يحدثُ أن تكونَ غريباً في بلدٍ غريب

08 مايو 2021
خالد تكريتي/ سورية
+ الخط -

المنفيون

المنفيُّون من البيتِ من كُلِّ البيوت من العائلةِ من كُلِّ العائلات من الوطنِ الذي ليس سوى واحدٍ والبقيةُ منفى شاسع. المنفيُّون لـ "العمل في الخارج"، دون أن يعلموا ثمنَ أن يكونوا أجانبَ إلى الأبد. المطرودون من بيت طفولتهم، لا يبقون أبدًا في أيِّ بيت. المنفيُّون في السجون، في أقبيةِ محطاتِ المترو، المنفيُّون من رحلاتِ أصدقائهم، وحفلاتِ زفافِ حبيباتِهم الذين يعبرون حدودَ البلاد المُحرّمةِ والحُبِّ الممنوع، وحدودَ ما يعرفونه عن أنفسهم. المنفيُّون في سنواتِ التِّيهِ الأربعين التي لا تنتهي أبدًا.
الذين يولدون ويحيَوْن من جديدٍ في المنفى
هم الموتى المنفيُّون.
يشي بهم صوتُهم،
وشَعْرُ رأسِهم،
وعَرَجُهُم،
وحُبُّهم
الخطيئةُ الأولى للمنفيين.


■ ■ ■


الصرخة

يحدثُ أن تكونَ غريبًا
في بلدٍ غريب
لا تعرفُكَ الشوارع
يحدثُ أن تعبرَ جسرًا مئات المرّات
وتنظرَ في الماءِ أيامًا
محاولًا أن تتركَ صورتَكَ
في سجلّ الوجوه المألوفة
لكنّ ذاكرةَ النهر لا تحفظ وجوهَ الأجانبِ
كما أن ماء النيل لا يضرُّ أهلَه
يحدثُ أن تمُرَّ من جديدٍ
للمرّة الأولى بعد الألفِ
بنفس الجسرِ
فوق نفس النهرِ
تقطفُ وردةً ورقةً ورقةً:
يذكرُني/ لا يذكرُني
يعرفني بلاطُ الجسرِ/ لا يعرفُني
لم أعد غريبًا/ سأكونُ دائمًا
يحدث أن...

()
يصرخُ وجهٌ لا تميّزُه في عربة مسرعة
باسمك الغريب
فتتعرّف عليه الشوارعُ
وبلاطُ الجسرِ
والنهرُ
وأزهارُ الشاطئِ
ويفتحُ صدرَهُ للدنيا... دون خوف.


■ ■ ■


"لا وقت لحزم الأمتعة،
لا أمتعة".

لا متاع أثقل من الغضب
ولا مسافر أثقل حملًا من حامل الكُره
لا طريق أطول من الهرب
ولا مرآة أظلم من تلك
التي نرى فيها وجهنا مُهانًا

ما من عقيدة لا تُهدم
أمام الرعب
ولا إيمانٍ لا تهزمه
الانكسارات

ما من شيءٍ
ما دام الخوفُ ساكنًا
قادراً على إحيائنا

ما دامت الحربِ
لا مفرّ من الرحيل
وما دام الغضبُ
لا مفرّ من السير
بحثًا عن هواءٍ آخر
لا تلوّثه غيوم الكراهية


■ ■ ■


شيء عمّا حدث

أبحثُ عن خيطِ الموسيقى
لأقولَ شيئًا عمّا حدث 
لكنّ ما حدث يُشبِهُ غيابَ الموسيقى
أن تجدَ نفسَكَ فجأةً 
وحدَكَ في الصَّحْراءِ
لَفَظَكَ حُلمُ الواحةِ
بلا خريطةٍ ولا ذاكرةٍ
"وإن لم يعد الحُبُّ صاحبًا، إلى أين المسير؟"1
إلى أين؟
حيث يحملُكَ السراب،
لكنَّ شمسَ صحرائِكَ لا تَحرِق،
ولا تغيب.
لا سرابَ فيها،
ولا ليلَ،
لا تتقلّبُ عليك الأنهرُ والليالي
ليس سواك
في مشهدٍ لا يتحرَّكُ
كأنكَ استيقظتَ
في صورةٍ باهتةٍ للصحراء
تنظرُ من الجدار
ولا تملك مغادرته.


* شاعر ومترجم مصري مقيم في كولومبيا

ــــــــــــــــــــــــــــ

1 البيت المضمّن بين القوسين من قصيدة بعنوان "الحياة بلا جدوى" للشاعر الكولومبي إدواردو كوتي لاموس.

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون