أصبح من نافل القول أن الأنشطة الثقافية والفنّية في لبنان باتت مرتبطة بنوع من التحدّي، على مختلف مستوياته من الإفصاح المباشر إلى الإشارة والتلميح.
معارض تشكيلية وأمسيات لا يستطيع القائمون عليها فكاكاً من الراهن وظروفه، وفي هذا السياق يأتي معرض "تحيّة إلى بلادي" للتشكيلي مارون الحكيم (1950) الذي افتُتح الخميس الماضي بغاليري "آرت أون 56" ويستمرّ حتّى السادس من آب/ أغسطس المُقبِل.
تتوزّع أعمال التشكيلي والأستاذ في الجامعة اللبنانية ما بين اللوحات المشغولة بالأكريليك (36 لوحة) والمنحوتات الحجرية (12 عملاً) بأحجام لا تتعدّى المتوسّط.
العنونة التي ينطلق منها المعرض، بالإضافة إلى الجوّ العام في البلد، قد يُحيّدان حسّ المفاجأة عند المتلقي ويُحيلان إلى إدراكٍ قَبلي عن أيّ المواضيع يريد الفنّان أن يتحدّث. كما لا يُمكنُ إغفال ذلك الترتيب الواقعي الذي يطغى على اشتغالاته، ولكنّ عاملَ الخِبرة يكشف عن نفَس طويل في صياغة الموضوع الذي يعيشه ويلمسه المتلقّي أصلاً، ولكنّه مع لوحة الحكيم يستعيد دورته وطموحه الفنّي بصيغة جديدة، بعيداً عن روتين الواقعية، بل تُصبح هذه الأخيرة عامل ترميم للأزمات والانفجارات التي عصفت بلبنان خلال السنوات الأخيرة.
لونياً، تُساير الأعمال مشهدية مدينة بيروت، حيثُ تتحوّل الرماديةُ إلى غيمة تمسح التفاصيل وأحياناً تُصغّرُ حجومها؛ إنّها شكلٌ من أشكال الانقباض على الذات. وربّما توازي المنحوتات هذا الانقباض أيضاً. وإنْ نَجت من تلك الرمادية، إلّا أنّها كحجارة هذه البلاد ليس أمامها أيّة حيلة تُنجيها من تفتّت مفاجئ.
وإذا ذُكرت المدينة يحضرُ بحرُها بالضرورة، والذي يبدو بالتقاطة الحكيم أشبه بمجموعة منثورة من البحور المُصغَّرة، لا بحراً واحداً، رغمَ أنّ مَعالمه تبقى واضحة، إذ لا ينتقل به صاحبه من الواقعية إلى التجريد، بل يكتفي بوضعه إلى جانب عناصر المشهد، فينكشف وضعه العادي دون أيّ سحر أو تعالٍ، وهو بذلك يشبه أيّ شيء آخر ناله نصيب من التفتيت.
يُشار إلى أنّ في رصيد تجربة الحكيم ــ التي بدأها منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي ــ أكثر من خمسة وثلاثين معرضاً في دول مختلفة، مثل مصر والعراق وسورية وسويسرا وفرنسا وكندا.