مع غزّة: وجدي الكومي

03 مارس 2024
وجدي الكومي
+ الخط -
اظهر الملخص
- يعبر الكاتب المصري المقيم في سويسرا عن تأثره الشخصي والإبداعي بالأحداث في غزة، مشيرًا إلى تأثير العدوان على نفسيته وتوقفه عن الكتابة بسبب التعليقات السلبية، ويؤكد على أهمية الإبداع في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية.
- ينتقد الكاتب التناقض في مواقف الغرب تجاه الأزمات العالمية ويشير إلى الحرب على غزة كصراع عالمي ضد الفلسطينيين، مؤكدًا على دور الإبداع والتواصل في الأوساط الأوروبية لنشر الوعي.
- يختتم بالتعبير عن رغبته في الانضمام إلى القوافل الإنسانية وينتقد نظام الفيتو الدولي، موجهًا رسالة أمل لأطفال فلسطين ومؤكدًا على أن الحرية ستعود يومًا ما إلى فلسطين.

تقفُ هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "ما نعيشه اليوم هو حربٌ عالمية تُشنّ ضدّ الفلسطينيّين"، يقول الكاتب المصري في لقائه مع "العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- الاعتياد، هاجسي هو كيف يعتاد العالم معايشة الفظائع. استمرّت الحربان الأُولى والثانية سنوات، اعتادت البشرية خلالهما إفناء بعض المجموعات بعضها الآخر، ثمّ وضعت هذه البشرية مواثيق وقوانين دولية للحدّ من الصراعات، ووقف نزيف الدم البشري، لكنّه مع ذلك لم يتوقّف.

في هذه السنوات، اندلعت حرب الروس على أوكرانيا، ورأينا بأعيننا كيف وصف الغرب هذه الحرب بالأوصاف البشعة والقميئة، وكيف اصطفّوا لنصرة الأوكرانيّين، وكيف ساندوا أوكرانيا باعتبارها الطرف الضعيف الذي يقف في مواجهة آلة القتل والغزو الروسية التي وصفوها بـ"البشعة" . اصطففنا، نحن أيضاً، خلف الغرب وهو يفتح الملاجئ والبيوت للاجئين الأوكرانيّين، ورأينا أوروبا وهي تعلن عن دعمها اللانهائي للمواطنين النازحين، وتجييش القوّات والأسلحة لمساندة الطرف الذي يتعرّض للغزو، كي ينتصر.

فوجئت كيف يستطيع الغرب أن يحدّد اختياراته ببساطة، ويحدّد أيّ صفّ يقف فيه، أقصد بالغرب هنا الحكّام الذين يحكمون الولايات المتّحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، الدول الأربعة التي تتزعّم دعم "إسرائيل" في حربها الاستيطانية ضدّ الفلسطينيين، صار هاجسي الآن أنّنا شهود حرباً عالمية، أو حرباً صليبية، تشنّها هذه الدول ضدّ الفلسطينيّين.


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- في الشهور الأُولى، كنت أستيقظ يومياً وأكتب نداءات على صفحاتي في مواقع التواصل الاجتماعي لنظام السيسي في مصر كي يفتح معبر رفح لمساندة الفلسطينيّين، ثم بدأت أكتب أفكاراً عن: ماذا بعد إفناء الفلسطينيين؟ هل يمكننا أن نتعايش مع فكرة إبادة شعب عربي بكامله؟ ثم بدأت أطرح أسئلة عن: ما هي تبعات إفناء الشعب الفلسطيني، بالتأكيد هناك تبعات رهيبة لذلك؟ ثم توقّفت عن الكتابة على صفحتي في فيسبوك بعد تعليقات مسيئة تلقّيتها من البعض ألمحوا فيها إلى أنّني أستغلّ سفري في شتم النظام، وأنّني لا أبالي، بينما في الحقيقة سفري للخارج هو بغرض الدراسة، وسينتهي بانتهاء فترة دراستي.

في النهاية، وجدتُ ألّا طائل من الكتابة، وانتابتني فترات اكتئاب من متابعة قتل الفلسطينيّين الذي تحوّل إلى عادة يومية لا تستطيع أنظمتنا العربية إيقافها. اليأس دفعني أيضاً إلى إغلاق صفحتي على فيسبوك، والإبقاء على حسابي في تويتر. لا أستطيع الكتابة أو القراءة بسبب متابعتي للعدوان على الفلسطينيّين، لكنّ مشاهداتي للأخبار تقطّعت، وصارت بضع ساعات يومياً، أغلب النهار أقرأ كتباً عن القضية الفلسطينية، بسبب مراجعتي دروسي التي أتابعها في الجامعة، أحضّر أيضاً لامتحان بينما أكتب لك هذه السطور، وهو ما يستحوذ على جلّ وقتي واهتمامي للأسف.

كيف يُعقل أن نتعايش مع فكرة إبادة شعب عربي بكامله؟

■ إلى أي درجة تشعر بأن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- لا أعتقد أنّه يمكن لأحد في هذه الأحداث التركيز على عمل إبداعي يتناول أحداث الإبادة الجماعية التي يرتكبها الصهاينة ضدّ الفلسطينيين العزّل، لكن التدوين، وكتابة الملحوظات، وقراءة الكتب، واسترجاع فصول تاريخية مهمّة في الصراع العربي الإسرائيلي، فعّال في مواجهة حرب الإبادة، الحقيقة من موقعي كعربي مقيم في أوروبا في هذه الشهور الصعبة التي يواجه فيها الفلسطينيون آلة القتل الإسرائيلية البشعة. كان بوسعي أن أسهم مساهمة ضئيلة في الكلام عن القضية الفلسطينية حتى مع أصدقائي المقرّبين الذين يجهلون الكثير من تفاصيلها، وعرفت بالطبع أنّ هناك العديد من الطلّاب المصريّين والعرب الذين يفعلون ذلك أفضل منّي بكثير في العواصم الأوروبية.


■ لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- لو أتيح لي أن أبدأ من جديد، لانضممت إلى المجموعات التي تنشط في تنظيم القوافل الإنسانية للإغاثة، هذا هو الدور الذي أتمنّى أن يُتاح لي، أو أعتقد أنّني قد أكون فعّالاً فيه. لا أجد نفسي في العمل السياسي، أو النضالي، وهذا راجع لمكوّنات شخصية، فأنا لا أجيد إلقاء الخطب، أو إجراء المقايضات السياسية. السفر إلى الأماكن المتضرّرة أو المنكوبة لدعم أهلها هو ما أحبّ أن أشارك فيه، ولو أتيحت لي الفرصة الآن للسفر إلى قطّاع غزّة ضمن قافلة إنسانية لانضممت إليها فوراً.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- أتمنّى أن يحدث شيء يجعل العمل بنظام الفيتو الذي تستخدمه أميركا لمنع إيقاف الحرب على الفلسطينيّين معطَّلاً. كيف نصمّم نظاماً لحماية البشرية من الحروب والدمار، وفي نفس الوقت نضع في هذا النظام مسمار جحا يُعطّله عن العمل ويجعله دون فائدة، أمر مضحك أن تصوّت الولايات المتّحدة للمرّة الثالثة أو الرابعة مستخدمة حقّ الفيتو ضدّ وقف النار، أمر مضحك أصلاً أن يكون لدينا "مجلس الأمن"، وفي نفس الوقت نعجز عن تحقيق الأمن ووقف الدمار.

هذه الحرب ستنتهي ككلّ الحروب، وستستردّ فلسطين حرّيتها

■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟ 

- غسّان كنفاني أو إدوارد سعيد، ربّما لن أقول، ولكن سأسأل: ما هو المَخرج؟ وما هو الصواب الذي يجب على الفلسطيني اليوم أن يسلكه والعالم كلّه يتآمر ضدّه؟


■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- نحن العاجزون عن نجدتكم... سامحونا لأنّ أنظمتنا العربية خذلتكم.


■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- هل ترى؟ حكّام أوروبا وأميركا لا يريدون لنا أبداً أن نعيش... إلّا تحت الاحتلال والذلّ والهوان.


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- عزيزتي دارين.. إنّني أراك يوماً ما ستقودين شعبك إلى الحرية، يوماً ما ستجلسين في مقعد الحكم، وتقودين أهلك إلى الأفضل لهم، يوماً ما أراك تجلسين أمام علم فلسطين، تتحدّثين عن تاريخ المعاناة، عن هذه الحرب، وتطالبين بتعويضات من الأمم والدول التي تواطأت على فلسطين، وعلى قطاع غزّة. هذه الحرب ستنتهي، كما تنتهي كلّ الفظائع، وستستردّ فلسطين حرّيتها، وستكونين أنت وكلّ الأطفال الناجين منها ذاكرة فلسطين وستكتبين عن الفظائع، وستدينين العالم بما ارتكبوه في حقّك وحقّ بلادك وحقّ عائلتك من جرائم، أراه قريباً، أرى هذا اليوم أقرب مما تتخيّلين.



بطاقة

روائي وكاتب صحافي مصري من مواليد عام 1980. يعيش في سويسرا بشكل مؤقّت بغرض الدراسة. صدرت له مجموعتان قصصيتان، هما: "سبع محاولات للقفز فوق السور" (2013) و"شوارع السماء" (2017)، وسبع روايات؛ هي: "شديد البرودة ليلاً" (2008)، و"الموت يشربها سادة" (2010)، و"خنادق العذراوات" (2013)، و"إيقاع" (2015)، و"النسوة اللاتي" (2020)، و"دفتر أمّي" (2022)، و"بعد 1897 صاحب المدينة" (2022).

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون