاوب نسبياً.
وفي حين رحب المجلس الرئاسي بالدعوة الى الحوار، اشترط بناء الحوار على نصوص في اتفاق جنيف تنقل اختصاص تعيين شاغلي المناصب السيادية إلى ملتقى الحوار السياسي إذا عجز مجلسَا النواب والدولة عن تعيين شاغلي تلك المناصب، في خطوة تهدف إلى انتزاع صلاحية تعيين محافظ المصرف من مجلس النواب.
ومن جانبه أثنى مجلس النواب على موقف مجلس الأمن وحرصه على حلحلة الأزمة السياسية الليبية، وفي الوقت ذاته كرر موقفه الرافض لقرارات المجلس الرئاسي بشأن تغيير إدارة المصرف وأحقية مجلس النواب في تعيين شاغلي المناصب السيادية بالتشاور مع مجلس الدولة، وفقاً للاتفاق السياسي. ودعا إلى أن يكون الحوار مع مجلس الدولة حول القوانين الانتخابية التي اعتبرها بيان مجلس الأمن أحد الأسس القانونية المؤطرة للحوار السياسي، في رغبة واضحة من مجلس النواب لنقل الحوار إلى الساحة السياسية لتشتيت قدرة المجلس الرئاسي على الاستمرار في التمسك بقراره حول المصرف.
 

جملة من القيود

وبحسب رحيل، فإن تعاطي مجلس النواب مع الدعوة الدولية إلى الحوار حول أزمة المصرف، مردها إلى عدم امتلاكه الكثير من الأوراق، فالمجلس الرئاسي أقر بصلاحية مجلس النواب رفقة مجلس الدولة في تعيين المحافظ، أسوة بكل شاغلي المناصب السيادية، لكن نصوص الاتفاق السياسي لا تنص على صلاحية مجلس النواب في تشكيل مجلس إدارة المصرف، موضحاً أن المجلس الرئاسي "ضيق خيارات مجلس النواب، فالكبير احتفظ بمنصب المحافظ من دون وجود مجلس للإدارة لسنوات طويلة جداً للسيطرة على قرار المصرف، ووجود مجلس إدارة مع أي محافظ لا يمكنه من إصدار القرارات بحرية، والآن ولو اعتمد مجلس النواب أسماء الكبير المقترحة ليشكل منها مجلس إدارة فلن يقرأها المجتمع الدولي إلا في إطار المناكفة، والكبير نفسه سيفقد مكانته في أوساط المصارف الدولية التي كانت تثق به".
ويؤكد رحيل خطورة استمرار النزاع القائم حول المصرف على علاقاته بالمنظومة الدولية المصرفية، من خلال سلسلة تداعيات متلاحقة أساسها تراجع ثقة المصارف الدولية في المصرف الليبي، وينتج عنها تعامل حذر معه يقلل من حجم التعاملات المالية والاستثمارية الدولية.
وحول الإجراءات التي يمكن أن يخضع لها مصرف ليبيا المركزي إذا ما استمرت أزمته، يوضح رحيل أن المصرف من المرجح أن يتعرض لجملة من القيود على المعاملات المالية تضطر المصارف الدولية إلى اتخاذها. وبحسب رحيل، فإن أخطر هذه القيود والإجراءات في ما يخص الجانب الليبي هي صعوبة إدارة احتياطات ليبيا المودعة في المصارف الدولية، ما يعرض الدينار الليبي للانهيار المستمر لأن هذه الودائع ضرورية لتمويل الاستيراد واستقرار العملة المحلية.
ويلفت رحيل إلى أن تداعيات أزمة المصرف بدأت تطل فعلياً، مستنداً في ذلك إلى معلوماته الخاصة حول توقف العديد من المصارف الدولية في تنفيذ تحويلات مالية إلى ليبيا، ومن داخل ليبيا إليها، مضيفاً: "قد يتطور الأمر لفرض قيود دولية أكبر إذا استمر النزاع حول المصرف، وهذه القيود ضرورية لأن مصرف ليبيا سيتحول إلى مصدر خطر بالنسبة للتعاملات الدولية بسبب الوضع التنظيمي والإدارة والقانوني الذي لم يتضح بعد".
ومن السيناريوهات التي يطرحها رحيل، عدم قدرة المصرف المركزي الليبي للعودة إلى المنظومة الدولية بسرعة في حال تعافيه وانفكاك أزمته، موضحاً أن "العزلة المالية حول المصرف التي بدأت ملامحها تلوح، ستعيق رجوعه إلى النظام الدولي المالي والمصرفي لوقت طويل حتى إذا تعافى واتضح نظامه الداخلي وإدارته، فلن يتمكن من الانخراط بشكل فعال في منظومة المصارف الدولية إلا بمرور وقت طويل".

المساهمون