تبنّت هيلين فرانكنثالر أسلوباً مبتكراً في الرسم، حيث كانت الألوان تُترَك فوق قماش غير مُجهّز فترة ليمتصها، على أرضية مرسمها، ليبدو اللون داخل سطح اللوحة وليس فوقه، بحيث يُدمَج في القماش ويُترَك يتجمع ويغمره حتى يجفّ وتتشكّل بحيرات من الطلاء تضع عليها الفنانة الأميركية (1928 - 2011) لمساتها النهائية، فتضيف خطاً حول بقعة، وملامح وجه في بقعة، وحدود جزيرة في حالة انسكاب.
"الجمال الراديكالي" عنوان معرضها الاستعادي الذي يُفتتح الأربعاء، الخامس عشر من الشهر الجاري، في "غاليري دولويتش بكتشر" بلندن، الذي يتواصل حتى الثامن عشر من نيسان/ إبريل المقبل، ويضمّ أعمالاً تمثّل تجربتها التي تمتدّ لأكثر من ستين عاماً في الرسم والطباعة.
في عام 1951، زارت فرانكنثالر الفنان جاكسون بولوك، أحد أبرز رموز التجريد في الولايات المتحدة، برفقة صديقها الناقد الفني كليمنت غرينبيرغ، حيث شاهدته وهو يضع لوحاته على الأرض ويلقي عليها الطلاء، وكان ذلك كفيلاً بأن تدخل عالم الفن، بعد أن أمضت سنوات وهي ترسم بلا هدف.
ورغم أنها قدّمت رؤى وتقنيات جديدة ضمن الجيل الثاني من التجريديّين التعبيريّين الذين تصدّروا الحركة الفنية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تنل شهرة بولوك ولا غيره من الفنانين الأميركيين، حيث لم يكن سهلاً الاحتفاء بامرأة فنانة خلال تلك الفترة، ولم تجد أعمالها القبول ذاته في أسواق الفن.
يحتوي المعرض على لوحتها "مشهد الشاطئ" التي نفّذتها عام 1961، وفيها يظهر ثلاثة أطفال على الرمال الصفراء التي رُسمت كرشقات نارية تشبه الكتابة على الجدران، مقابل مستطيل كبير باللون الأزرق يشير بوضوح إلى البحر.
عالمان يتمزّقان ويتداخل تكوينهما في اللوحة، حيث مزجت فرانكنثالر بين معطيات يمكن رؤيتها في الواقع وبين عالم آخر يتشكّل من رموز وعلامات تخلق فوضى سوريالية مأخوذة من أحلامها، حيث رسمت رأس المرأة وشفتيها وأسنانها وعينيها بالأصفر أيضاً، لتخلق مناخات مغايرة عن تلك العوالم الخيالية التي سادت في أعمال المدرسة التجريدية التعبيرية آنذاك.
استفادت الفنانة الأميركية من مرجعيات دراستها المتعدّدة، حيث بدأت تعليمها في مدرسة دالتون على رسام الجداريات روفينو تامايو، ثم أكملت دراستها في كلية بينينجتون بمدينة فيرمونت، وهناك تعرّفت إلى اتجاهات فنية جديدة مثّلت تطويراً للتكعيبية خلال الأربعينيات، وبعد تخرّجها عملت مدرّسة للفنون، ما أكسبها دوماً تفاعلاً مع فنانين من خلفيات متنوّعة.
تضمّنت لوحاتها مساحات لونية متراكمة تنزع نحو العفوية والارتجال، وتتجاوز التكوينات المألوفة، حيث ترسم أشكال الطبيعة بمفردات وعناصر مشتقة من حالاتها العاطفية المتقلبة، أو بمواضيع دينية وأسطورية اختزلتها بخطوط ونقط وعلامات.
تقول فرانكنثالر في أحد التسجيلات المصوّرة: "أحد الكليشيهات التي أستخدمها طوال الوقت، بأن القاعدة الوحيدة هي عدم وجود قواعد. وإذا كان لديك شعور حقيقي بالحدود، فأنت حرّ في الخروج منها".