يختلط الحديث عن مسرح خيال الظلّ بالكثير من الإشارات، فنشأته المبهمة نوعاً ما وقعت دائماً على نقيضِ ما تبوح به شخصياته من نقد اجتماعي لاذع ومغلّف بالسخرية. كذلك أدواتُه التي يمكنُ وصفُها أنّها البدايات الجنينيّة لتأسيس الفنّ المسرحي ككل قبل أن يتطوّر بفضل مفاهيم الحداثة، وتقنياتها. إلّا أنّ الجانب السحري في هذا الفن التقليدي يتمحور حول كلمة الظلّ نفسها، بما فيها من احتجاب يُعطي حرّية أكثر لصاحبه كي يطلق من المقولات والتصرّفات ما يشاء.
"مسرح خيال الظل المصري من جعفر الراقص حتّى الآن" هو عنوان الكتاب الصادر مؤخّراً عن "الهيئة العامة المصرية للكتاب" للباحث نبيل بهجت، وهو مؤسّس "فرقة ومضة لخيال الظل" عام 2003. يقدّم المؤلّف في عمله حصيلة خبرته التطبيقية والنظرية في الاشتغال بهذا الفن لسنوات طويلة، متنقّلاً بعروضه بين بلدان وعواصم عالمية.
يُعالج الكِتاب عدداً من الموضوعات في فصولٍ ثلاثة. في الأوّل، "المصطلح والمكوّنات والفلسفة"، ينظر المؤلّف في الأسباب التي خلقت مسرح الظل، وهي متوزّعة بين العوامل الثقافية وصولاً إلى الاجتماعية، وتتراوح بين الحاجة إلى النقد وصولاً إلى عامل التسلية. أمّا الفصل الثاني، وعنونه بـ"المؤثّرات وبُنية النص"، فيقارب النصوصَ التي تُؤدَّى من زاوية أدبية، ويخلُص إلى أنّ عملية تأليفها وكتابتها من الأهميّة بما يصنع منها جنساً كتابياً يتأثّر بلغة وأساليب معيّنة.
في الفصل الثالث، المعنون بـ"تطوّر تقنيات مسرح الظلّ"، يقف المؤلّف على الجانب الفُرجَوي والأكثر ظُهوراً لعين المُشاهدِ، وفيه تتحقّق عناصر الجذب والإمتاع. وفي هذا الفصل حديث مطوّل عن موادّ تصنيع وتحريك الدمى التي اختلفت من عصر إلى آخر، كما يتتبّع أماكن العرض واختلاف شكل المسرح بين بيئة وأُخرى.
ومن حيث المرجعية التاريخيّة والبحث في أصول هذا الفن، فإنّ الكتاب يعرض لأسماء أبرز المشتغلين، انطلاقاً من التراث العربي الإسلامي من أمثال جعفر الراقص في القرن الخامس، وابن دانيال في القرن السابع الهجري، مروراً بأمثال ابن سودون وحسن القشاش وغيرهم، وصولاً إلى العصر الحديث الذي لمع فيه اسم الفنّان المصري الراحل حسن خنوفة (2004)، والذي تابع الباحث نبيل بهجت مسيرتَه بتقديم واحتراف مسرح خيال الظل.