يحضر اسمُ محمد علي باشا (1769 - 1849) في الكثير من المؤلّفات الأكاديمية التي تتناوَل المنطقة العربية والدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر، وأيضاً في الأخبار والمراسلات وكتابات الرحّالة؛ وهي نصوصٌ تُشير إلى كونه "مؤسِّس مصر الحديثة" وباني نهضتها العسكرية والتعليمية والصناعية والزراعية والتجارية، ومؤسّساً للأسرة العلوية التي استمرّ حكمها حتى عام 1952، وأيضاً إلى كونه متمرّداً هدّدت محاولاته التوسُّعية الإمبراطورية العثمانية نفسها.
ضمن الحلقة العاشرة من سيمنار "رواق" الذي ينظّمه "المعهد الفرنسي للآثار الشرقية" في القاهرة بالتعاوُن مع كلّية الآثار في "جامعة عين شمس"، تُقدّم الأكاديمية المصرية في "جامعة ماربورغ" الألمانية، هالة غنيم، عند الثالثة من مساء الأربعاء المقبل، محاضرةً نقاشيةً في المعهد بعنوان "باني مصر الحديثة ما بين الفن وكتابة التاريخ"، تُضيء فيها على كيفية تناوُل محمد علي باشا (كافالي محمد علي باشا كما يَظهر في النصوص التركية) في الكتابات التاريخية والأعمال الفنّية.
يُشكّل الموضوعُ محورَ أطروحةٍ بعنوان: "قوى الوالي الناعمة في أوروبا: بورتريهات محمد علي باشا بين الدعاية السياسية، التوثيق التاريخ، والنموذج السعيدي للاستشراق"، نالت عنها أستاذةُ الثقافة البصرية، وتاريخ الفن، وحفظ التراث، شهادة دكتوراه من "جامعة ماربورغ" في تمّوز/ يوليو من العام الماضي، وتناولت فيها تأثير الدبلوماسية المرئية واستخدام محمد علي باشا، الذي حكم مصرَ بين 1805 و1848، للوحات المستشرقين كجزء من سياساته للتأثير على الرأي العام الأوروبي.
وكما يُخبرنا به العنوان، تذهب غنيم، في محاضرتها، إلى أنّ سلالة محمد علي باشا أولت اهتماماً كبيراً لمشاريع كتابة التاريخ، وهي مشاريع حوّلته، في المخيال الجمعي، من مجرَّد مؤسّس لسلالة حاكمة إلى "مؤسّس/ باني مصر الحديثة"، مُشيرةً إلى أنّه، وبالتوازي مع مشاريع التأريخ، رعت النُّخَب الملكية مسابقات فنّية كان الهدف منها "تمجيد وإدامة وإحياء ذكرى الأب المؤسِّس وخُلفائه".
تتتبّع المحاضرة اشتباكات الفنّ والتاريخ في تشكيل الدعاية السياسية لمحمد علي باشا بين 1805 و1849، لتخلُص إلى أنّ الإستراتيجيات الدعائية للنص والصورة تُظهر بشكل صريح أنَّ "محمد علي باشا نفسَه استخدمها أيضاً لتشكيل جسده السياسي على الصعيد المحلّي الدولي".